لا يحتاج الوضع المتردي للاقتصاد المصري بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 لبيان أو شرح، ولكن اللافت للنظر أن البعض لا يزال يمارس عملية تضليل للرأي العام، وبخاصة من خلال الحديث عن بعض الأمور الفنية والأرقام التي قد لا يحسن المواطن أو القارئ الوصول إلى مصادرها الرئيسة لكشف الحقيقة.
وأبرز هذه الممارسات، حديث بعض المسئولين أو الاكاديميين عن احتياطي النقد الأجنبي وانهياره في عهد الرئيس الشهيد د محمد مرسي، وكذلك حديثهم عن الدين العام وكيف تصاعد خلال عام 2012-2013، وحتى يكون القارئ على بينة، سوف نرجع إلى مصادر الحكومة المصرية نفسها، ليظهر من الذي أهدر احتياطي النقد الأجنبي.
حسب البيانات المنشورة على موقع وزارة المالية المصرية، يتبين من إحصاءات عدد ديسمبر 2013 من التقرير المالي الشهري ص (7)، أن احتياطي النقد الأجنبي لمصر في يونيو 2010 -قبل إزاحة مبارك بـ 7 أشهر- بلغ 35.2 مليار دولار، وفي يونيو 2011 بعد أن تولى المجلس العسكري المرحلة الانتقالية الأولى، تراجع الاحتياطي إلى 26.5 مليار دولار، أي خلال 6 أشهر فقط أدت سياسات العسكر الاقتصادية إلى أن يفقد الاحتياطي نحو 8.7 مليار دولار.
ويستمر إهدار الاحتياطي في ظل إدارة المجلس العسكري، حيث بلغ الاحتياطي بنهاية يونيو 2012، وقبل استلام د محمد مرسي للسلطة بيوم واحد 15.5 مليار دولار، ليفقد الاحتياطي قرابة 11 مليار دولار في عام واحد.
إذًن، من الذي أهدار احتياطي النقد في مصر؟!
إذا كان العسكر تسببوا في فقدان 19.7 مليار دولار خلال عام ونصف العام فقط، منذ إزاحة مبارك في 12 فبراير 2012 وحتى قبل تسليم السلطة لأول رئيس مدني منتخب، وهو د محمد مرسي في أول يوليو 2012.
ومن هنا يجب على محسن عادل رئيس الهيئة العامة للاستثمار، والدكتور فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة البنك المركزي، ألا يدلسا على الناس، وهما يعلمان حقيقة أن العسكر هم من أهدروا احتياطي النقد الأجنبي، سواء بإرادتهم أو إدارتهم، أو عبر السياسة النقدية التي نفذها فاروق العقدة محافظ البنك المركزي المصري في ذلك الوقت..
فقد صرح محسن عادل لأحد البرامج التليفزيونية بأن “الإخوان اعتمدوا بشكل رئيسي على المعونات والقروض الخارجية لسد عجز الموازنة، وتسببوا في تآكل الاحتياطي النقدي”، أما فخري الفقي فقال أيضًا لأحد البرامج التلفزيونية “إن احتياطي النقد الأجنبي انخفض من 36 مليار دولار، إلى 13 مليار دولار خلال فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية”.
كان رصيد احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي المصري إبان تولي د محمد مرسي رئاسة الجمهورية في أول يوليو 2013 نحو 15.5 مليار دولار، واستمرت سياسة البنك المركزي المصري بقيادة فاروق العقدة لحماية الجنيه المصري، والتي ساهمت في تدهور وضع الاحتياطي، كما أن متطلبات الاستيراد كما هي لسلع استراتيجية مثل القمح والنفط. ومع ذلك بعد عام من رئاسة د محمد مرسي وحسب بيانات الحكومة المصرية بلع احتياطي النقد 14.9 مليار دولار.
إذن تراجع الاحتياطي خلال عام د محمد مرسي بنحو 600 مليون دولار فقط لا غير، نعم تم الحصول على قروض خارجية من ليبيا وتركيا وقطر، ولكنها أتت في ضوء الوفاء باحتياجات الاقتصاد المصري، لذلك ارتفع الدين الخارجي من 34 مليار دولار في يونيو 2012 إلى 43 مليار دولار في يونيو 2013، بعد الانقلاب العسكري، أي أن الدين الخارجي زاد بنحو 9 مليارات دولار في عهد د مرسي.
عاد العسكر بعد الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب، بعد عام واحد فقط من الاستحقاق الرئاسي الذي كان يمتد لأربع سنوات، واستمرت مظاهر وأدوات السيطرة على مقدرات الحكم في مصر، وعاشت مصر حالة متراجعة من الأداء الاقتصادي.
ومن بين المؤشرات التي تحتاج إلى مزيد من البيان، مؤشر احتياطي النقد الأجنبي، ولم يرتفع احتياطي النقد الأجنبي لمصر، إلا بعد توقيع مصر اتفاق مع صندوق النقد الدولي بنهاية 2016، ومؤخرًا وصل احتياطي النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار.
وإذا كان الدين الخارجي في عهد د محمد مرسي ارتفع بنحو 9 مليارات دولار، فإن الدين الخارجي ارتفع بعد الانقلاب وحسب بيانات ديسمبر 2018 بنحو 53 مليار دولار، فضلًا عن الدعم الخليجي والمنح التي لا ترد، وكذلك التسهيلات الائتمانية لإمدادات النفط السعودي التي امتدت من 2015 – 2020، بنحو 20 مليار دولار.
تجيبنا بيانات البنك المركزي المصري بالنشرة الاحصائية لعدد مايو 2019، أن حصة البنك المركزي من إجمالي الدين الخارجي لمصر 28 مليار دولار، وباستبعاد هذه القروض من إجمالي الاحتياطي المعلن يتبقى 16 مليار دولار..
وهو ما يمكن اعتباره الاحتياطي النقدي الحقيقي، وليس الاحتياطي المتضخم بالقروض الخارجية. وهنا أمر مهم لابد من الإشارة إليه، وهو أن الحفاظ عند احتياطي نقدي يقدر بـ 44 مليار دولار، من خلال القروض، يكلف الدولة فوائد سنوية عالية، وبخاصة أن معظم القروض المصرية الخارجية تم الحصول عليها من سوق السندات الدولية.
لا ينبغي أن يسعى البعض لمجاملة الانقلاب العسكري على حساب الحقائق العلمية، فمصر ملك لأبنائها وليست ملك للعسكر، وأن ما يصدره بعض المسؤولين والأكاديميين من بيانات خاطئة، تعد جريمة، وبخاصة إذا أتت من أناس يحسبون على أنهم اساتذة جامعات، وخبراء سابقين بمؤسسات دولية، مثل د فخري الفقي.