في ضوء الممارسات غير الشفافة، التي يدار بها الاقتصاد المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعلنت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، هالة السعيد، مؤخرا عن عزم الصندوق السيادي بيع حصة من شركتين مملوكتين للجيش لصالح القطاع الخاص.
وظل الأمر مبهما، ليضع الكثير من علامات الاستفهام، خاصة أن الشركتين المعروضتين لصالح القطاع الخاص هما شركة "وطنية للبترول"، وشركة "صافي" العاملة في مجال المياه المعدنية.
والشركتان تعملان في مجال السلع الاستهلاكية، وتمثل منتجاتهما سلعا ضرورية لا يمكن الاستغناء عنهما، وبالتالي فهي شركات رابحة، خاصة في ظل احتكار الجيش لكثير من مقومات الاقتصاد المصري.
وكان من الملفت للنظر في إعلان وزيرة التخطيط، أنها قالت إن طرح الشركات في البورصة سيأتي في مرحلة لاحقة، وهو ما يعني أن اختيار شركات بعينها من القطاع الخاص هو المطلوب.
ولم يعد يخفى على أحد حالة توسع الوجود الإماراتي في الاقتصاد المصري، خاصة بعد الانقلاب العسكري عام 2013، حيث سعت الإمارات لاحتكار سوق الخدمات الطبية من خلال شراء عدد كبير من المستشفيات الخاصة الكبرى، وكذلك أكبر معملين للتحاليل الطبية في مصر، وهما مملوكين للقطاع الخاص، كما اتجهت كذلك لقطاع التعليم، وقامت بشراء عدد من المدارس الخاصة العاملة في مجال التعليم الدولي، فضلا عن توسعها الملحوظ في قطاع البنوك والخدمات المالية، وليس آخرا وجودها في مجال خدمات وإدارة الموانئ المصرية، ومشروعات خليج السويس.
وكانت وكالة "بلومبيرغ" (Bloomberg) قد نشرت في 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن شركة "أدنوك" (ADNOC) الإماراتية تدرس شراء حصة في شركة "وطنية للبترول"، التي أعلن مؤخرا عن طرح حصة منها للقطاع الخاص، وهو ما يفسح المجال أمام الإمارات كدولة أو قطاع خاص للدخول في مشروعات جاهزة ورابحة بمصر، ويمكنها تحقيق أرباح لاستثماراتها من أول لحظة لعملية نقل الملكية.
من المسلم به أن الاستثمار قائم على الربح، ولا يعاب على المستثمر أن يستهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، وهنا لا بد من طرح سؤال مهم، وهو أين أجندة مصر الوطنية في جذب الاستثمارات الأجنبية وفي إدارة عملية الخصخصة؟.
لم تتعلم حكومة السيسي ولا صندوقه السيادي من تجربة الخصخصة، التي تمت في مصر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك منذ 1991، حيث تم إهدار الأصول الرأسمالية لشركات قطاع الأعمال العام، وتم الاتجار بها من المشترين لصالح شركات أجنبية، وكانت النتيجة صرف عائد الخصخصة في وجوه غير إنتاجية، كما لم يعوض الاقتصاد الوطني بأصول رأسمالية بديلة.
فعوائد الخصخصة في عهد مبارك لنحو 365 شركة، كانت بحدود 50 مليار جنيه، تم استهلاك جزء منها في سد عجز الموازنة، وجزء ثان في إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال العام، والجزء الأخير في تكلفة المعاش المبكر للعمالة المتضررة من برنامج الخصخصة.
ألم يكن الأولى في هذا الاستثمار السهل، سواء في شركة "وطنية للبترول" أو "صافي للمياه المعدنية" أن تمكن منهما أحد شركات التأمين المصرية، أو صندوق استثمار يتبع وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، أو يتم طرح حصصهما في البورصة لصالح صغار المدخرين في مصر؟.
إن صغار المدخرين في مصر أعيتهم السياسات النقدية، التي أهدرت مدخراتهم أكثر من مرة، عبر تعويم سعر صرف الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وكذلك القرارات المتتالية بتخفيض سعر الفائدة في البنوك، وكان المناسب لمثل هذه المدخرات الاستفادة من امتلاك أسهم في هذه الشركات الرابحة، وهو أمر يحقق أكثر من هدف، أولها عدم خروج أرباح هذه الشركات إلى الخارج، وكذلك إنعاش الوضع المالي لصغار المدخرين، والمحافظة على مدخراتهم داخل الاقتصاد المنظم، وانتشالهم من عمليات توظيف الأموال الغامضة، التي كثيرا ما تنتهي بضياع هذه المدخرات.
