حصة مصر
مجالات الاستثمار
فرص ضائعة
تمثل الاستثمارات العربية البينية أحد المؤشرات المهمة للتعاون الاقتصادي العربي. وتظهر البيانات المتاحة من خلال تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2011، أن التدفقات الاستثمارية البينية العربية بلغت 178.5 مليار دولار خلال الفترة من 1995 إلى 2011.
ويعدّ عام 1995 الأقل خلال هذه الفترة حيث بلغت الاستثمارات العربية البينية نحو 1.4 مليار دولار. في حين أن العام 2005 هو الأعلى بين سنوات هذه الفترة حيث حققت الاستثمارات العربية البينية 37.2 مليار دولار.
أيضًا تظهر البيانات أن حصة عام 2001 من الاستثمارات العربية البينية كانت بحدود 6.8 مليارات دولار، وكانت الفترة من 2005 وحتى عام 2009 هي الأعلى في معدلات تدفق الاستثمارات البينية العربية، وذلك بسبب الطفرة النفطية التي شهدتها هذه الفترة.
وإذا ما نظرنا إلى أفضل المعدلات المتحققة في الاستثمارات العربية البينية نجدها في عام 2005، حيث وصلت إلى نحو 37 مليار دولار، وهو معدل محدود للغاية إذا ما قورن بمعدلات الاستثمار العربي في الخارج، الذي تجاوز التريليون دولار في ذلك العام.
"
احتلت مصر المرتبة الثالثة من حيث استقبال الاستثمارات العربية البينية بحجم استثمارات 21 مليار دولار على مدار الفترة من 1995 إلى 2012، وتمثل هذه الحصة نسبة 11.2% من إجمالي الاستثمارات العربية البينية خلال هذه الفترة "
احتلت مصر المرتبة الثالثة من حيث استقبال الاستثمارات العربية البينية بحجم استثمارات 21 مليار دولار على مدار الفترة من 1995 إلى 2012، وتمثل هذه الحصة نسبة 11.2% من إجمالي الاستثمارات العربية البينية خلال هذه الفترة، وفي حين كانت حصة السعودية تمثل نسبة 27% من هذه الاستثمارات، بلغت حصة السودان 13.2%.
وإذا ما نظرنا إلى معدلات تدفقات الاستثمارات العربية المباشرة إلى مصر خلال الفترة بين 1995 و2012 نجد أنها ظلت حتى عام 2005 تحقق قيمًا محدودة. ففي عام 1995 كانت تلك الاستثمارات 455 مليون دولار فقط، وشهدت انخفاضًا ملحوظًا في عام 2001 لتصل إلى 95.5 مليون دولار.
لكن بنهاية عام 2006 وجدنا معدلات مختلفة في تدفق الاستثمارات العربية لمصر، حيث بلغت في نفس العام 3.2 مليارات دولار، وهو أعلى رقم تحقق منذ عام 1995. وانخفض هذا المعدل 2.4 مليار دولار في عام 2008، ولم يقل بعد هذا التاريخ عن المليار دولار، ففي عام 2012 حقق تدفق الاستثمارات العربية لمصر نحو 1.1 مليار دولار.
والملاحظ أن أداء تدفقات الاستثمارات العربية لمصر ارتبط بالمستوى العام للتدفقات الاستثمارية العربية البينية، الذي توقف من قبل على الطفرة النفطية التي ظهرت ملامحها بوضوح منذ عام 2003.
ويظهر ذلك بوضوح من خلال تصدر كل من السعودية والإمارات والكويت للاستثمارات العربية في مصر خلال الفترة 2007-2008 و2010-2011.
ركزت الاستثمارات العربية المباشرة في مصر على مجالات ثلاثة رئيسية، هي الخدمات والصناعة والزراعة. لكن الأرقام تظهر تحيزًا واضحًا من قبل تلك الاستثمارات للتوجه نحو قطاع الخدمات، إذ استحوذ على 12.1 مليار دولار خلال الفترة من 1995 إلى 2011، في حين كانت حصة قطاع الصناعة لا تتجاوز 4.8 مليارات دولار، وأتت الزراعة لتحصل على الحصة الأقل بنحو 3 مليارات.
