– أداء قطاع الطاقة بمصر
– وضع الميزان التجاري البترولي المصري
– شبهات تصدير الغاز لإسرائيل
– المردود الاقتصادي لمصر
اتخذت الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغاز في مصر قرارا بوقف تصدير الغاز لإسرائيل عبر شركة شرق المتوسط، المملوكة لرجل الأعمال المصري الهارب حسين سالم.
وعلى الرغم من أن القرار له تبعاته السياسية والقانونية، فإن القاهرة أكدت على البعد القانوني في اتخاذ قرارها وهو امتناع الشركة عن سداد التزاماتها الشهرية من أقساط واجبة السداد للهيئة العامة للبترول بمصر، وهو الأمر الذي يعطي مصر الحق في فسخ العقد.
ونركز في هذا التحليل على المردود الاقتصادي للقرار، وبخاصة أن مصر تعاني من أزمة في توفير المنتجات البترولية منذ سنوات، وهو ما أثار الجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية المصرية المطالبة بوقف تصدير الغاز المصري بشكل عام، ولإسرائيل بشكل خاص.
"
معدلات الاستهلاك المصرية للغاز الطبيعي تشير إلى ارتفاع كبير سنويا، ولا يصلح معه التزام مصر بعقود تصدير طويلة الأجل لتصل إلى عشرين عاما وفق الاتفاق مع إسرائيل
"
تنتج مصر 34.8 مليون طن من الزيت الخام، ونحو 46.3 مليون طن من الغاز الطبيعي، وذلك حسب بيانات عام 2010/2011. وعلى الجانب الأخر نجد أن استهلاك مصر لنفس العام قد بلغ 33.3 مليون طن من الزيت الخام بتراجع طفيف عن معدلات العام 2009/2010، بنسبة بلغت 1%.
أما الغاز فقد كان على النقيض من ذلك، حيث بلغت كمية الاستهلاك 35.2 مليون طن بزيادة قدرها نحو 7%. وهو ما يجعلنا نتوقف كثيرا أمام القرار المصري بوقف تصدير الغاز لدولة الكيان الصهيوني، حيث إن معدلات الاستهلاك تشير إلى وجود ارتفاع كبير سنويا، ولا يصلح مع ذلك التزام مصر بعقود تصدير طويلة الأجل لتصل إلى عشرين عاما وفق الاتفاق مع إسرائيل.
أما الاكتشافات البترولية في مصر فتشير البيانات الخاصة بالعام المالي 2010/2011 إلى أنها بلغت 62 اكتشافًا منها أربعون اكتشافا في مجال الزيت الخام، و22 اكتشافا للغاز الطبيعي.
وبخصوص حجم الاستثمارات في قطاع البترول المصري نجد أنها بلغت 6.7 مليارات دولار في عام 2010/2011، بتراجع نسبته 28% مقارنة بعام 2009/2010، وذلك بسبب أحداث الثورة، ولكن ينتظر أن تعود هذه المعدلات لأدائها الطبيعي خلال عام 2011/2012.
وتشكل حصة الأجانب الجانب الأكبر في الاستثمارات البترولية بمصر، فتصل إلى 5.6 مليارات دولار من إجمالي 6.7 مليارات دولار، وعادة ما تكون الاستثمارات الأجنبية في الجانب التقني.
"
حقيقة الوضع بالنسبة للميزان التجاري المصري فيما يتعلق بالبترول هو وجود عجز بنحو مليار دولار، وليس فائضا كما توحي البيانات المعروضة من قبل الحكومة المصرية
"
حسب بيانات تقرير متابعة الخطة العامة للدولة في مصر للسنة المالية 2010/2011، الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي المصرية، نجد أن صادرات مصر من البترول والغاز قد بلغت في نفس العام 12.6 مليار دولار، في حين بلغت الواردات البترولية 8.8 مليارات دولار.
وهذا الأمر يعطي انطباعا للوهلة الأولى بوجود فائض في الميزان التجاري للبترول المصري.
ولكن في ضوء بيانات نفس التقرير، نجد أن الصادرات المصرية تتضمن حصة الشريك الأجنبي، وهو ما يعني أن إظهار صادرات مصر البترولية بهذا الحجم هو نوع من التضليل، فعائد صادرات الشريك الأجنبي لا يعود إلى مصر، ولكنه يعود للشركات الأجنبية التي حصلت على حصة من البترول المصري نظير قيامها بالاستكشاف والإنتاج.