ومن الأخطاء الكبيرة التي ترتكب في حق الأجيال القادمة، إهدار الأصول الرأسمالية عبر برامج الخصخصة بدون أن يتم تعويض الاقتصاد بأصول رأسمالية جديدة، وهذا هو التحدي الحقيقي أمام الصندوق السيادي، فبدلا من أن يهدي السيسي الإمارات أو غيرها من المستثمرين الأجانب شركات عاملة ورابحة بشكل كبير، كان من الواجب أن يعرض مشاركات حقيقية مع القطاع الخاص الأجنبي لإنشاء مشروعات إنتاجية في مجال الزراعة والصناعة أو إنتاج التكنولوجيا.
من الوارد لدى حكومة السيسي في إقدامها على خصخصة جزء من شركتين مملوكتين للجيش، أن تحاول تحسين صورتها القاتمة التي رسمتها على مدار السنوات السبع الماضية، والتي تبلورت في تمكين الجيش من مفاصل الاقتصاد المدني المصري.
والأمر الثاني تلبية شروط صندوق النقد الدولي، والذي اشترط من قبل على الحكومة المصرية خصخصة 23 مؤسسة وشركة عامة، أما الأمر الأخطر، والذي قد تكون عملية خصخصة جزء من شركتين مملوكتين للجيش بعضا منه، هو تمرير تفكيك مجمع الحديد والصلب في مصر، وبيعه في إطار الخصخصة، وبذلك تكون مصر قد خسرت أحد أهم قلاعها الصناعية.
ومما يدفع للشكوك بتصرف الحكومة نحو مجمع الحديد والصلب بحلوان، تلك الحملة الإعلامية المنظمة خلال الفترة الماضية للحديث عن خسائر المجمع ومشكلات العمالة وغيرها، بينما مهمة الحكومة أن تقدم خطة لإصلاح الأمر القائم والحفاظ على هذا الصرح الصناعي الكبير، والذي تحتاجه مصر خلال الفترة القادمة، إن كانت هناك نية حقيقية لإقامة مشروع للتنمية في مصر.
من المعلوم أن الوضع التمويلي لحكومة السيسي متأزم منذ عام 2013، ولذلك تلجأ إلى التوسع في الاقتراض، وفي إطار تلبية شروط صندوق النقد الدولي بطرح شركات مملوكة للدولة في إطار برنامج جديد للخصخصة، تم التفكير في طرح حصة من شركات الجيش في إطار الصندوق السيادي.
ولكن المخرج من هذه الأزمة لا يكون بمنح الشركات الرابحة للأجانب، ففاتورة أرباح الأجانب بمصر أصبحت كبيرة بشكل ملفت للنظر، فبيانات ميزان المدفوعات لعام 2019 /2020 تشير إلى أن أرباح الاستثمارات الأجنبية بمصر بلغت هذا العام 12.2 مليار دولار، مقابل 12 مليار دولار في عام 2018 /2019.
ويخشى أن يكون ضغط القصور التمويلي لدى حكومة السيسي هو الدافع لبيع الشركات لصالح القطاع الخاص الأجنبي، للحصول على تمويل بالعملة الصعبة؛ لسداد متطلبات أعباء الديون، أو توفير جزء من تمويل عجز الموازنة.
في ضوء القانون المنظم لعمل الصندوق السيادي في مصر، ستتم عمليات الخصخصة بدون وجود رقابة حقيقية، نظرا لما تتمتع به ممارسات الصندوق من حماية، وعدم خضوعها لكافة الأجهزة الرقابية، بما فيها البرلمان، ويبقى السيسي مرجع خيوط عمليات الصندوق جميعها
كما لن تتمكن مؤسسات المجتمع المدني في مصر من متابعة عمليات الخصخصة لشركات الجيش لمعرفة حقيقة مركزها المالي، ولا عقود البيع للحصص المقررة، ونظرا لأن البيع لن يكون من خلال البورصة، فسيكون الأمر بين طرفي العقد، الصندوق السيادي والقطاع الخاص الذي ستبرم لصالحه الصفقة.
فهل سيقدم السيسي عبر حكومة مدبولي، أو إدارة الصندوق السيادي على عرض المركز المالي للشركات المطروحة؟. لا يمكن أن يحدث ذلك في ضوء الممارسات الأخرى التي تتعلق بالعقود والأوضاع المالية، كما هو حال عقود النفط والغاز الطبيعي، أو الحصول على القروض الخارجية.