اختفت من شوارع القاهرة تلك الأكشاك التي كانت تسوّق تذاكر حفل رأس السنة، والتي كانت تملأ الميادين العامة على مدار شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، كما خلت الصحف الحكومية والمستقلة والمعارضة من إعلانات لقضاء حفل رأس السنة.
فحفلات رأس السنة لأول مرة بعد ثورة 25 يناير تتسم بالخصوصية وغياب الأنشطة العامة، ومُني قطاع السياحة في مصر بخسائر كبيرة من بينها أنشطة الاحتفال برأس السنة، حيث كانت الفنادق الكبرى تنظم حفلات لكبار الفنانين تدر عليها عوائد معتبرة لا تقل عن نصف مليون جنيه مصري (أكثر من 82 ألف دولار) في الحفلة الواحدة.
البعض يعزو تواري الاحتفال برأس السنة الميلادية إلى أسباب اقتصادية في حين يرى آخرون أن السبب هو غياب الأمن، وكذلك صعود الإسلاميين والتخوف من تعرض المحتفلين للإيذاء من قبل هذه الجماعات.
وقد كانت القاهرة من محطات التنافس عربيا في الاحتفال برأس السنة، بل كانت على رأس العواصم العربية التي تستقطب السائحين الأجانب والعرب للمشاركة في هذه الاحتفالات.
"
الحفلات الخاصة يمكن التحكم في برامجها وكلفتها بخلاف الحفلات العامة، فالجميع يحاول الآن ضبط النفقات لعدم يقينه بمستقبل الأداء الاقتصادي بمصر
"
المصريون لا يحرمون أنفسهم من المتعة مهما كانت الظروف، وقد تعودوا التأقلم مع الأحداث الصعبة، وهو ما حدث هذا العام في الاحتفال برأس السنة الميلادية، حيث اختفت إلى حد ما مظاهر الاحتفالات العامة من خلال حفلات الفنادق، ولكن الكثيرين اتجهوا إلى الحفلات الخاصة حسبما صرح به عمرو صدقي نائب رئيس غرفة شركات السياحة للجزيرة نت.
وأضاف صدقي أن الحالة الاقتصادية هي التي دعت المصريين إلى هذا السلوك، لأن الحفلات الخاصة يمكن التحكم في برامجها وكلفتها بخلاف الحفلات العامة، فالجميع يحاول الآن ضبط النفقات لعدم اليقين بمستقبل الأداء الاقتصادي، فتراجع معدلات الأداء الاقتصادي في بعض القطاعات أثر في دخل الأفراد بصورة سلبية.
ويبين صدقي أن حالة الإشغال بالفنادق بمصر تبرز حقيقة الأوضاع الاقتصادية للأفراد، ففي القاهرة لا تزيد نسبة الإشغال عن 15% حسب بيانات 30 ديسمبر/ كانون الأول 2011، وفي أسوان 30%، وفي الأقصر 40%، وفي الغردقة 50%.
وسجل أعلى معدلات الإشغال في شرم الشيخ وهو 60%، وذلك على الرغم من العروض وتخفيضات الأسعار التي قدمتها الفنادق للمصريين وغيرهم بمناسبة رأس السنة.
ويؤكد صدقي أن نسبة الإشغال بالفنادق بلغت العام الماضي في مثل هذه المناسبة 100%، وكان الحجز بها يتم قبل المناسبة بشهر على الأقل.
"
ضرر غياب احتفالات رأس السنة شمل الفنادق الكبرى والحفلات التي كانت تنظمها بحضور فنانين مصريين وعرب وتدر عليها آلاف الدولارات في الليلة الواحدة
"
ويذهب هشام زعزوع مساعد وزير السياحة المصري إلى أن تراجع احتفالات رأس السنة في مصر أضر كثيرا بالسياحة بشكل عام والفنادق الكبرى بشكل خاص، ويوضح في تصريح للجزيرة نت أن الضرر شمل الفنادق الكبرى وما كانت تقوم به من تنظيم حفلات رأس السنة بحضور فنانين مصريين وعرب.
وكانت تذاكر الحفلات المذكورة تحجز مسبقًا ويصل ثمنها إلى نحو ألف جنيه مصري (165 دولارا)، ويشارك فيها حوالي 500 فرد، أي أن الفندق الواحد كان يحقق إيرادا يصل إلى نحو نصف مليون جنيه مصري (أكثر من 72 ألف دولار)، وهذه الحفلات كانت تنظمها فنادق خمس نجوم وأربع نجوم.
وقد اختفت هذه الحفلات بشكل كبير تخوفا من عدم الإقبال عليها لأسباب مختلفة من أبرزها الاعتبارات الاقتصادية، ويشير زعزوع إلى بعض المخاوف الأخرى التي أثيرت من لدن بعض الإسلاميين، والإعلان عن تشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما جعل الإقبال على المشاركة في احتفالات رأس السنة تشوبه بعض المخاوف من اعتداءات وتدخل في الحياة الشخصية للمحتفلين.
أما محمد عبد السلام وهو صاحب أحد محلات بيع الهدايا بالقاهرة فيؤكد تراجع مظاهر الاحتفال برأس السنة هذا العام بشكل كبير، ويقول إن الإقبال على شراء هدايا رأس السنة محدود للغاية إن لم يكن منعدما، فالترويج الإعلامي والإعلاني المواكب للمناسبة غير موجود هذا العام، وهو الذي كان يحفز في السابق الأفراد على الاهتمام بالمناسبة والمشاركة فيها، وتدبير بعض النفقات الخاصة بها.
وأرجع عبد السلام ذلك إلى الحالة الاقتصادية، حيث أصبح المصريون يركزون في الإنفاق على الضروريات، مشيرا إلى غياب مشاركة طلاب المدارس والجامعات عن الاحتفال برأس السنة حيث كانوا يقبلون على شراء أنواع معينة من الهدايا.