وتقدر حصة الجانب الأجنبي في اتفاقيات البترول بنحو 40% من حجم الإنتاج، فإن استبعدنا هذه النسبة من قيمة الصادرات المصرية نجد أن الرقم الحقيقي للصادرات البترولية المصرية في حدود 7.56 مليارات دولار.
وبالتالي فحقيقة الوضع هو وجود عجز بنحو مليار دولار، ليس فائضا كما توحي البيانات المعروضة من قبل الحكومة المصرية.
"
تصدير الغاز المصري لإسرائيل تم بموجب بروتوكول وليس اتفاقية، وهو نوع من الخداع القانوني والسياسي الذي أتقنه نظام مبارك الفاسد لتمريره على البرلمان
"
في عام 2005 تم إبرام اتفاق تصدير الغاز المصري لإسرائيل، بكمية تصل إلى 1.7 مليار متر مكعب سنويا، ولمدة 12 عاما، إلا أن الاتفاق شهد عملية تمديد تصل نحو عشرين عاما لاحقًا. وكانت صفقة تصدير نظام الرئيس حسني مبارك للغاز المصري لإسرائيل صادمة للرأي العام، فتم تمريرها عبر شركة قطاع خاص كوسيط.
وعند المساءلة البرلمانية للحكومة في هذا الشأن، أجابت الحكومة بأن التصدير تم عبر برتوكول وليس اتفاقية دولية، وبموجب ذلك لا تلتزم الحكومة بعرضها على البرلمان، لأن الدستور المصري يلزم الحكومة بعرض الاتفاقيات الدولية قبل التوقيع عليها على البرلمان، وبالتالي فتصدير الغاز تم بموجب بروتوكول وليس اتفاقية، وهو نوع من الخداع القانوني والسياسي الذي أتقنه نظام مبارك الفاسد.
ومن جانب آخر ظلت اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل سرية ولم تعرض على البرلمان.
وكانت معظم الدعاوى القانونية التي طالبت بإلغاء عقود الغاز المصري لإسرائيل تعتمد على بيانات من الخارج، بل وطالبت هذه الدعاوى الحكومة المصرية أكثر من مرة بعرض أصل الاتفاقية أمام محكمة القضاء الإداري، باعتبارها اتفاقية يشوبها العديد من القرارات الإدارية التي تضر بالمال العام.
ومن أكبر الشبهات التي أحاطت بعقد تصدير الغاز المصري لإسرائيل السعر المتدني للغاز المصري، فكان سعر المليون وحدة حرارية 1.25 دولار، في حين كان سعر السوق العالمي يتراوح بين ثمانية وتسعة دولارات، وهو ما أهدر مبالغ طائلة من الاقتصاد المصري، وهي التهمة التي يحاكم بها الآن الوزير الذي وقع الصفقة مع الكيان الصهيوني في عهد مبارك، وهو سامح فهمي.
"
من شأن مراجعة اتفاقيات تصدير الغاز المصري لكل من إسرائيل وإسبانيا وإيطاليا والأردن، أن يدر على مصر 18 مليار دولار، في حالة تحسين الأسعار لتواكب الأسعار العالمية
"
ثمة مجموعة من الإيجابيات تعود على الاقتصاد المصري، بسبب قرار إلغاء تصدير الغاز المصري لإسرائيل، من بينها الآتي:
– في ظل أوضاع مصر الاقتصادية الآن فإن التحدي هو زيادة النمو الاقتصادي بمعدلات تصل إلى 7%، لكي يتم استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل، المقدر عددهم بنحو 750 ألف فرد سنويًا.
ويتطلب هذا زيادة استهلاك مصر من الطاقة، وحسب البيانات المذكورة عاليه، فإن السنوات القليلة القادمة لن تسمح لمصر بتصدير البترول أو الغاز الطبيعي، لأن حاجاتها المحلية تتطلب الاستيراد لا التصدير.
وتشير التقديرات إلى أن استهداف زيادة معدل النمو الاقتصادي بنسبة 1% تقابله زيادة في استهلاك الطاقة بنسبة 1.5%.
