ألقى مصطفي مدبولي رئيس وزراء حكومة الانقلاب العسكري بمصر بيان حكومته أمام مجلس النواب، والمفترض أن ما جاء بالبيان يستهدف تحقيقه خلال السنوات الأربع القادمة، والملاحظ بشكل عام إطلاق وعود فضفاضة دون جداول زمنية ملزمة للحكومة، بحيث يمكن محاسبتها في نهاية السنوات الأربع، أو ما يمكن إنجازه خلال تلك الفترة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ثمة مجموعة من الوعود، هي أوهام يتم تسويقها على صعيد الإعلام، ومن الصعوبة بمكان تحقيقها خلال الفترة القادمة، وكان أبرز هذه الوعود، ما جاء في المحور الأول، الخاص بالأمن القومي، إذ ذكر من قضايا الأمن القومي التي تعمل الحكومة تحقيقها “وتوفير مخزون كاف من السلع الاستراتيجية في المدى القصير، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية في المدى المتوسط”.
وفيما يتعلق بتوفير المخزون الكافي من السلع الاستراتيجية في المدى القصير، فلن يكون أمام الحكومة عائق في ذلك، إذ إنها تعتمد على الاستيراد، وبخاصة بعد تحرير أسعار العديد من السلع، وبقاء السلع التموينية في عدد محدود وبكميات محدودة.
أما الوهم الكبير في هذا الشأن فهو حديث مدبولي عن تحقيق اكتفاء ذاتي من المحاصيل الرئيسية في المدى المتوسط، أي أن مصر سوف تحقق اكتفاءً ذاتيًا في القمح والزيوت واللحوم، وهو هدف لا تتوفر له مقومات حقيقية في ظل السياسة الاقتصادية الحالية، والمتبعة منذ ما بعد انقلاب يوليو 2013.
فلا تزال الحكومة تهدم جسور تشجيع الفلاحين على زيادة مساحات القمح المستهدفة، فضلًا عن غياب الإرشاد الزراعي، ناهيك عن دوامة كل عام، إذ تتأخر الحكومة في الإعلان عن سعر توريد القمح، وربطه بالأسعار العالمية، وإعلان أسعار توريد، قد تكون حصيلتها في النهاية زراعة بلا عائد بالنسبة للفلاح في ظل ارتفاع أسعار الوقود والسماد والبذور.
والجدير بالذكر أن مصر تحتل المرتبة الأولى في استيراد القمح على مستوى العالم، بنحو 7 ملايين طن، فيما أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نشر دراسة حديثة مؤخرًا عن إنتاج الزيوت النباتية تراجع بنسبة 20% خلال الفترة من 2006 – 2016، وذلك على الرغم من أن عام 2006 لم يكن حلمًا من حيث كميات الإنتاج، فما بالنا في ظل ارتفاع معدلات الزيادة السكانية؟
وإذا كانت الحكومة قد وضعت قيودا صارمة على زراعة الأرز بسبب أزمة المياه التي تعيشها مصر، وأدى ذلك إلى فتح باب استيراد الأرز من الخارج، فكيف ستحقق الحكومة الاكتفاء الذاتي في ظل هذه السياسات المتضاربة؟! اللهم إلا إذا كانت الحكومة تعتبر الاستيراد أحد آليات توفير الاكتفاء الذاتي، وهو ضرب من الدجل بلا شك.
ووفق بيانات تقرير البنك المركزي المصري لعام 2016-2017 بلغت واردات مصر من المواد الغذائية والحبوب نحو 10.3 مليار دولار. منها 4.7 مليار دولار لواردات الحبوب فقط، ونحو 5.6 مليار دولار لواردات المواد الغذائية بدون الحبوب.
وبانتظار برنامج الحكومة في تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من خلال جدول زمني على مدار السنوات الأربع القادمة.
وبعد سرد مكونات برنامج حكومة مدبولي المكون من خمسة محاور، ذكر أن هناك ثمارا مرجوة من تطبيق الحكومة لما ورد من برامج ومشروعات خلال السنوات القادمة، إلا أن ما ذكر بحجم فرص العمل المنتظر تحقيقها سنويًا غير متصور، في ظل حالة الانكماش التي يعانيها القطاع الخاص غير النفطي، والذي عول عليها برنامج مدبولي في قيادة التنمية.
فقد ذكر بيان حكومة مدبولي نصَا “وينتج عن كل هذه الأنشطة توفير نحو 900 ألف فرصة عمل سنوياً بإجمالي 3.6 مليون فرصة عمل في 4 سنوات ولن تغفل الحكومة حصة الأشخاص ذوي الإعاقة والشباب والمرأة المعيلة من هذه الفرص”.
في أحسن التقديرات أن الحكومة نجحت في توفير 500 ألف فرصة عمل في العام، وهو رقم محل شك، كما أن الأرقام التي ينشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء عن تراجع أعداد العاطلين، يعتمد على أداة قياس غير واقعية، وتظهر نتائج وهمية. فمؤشر التشغيل لدى الجهاز هو أن كل من يعمل لفترة ساعة في الأسبوع كحد أدنى لا يعد عاطلًا، ومن هنا نجد أن أعداد البطالة في مصر تتراجع في حين أن معدلات أداء النشاط الاقتصادي لا تسمح بهذا.
لقد ذكر تقرير بنك دبي الإمارات مؤخرًا، أن مؤشرات أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر، تعكس استمرار حالة الركود والانكماش، وأن هناك حالات تراجع في الطلب على الوظائف. فكيف ستحقق حكومة مدبولي، فرص عمل للأعداد التي أعلنت عنها؟
المفترض أن حكومة مدبولي ستضاعف عدد فرص العمل الجديدة التي تم إتاحتها خلال عام 2016-2017، وهو ما يعني زيادة غير ممكنة في حجم الاستثمارات.. إن كافة المؤشرات تشير إلى تعثر حركة الاستثمار في مصر بسبب السياسات الاقتصادية المتعارضة، كيف سيقبل المستثمرون على العمل والإنتاج، وتوسعة المشروعات، في ظل سعر فائدة 17.8%، واستمرار سياسة رفع أسعار الوقود حتى يكون معدل الدعم الخاص به صفر مع نهاية 2019.
ثمة جوانب أخرى ببيان حكومة الانقلاب على الصعيد الاقتصادي، تظهر عدم اكتراثها بالمحاسبة من قبل مجلس النواب أو منظمات المجتمع المدني، مثل تغطية نسبة 60% من القرى المصرية بخدمات الصرف الصحي، أو توفير الحماية الاجتماعية، أو أنها لن تترك فقيرًا واحدًا يتكفف الناس.
وبلا شك أن التاريخ لا ينسى، ومؤشرات الرصد باقية، ليتأكد لنا كذب حكومة الانقلاب في كافة وعودها، ليس على مستوى الوعود الاقتصادية في حسب، بل في كافة مجالات الحياة بمصر.