ومن هذه الأرقام نجد أن نصيب قطاع الخدمات بلغ ثلاثة أضعاف نصيب قطاع الصناعة، وأربعة أضعاف نصيب قطاع الزراعة. ويرجع هذا التوجه للاستثمارات العربية في مصر لمجموعة من الاعتبارات، منها:
– أن الاستثمارات العربية الخارجية في مجملها تفضل الاستثمار في مجال الخدمات لسرعة العائد المتحقق منه، مقارنة بالمجالات الأخرى مثل الصناعة والزراعة. فكانت معظم الاستثمارات العربية بمصر تتوجه لمجالات السياحة، وجزء كبير للعقارات، والخدمات المالية مثل البنوك، أو تجارة الجملة المتمثلة في متاجر السلسلة الكبرى. وهذا ما يظهر بوضوح خلال العامين الماضيين من سعي دول عربية للاستحواذ على بنكين للقطاع الخاص الأجنبي في مصر، ومؤسسة تابعة للقطاع الخاص تعمل في مجال الخدمات المالية، وأُعلن مؤخرًا عن سعي شركات إماراتية للاستحواذ على مجموعتين مصريتين كبيرتين في مجال تجارة الجملة.
– أن السوق المصري انتابته حمى المضاربات في مجال العقارات، أسوة بما تم في العديد من الأسواق العالمية، وكذلك أسواق المنطقة، وهو ما فرض ثقافة الربح السريع على المستثمرين الأجانب ومنهم العرب. لذلك توسعت الاستثمارات العربية خلال فترة رواجها في مصر على مدار الفترة من 2006 إلى 2009 بالتركيز على الاستثمار العقاري حيث توجد شركات عربية كبرى تعمل في مجال العقارات في مصر، وخصصت لها مساحات كبيرة من الأراضي سواء من قبل الحكومة، أو تم الحصول عليها من بائعين من القطاع الخاص.
– ثمة عامل مهم أثر بشكل كبير على توجه الاستثمارات العربية في مصر، وهو الخلفية الثقافية والخبرات المتراكمة للمجتمع الذي ينحدر منه المستثمر. فالبيئة العربية، وبخاصة الخليجية، التي تصدر الأموال العربية، تزداد خبراتها، أو تنحصر في مجال التجارة، ولا يوجد لديها خلفيات وخبرات يمكن مقارنتها بغيرها في مجالات الصناعة والزراعة. على عكس تجربتين لاستثمارات أجنبية أخرى غير عربية مثل الاستثمارات التركية والهندية، فكلاهما أتى قبل ثورة 25 يناير مثل الاستثمارات العربية، ولكنهما ركزا على صناعات النسيج والملابس الجاهزة، ومجالات صناعية أخرى يمتلكان فيها تراكمًا للخبرات.
– لم تكن لمصر خريطة واضحة لتوجيه الاستثمار الأجنبي المباشر، سواء كان عربيًا أو غير عربي، فضلا عن تراجع اهتمام الحكومة المصرية قبل ثورة 25 يناير بشكل كبير بمجالات الصناعة والزراعة، وتم الاعتماد على الخارج لتدبير احتياجات البلاد من السلع الصناعية والزراعية، بحجة تحرير التجارة والاندماج في الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى تراجع مخيف في قطاعي الصناعة والزراعة.
"
الاستثمارات العربية الخارجية في مجملها تفضل الاستثمار في مجال الخدمات لسرعة العائد المتحقق منه، مقارنة بالمجالات الأخرى مثل الصناعة والزراعة، فكانت معظم الاستثمارات العربية بمصر تتوجه لمجالات السياحة وجزء كبير للعقارات "
– سيطرت على حكومة مصر قبل ثورة 25 يناير سياسة إعادة بناء الاقتصاد المصري ليكون اقتصادا قائما على الخدمات، فأنشأت العديد من الكيانات التي تساعد على تحقيق هذه السياسة، بغض النظر عن المردود المتحقق من التوجه، ومدى ملائمة إمكانيات المجتمع المصري للتوائم معها.
