شأن كل اقتصاديات العالم تأثر الاقتصاد المصري بالأزمة المالية العالمية، وقد أشار الرئيس حسني مبارك إلى ذلك بخطابه في 23 من الشهر الجاري أمام مجلسي الشعب والشورى، بالقول "إن الأزمة الحادة الراهنة ستطول كل دول العالم بانعكاسات سلبية أكيدة وبدرجات متفاوتة، وعلينا أن ندرك أن تداعياتها آتية إلينا شئنا أم أبينا".
وحدد مبارك الآثار السلبية للأزمة من خلال تداعياتها على الصادرات والاستثمارات وإيرادات قناة السويس والسياحة.
وتعكس الموازنة العامة آثار الأزمة، وشرع في تنفيذ ميزانية العام المالي 2008/2009 مع أول يوليو/ تموز الماضي، وقد بنيت حسابات هذه الموازنة قبل وقوع الأزمة المالية العالمية، وبالتالي لم تأخذ تداعياتها في الحسبان.
"
لمس عبد الله شحاتة، تأثير الأزمة المالية العالمية على الإيرادات العامة في الموازنة، من خلال موردين أساسيين، وهما النفط وقناة السويس
"
لمس أستاذ المالية العامة بجامعة القاهرة عبدالله شحاتة للوهلة الأولي تأثير الأزمة على الإيرادات العامة، بسبب موردين مهمين وأساسيين، وهما النفط وقناة السويس.
فالموارد العامة بالموازنة للعام الحالي قدرت بنحو 275 مليار جنيه، كما قدرت فوائض هيئتي النفط وقناة السويس للموازنة بـ22.1 مليارا و15.9 مليارا على التوالي، كما قدرت حصتهما في الإيرادات الضريبية أيضا بـ34.9 مليار جنيه و12.06 مليار جنيه على التوالي.
ومع مشاهدة ما حدث من انخفاض في أسعار النفط ليصل لنحو 53 دولارا للبرميل، أو التوقع بتراجع حركة السفن في قناة السويس بسبب حالة الركود التي سيمر بها الاقتصاد العالمي، فإننا أمام احتمالات كبيرة بانخفاض الإيرادات العامة وحصيلة الضرائب في نهاية العام المالي.
ويضيف شحاتة أن هناك على الجانب الآخر آثارا إيجابية تتمثل في انخفاض أسعار السلع الزراعية والغذائية مثل القمح الذي انخفض سعره من 480 دولارا للطن إلى نحو 225 دولارا للطن، وكذلك بقية السلع الأخرى، وهو ما يعني انخفاض المبالغ المخصصة لدعم السلع الزراعية والغذائية بالموازنة التي أدرج لها هذا العام نحو 15 مليار جنيه، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل سيشهد دعم الطاقة أيضا انخفاضا ملحوظا في ظل انخفاض أسعار النفط.
"
اعتبر أشرف بدر الدين أن قناة السويس تواجه تحدي مزدوج هو حالة الركود في الاقتصاد العالمي، وعمليات القرصنة التي تشهدها منطقة خليج عدن وبحر العرب
"
من جانبه اعتبر عضو لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان أشرف بدر الدين أن التحدي الذي يواجه الحكومة الآن هو تدبير الإيرادات العامة للموازنة في ظل تراجع أسعار النفط عما هو مدرج في حسابات الموازنة، فقد أخذت في المتوسط سعر 75 دولارا للبرميل، ولكن مع وصوله إلى حد الـ50 دولارا للبرميل، فإننا أمام تراجع كبير للإيرادات.
وقال إن قناة السويس تواجه تحديا مزدوجا هو حالة الركود المرتقب في الاقتصاد العالمي، وكذلك عمليات القرصنة التي تشهدها منطقة خليج عدن وبحر العرب.
ويبين بدر الدين أن الحكومة قد تفيد من انخفاض الأسعار العالمية في السلع الزراعية والغذائية والبترول، من حيث توفير مبالغ مهمة من حصة الدعم المدرجة بالموازنة، ولذلك أعلنت عن خطتها ضخ نحو 30 مليار جنيه استثمارات في مشروعات البنية الأساسية لتجنب ارتفاع حدة الركود في الاقتصاد المصري.
وأضاف أن تراجع الإيرادات الضريبية لا يقتصر على هيئتي النفط وقناة السويس، ولكن يتوقع حدوث تراجع كبير في الإيرادات الضريبية الأخرى في السلع والخدمات، أو الجمارك والضريبة العامة على المبيعات.
وتوقع بدر الدين أن يزدد العجز بالموازنة العامة للدولة هذا العام، في ظل السياسة العامة للدولة بالتوسع في الدين العام المحلي لتدبير ما يلزم الموازنة من إيرادات.
وما يزيد من صعوبة مهمة الحكومة في هذا الصدد حسب بدر الدين الضغوط التي يمارسها رجال الأعمال من أجل إلغاء قرارات مايو الخاصة بإلغاء الإعفاءات الضريبية على بعض الأنشطة، أو إعادة النظر في أسعار الطاقة للصناعات الرابحة في السلع الإستراتيجية مثل الإسمنت والحديد والأسمدة.
ويرى بدر الدين أن الميزة الوحيدة للأزمة هي انخفاض أسعار بعض السلع، ولكن للأسف لم يشعر رجل الشارع بهذه الميزة بعد.