الرئيسية / مصر / اقتصاد مصر في قبضة العوائد الريعية

اقتصاد مصر في قبضة العوائد الريعية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 04-04-2019
  • 97
اقتصاد مصر في قبضة العوائد الريعية
  • المصدر: العربي الجديد

منذ عقود عدة وعوائد النقد الأجنبي لمصر تأتي من مصادر ريعية، وهو ما عرّضها غير مرة لأزمات مالية واقتصادية، كما حدث في أزمة المديونية الخارجية نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أو خلال المضاربات على سعر الصرف، في أوقات اضطراب علاقة مصر مع الدول المستقبِلة للعمالة، أو إبان استهداف العنف لحركة السياحة، كما حدث في النصف الثاني من التسعينيات. 


وظل من المسلّمات أن مصادر النقد الأجنبي الرئيسة لمصر تأتي معظمها من مصادر ريعية، هي: (السياحة، قناة السويس، تحويلات العاملين في الخارج، النفط).

وبعد انقلاب 3 يوليو، اشتدت أزمة النقد الأجنبي، إلى أن تم تعويم الجنيه عبر اتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016، وحصلت مصر بمقتضى الاتفاق على 12 مليار دولار قرضا من الصندوق، بالإضافة إلى قروض أخرى من السوق الدولية وشركاء إقليميين ودوليين، مما أوصل الدين الخارجي إلى نحو 100 مليار دولار.

إلا أن كل ذلك لم يغيّر من هيكل الاقتصاد المصري، ليكون لديه مصدر للنقد الأجنبي يعتمد على الإنتاج أو الصادرات السلعية، بحيث تجنب اقتصاد مصر تقلبات العوائد الريعية.

وفي أحدث بيانات البنك المركزي المصري تظهر بنية عوائد النقد الأجنبي، من خلال ميزان المدفوعات عن النصف الأول لعام 2018/2019، حيث يتبين أن اقتصاد البلاد في قبضة هذه العوائد الريعية.

واقع هش


تقفز الصادرات السلعية في النصف الأول من عام 2018/2019 إلى 14.2 مليار دولار، بزيادة 2.2 مليار دولار، مقارنة بالفترة المناظرة من عام 2017/2018، لكن هذه الزيادة في الصادرات السلعية تأتي بشكل رئيس من الصادرات النفطية.

وحسب أرقام ميزان المدفوعات، نجد أن الصادرات النفطية ارتفعت من 3.8 مليارات دولار في النصف الأول من 2017/2018، إلى 6 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2018/2019، وبما يمثل نسبة 42% من إجمالي الصادرات السلعية.


بينما الصادرات السلعية غير النفطية ارتفعت بنحو 22 مليون دولار فقط لا غير، وهو ما يعني أن العوائد الريعية هي مصدر زيادة الصادرات السلعية، وأن القيمة المضافة للصادرات السلعية المصرية غير النفطية ما زالت محدودة.

والأمر الآخر الذي يحتاج إلى شفافية فيما يتعلق بالصادرات النفطية، هو أن هذه القيمة الخاصة بالصادرات النفطية لا تخص مصر وحدها، وأنها لا تعود بكاملها للخزانة المصرية، بل هي تشمل حصة الشريك الأجنبي، باعتبار أن هذه الصادرات خرجت من مصر، والحقيقة أن العائد منها يذهب للشركات الأجنبية، وعادة ما تكون هذه الحصة بحدود 40% في أقل تقدير.

وفي ضوء حقيقة حصة الشركات الأجنبية في الصادرات النفطية المصرية، تكون الفائدة المحققة في الميزان النفطي بنحو 151 مليون دولار غير حقيقية، بل الصحيح أن الميزان النفطي لمصر يحقق عجزًا، على الرغم من الإعلان عن أن مصر حققت اكتفاءً ذاتيًا من الغاز الطبيعي.

القناة والسياحة


كثيرًا ما تأثرت عوائد قناة السويس بتداعيات الأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، أو تقلبات التجارة الدولية بشكل عام، أو تجارة النفط بشكل خاص، باعتبار أن معظم السفن المارة من القناة هي التي تنقل نفط الخليج إلى أوروبا وآسيا.

مصر تحرر بنزين 95 وترجئ زيادة سعره لـ30 يونيو
وتظهر بيانات النصف الأول من عام 2018/2019 أن عوائد القناة ارتفعت بنحو 160 مليون دولار، مقارنة بنفس الفترة من عام 2017/2018، حيث بلغت 2.9 مليار دولار.

وعلى نفس المنوال، كان قطاع السياحة أكثر حساسية للأحداث الداخلية أو الخارجية، ولم يتعاف هذا القطاع إلا مؤخرًا. إلا أن عوائد السياحة خلال الفترة المشار إليها ارتفعت بنحو 1.8 مليار دولار، مقارنة بالنصف الأول من عام 2017/2018، حيث بلغت 6.7 مليارات دولار.