– الفرص الاستثمارية التي كانت تعرضها الحكومة المصرية قبل الثورة كادت تنحصر في برنامج خصخصة شركات قطاع الأعمال العام، وعادة ما كانت هذه الصفقات يشوبها الفساد بقدر كبير، فضلًا عن أن عوامل المنافسة للصناعة المصرية تراجعت بشكل كبير بسبب تخلي الحكومة عن الصناعة، وضعف إمكانيات القطاع الخاص. وكان هذا الأمر من الأسباب التي تجعل المستثمر العربي يعرض عن الاستثمار في مجال الصناعة.
لا شك أن وجود أية استثمارات من شأنها أن تنعش الوضع الاقتصادي للبلد الذي توجد فيه، ولكن الوضع في مصر كان يفرض على صانع السياسة الاستثمارية أن يستفيد من هذه الفرصة، فيوجهها في إطار ما يعرف بالتخطيط التأشيري، لتستفيد قطاعات الصناعة والزراعة من هذه الاستثمارات بشكل كبير، لتعوض جوانب العجز، وتقلل الاعتماد على الخارج في استيراد السلع الصناعية والمنتجات الزراعية والغذائية، التي تستنزف جزءًا كبيرًا من النقد الأجنبي بمصر، فضلًا عن تعرض الاقتصاد المصري للتقلبات الاقتصادية السلبية في السوق العالمي.
وإذا نظرنا من زاوية أخرى للقيمة المضافة التي حققتها الاستثمارات العربية في مصر، وبخاصة في فترة الرواج (2006-2009) نجد أنها محدودة، فلم تؤثر بشكل ملحوظ في مستوى التشغيل، ولم تقل معدلات البطالة نتيجة هذه الاستثمارات بمصر، كما أنها لم تؤد إلى وجود طفرة أو زيادة في الصادرات المصرية.
بينما الاستثمارات التركية والهندية -على سبيل المثال- اتجهت لقطاع النسيج والملابس الجاهرة، فاستفادت بشكل كبير من الاتفاقيات الإقليمية التي وقعتها مصر مع كل من أوروبا والكوميسا بأفريقيا، والكويز مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي. في نفس الوقت، فهذه الصناعات تتسم بأنها كثيفة العمالة وساهمت في خلق فرص عمل تتسم بالاستدامة، كما ساهمت هذه الصناعات في زيادة الصادرات المصرية، وإن كانت هذه الزيادة بنسب قليلة.
ويتوجب على حكومة مصر بعد ثورة 25 يناير أن تعي الدرس، فالاستثمار الأجنبي المباشر ليس مجرد رقم، ولكن دلالاته تظهر من خلال القيمة المضافة التي يحدثها وجوده في الأسواق المحلية، ومن أول ما يستلزم عمله في هذا المجال لجذب الاستثمارات العربية: استقرار البيئة التشريعية، والشفافية في التعاقدات بين الحكومة والمستثمرين العرب، حتى لا يتعرضوا ثانية لما يتعرضون له الآن من أحكام قضائية ببطلان عقود لمستثمرين عرب بسبب ما شاب هذه العقود من فساد.
ومن الضروري أن تقضي السياسات الاقتصادية بمصر على كافة أنواع المضاربات، حتى لا تصرف المضاربات المستثمرين عن الوجود في القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزارعة، والهرولة لخلق تحقيق الربح السريع. ويساعد على ذلك منح مزايا لجذب المستثمرين العرب لهذه المجالات، من خلال الأيدي العاملة المدربة، والقضاء على البيروقراطية، ومكافحة حقيقية للفساد