وتشكّل عائدات قناة السويس والسياحة 9.7 مليارات دولار خلال النصف الأول من عام 2018/2019، وبما يمثل 75% من متحصلات ميزان الخدمات، والتي بلغت 12.8 مليار دولار.


ومن هنا، نلمس محدودية القيمة المضافة لقطاع الخدمات في مصر، حيث لا تنتج مصر التكنولوجيا، ومحدودية تصدير خدمات التعليم والصحة مقارنة بدول أخرى في المنطقة مثل الأردن في مجال الصحة، أو تركيا في مجالي التعليم والصحة.

مخاطر العوائد الريعية


تظل مصر بحاجة إلى اقتصاد يتناسب مع مكانتها الإقليمية والدولية، وكذلك يناسب وضعها السكاني الذي تجاوز 105 ملايين نسمة، حيث تفرض هذه العوامل تحديات تتعلق بالأمن القومي، مثل توفير الغذاء بنسب عالية عبر الموارد المحلية، وكذلك توفير فرص عمل تتسم بالديمومة والقيمة المضافة العالية.

فغير مرة يتعرض قطاع السياحة في مصر لتسريح العمالة والتوقف عن سداد التزاماته تجاه الجهاز المصرفي، ويطلب من الحكومة دعمه، من خلال إلغاء الفوائد على قروضه من البنوك، بسبب توقف نشاطه الذي ينتج عن أحداث داخلية أو خارجية.

ومما يعمق من مشكلة مصر الاقتصادية، أنها تورطت في المديونية الخارجية بمبالغ كبيرة، ولديها أجندة مفتوحة في هذا المجال، وهو ما يستلزم توفير مصادر للنقد الأجنبي، لا تعتمد على الريع، خاصة أن مصادر مصر الريعية مرتبطة بالخارج أكثر منها ارتباطًا بالداخل، كما ذكرنا في حالة قناة السويس والسياحة، وكذلك النفط، الذي يشهد سوقًا الأصل فيها التذبذب وعدم الاستقرار.


وحتى لا يكون كلامنا بلا دليل، فبيانات ميزان المدفوعات عن النصف الأول من 2018/2019 تبيّن أن الواردات السلعية غير النفطية لمصر تبلغ 27.6 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا عائدات (قناة السويس 2.9 مليار دولار+ عوائد السياحة 6.7 مليارات+ تحويلات العاملين في الخارج 12 مليارا+ صادرات النفط 6 مليارات).

وهنا تتكشف حقيقة احتياطي مصر من النقد الأجنبي بأنه مبني على عوائد غير ذاتية، أبرزها الاقتراض من الخارج.

وثمة التزامات دولارية لمصر في أمور أخرى، تمثل نزيفًا دائمًا يحمّل ميزان المدفوعات عبئًا واضحًا عبر سلسلة زمنية ممتدة، وهي المدفوعات عن الاستثمار الأجنبي، والتي ارتفعت في النصف الأول من عام 2018/2018 إلى 4.3 مليارات دولار، مقارنة بـ 3.4 مليارات دولار للفترة المقابلة من عام 2017/2018، وهو أمر قابل للزيادة خلال الفترة المقبلة، في ظل اعتماد مصر على استثمارات الأجانب في الدين الخارجي، كذلك آمالها العريضة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تمثل حصة صغيرة إلى الآن مقارنة بتجارب دول أخرى.

الإنتاج هو الحل


لطالما تغنّت الحكومة المصرية بنجاحاتها في المؤشرات النقدية والمالية، على مدار الشهور الماضية، من دون الدخول في إصلاح حقيقي في قطاع الإنتاج، فإن مصر ستظل في حالة من التبعية للخارج في مجالات الاقتصاد المختلفة، وهو ما يعكسه ارتفاع مؤشر الواردات السلعية، والذي انفلت في نهاية عام 2017/2018 إلى 63 مليار دولار، وتشير مؤشرات النصف الأول من عام 2018/2019 إلى إمكانية أن يتجاوز 66 مليار دولار بنهاية يونيو 2019.

إن اتباع الحكومة سياسة إحلال محل الواردات في العديد من المجالات، من شأنه أن يقلل فاتورة الواردات، وبالتالي يحسّن وضع مصر من النقد الأجنبي. كما يجب ألا تعتمد مصر في صادراتها السلعية على النفط، الذي يفتقد للقيمة المضافة، فضلًا عن تذبذب سوقه الدولية، التي عانت منها كبرى الدول المصدرة للنفط، حيث شهدت خللاً ماليًا على مدار الفترة من 2014 وإلى الآن.