– الأسعار المتدنية التي تم الاتفاق عليها لتصدير الغاز المصري لإسرائيل أو غيرها من الدول لم تكن منصفة، وثار حولها جدل كبير بشأن وجود صفقات فساد، ومن شأن إلغاء عقد تصدير الغاز لإسرائيل أن يعطي الفرصة لمصر في شروط وأسعار أفضل إذا ما فكرت في تصدير كميات من الغاز الطبيعي.
والجدير بالذكر أن البرلمان المصري حينما ناقش قضية تصدير الغاز المصري، ذكر النواب أن من شأن مراجعة اتفاقيات تصدير الغاز المصري لكل من إسرائيل وإسبانيا وإيطاليا والأردن، أن يدر على مصر 18 مليار دولار، في حالة تحسين الأسعار لتواكب الأسعار العالمية.
– بلغ الدعم لبند الطاقة في مصر تسعين مليار جنيه (15 مليار دولار) في العام المالي 2010/2011، ومن المتوقع أن يصل إلى 120 مليار جنيه (20 مليار دولار) في موازنة العام المالي القادم 2012/2013، وهو ما يعني تحمل الموازنة العامة للدولة مبالغ لا قبل لها بها، وهو ما يستدعي التفكير في قرار تصدير الغاز، حيث إن مصر تقوم باستيراد منتجات بترولية تتمثل في البنزين والسولار والبوتغاز والمازوت.
– يمثل الغاز البديل الأنظف من بين المنتجات البترولية الأخرى، فمن غير المقبول أن تستورد مصر المازوت الملوث للبيئة والأغلى سعرًا ثم تقوم بتصدير الغاز الطبيعي.
– اتجاه مصر لإحلال الغاز الطبيعي مكان المنتجات الأخرى التي تستوردها يوفر لها تدبير الفارق الكبير بين تصدير مواد خام واستيراد مشتقات بترولية، وهو ما يعني تخفيف العبء على الطلب من النقد الأجنبي، وبالتالي خفض العجز بالميزان التجاري وميزان المدفوعات.
"
عدم تصدير الغاز من شأنه أن يؤدي إلى التوسع في استخدامه، وبالتالي الاستغناء عن البدائل البترولية الأخرى التي يتم استيرادها، حتى ينخفض حجم الدعم المدرج في الموازنة
"
ومن جانب آخر فإن توفير مصدر الطاقة محليا يجنب مصر مخاطر التعرض لهزات أسعار الطاقة العالمية، وبخاصة في ظل الاضطرابات الإقليمية الخاصة بالصراع الأميركي الإسرائيلي من جانب وإيران من جانب آخر.
– من شأن عدم تصدير الغاز الطبيعي أن يؤدي إلى التوسع في استخدامه، وبالتالي الاستغناء عن البدائل البترولية الأخرى التي يتم استيرادها، حتى ينخفض حجم الدعم المدرج في الموازنة العامة للدولة والخاص بالمنتجات البترولية، الذي يمثل أكبر أنواع الدعم في الموازنة، ويتسبب في جزء كبير من مشكلتي الدين العام وعجز الموازنة العامة بمصر.
إذا كان قرار وقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل يمثل خطوة على الطريق الصحيح في إطار تصحيح الأوضاع الاقتصادية، فينبغي أن يوضع في إطار منظومة متكاملة لتصحيح إستراتيجية الطاقة في مصر، من خلال القضاء على الفساد في اتفاقيات التصدير والاستيراد، أو في حلقات تجارة المواد البترولية في الداخل، وسرعة التوجه لإحلال الغاز الطبيعي للمنتجات البترولية الأخرى، بما يؤدي إلى نوع من الاستقرار وضمان الإمداد من مواد الطاقة بالكميات والأسعار المناسبة، التي تمكن المنتج المصري من خفض تكلفة منتجاته، أو على الأقل ضمان عدم زيادتها بمعدلات ترتبط باضطرابات سعر أسواق البترول العالمية.
ولا ننسى أنه في حالة إحلال الغاز الطبيعي بدل المنتجات البترولية الأخرى في مصر، فإن ذلك سيتيح فرصة لتحقيق قيمة مضافة لمصر من خلال توجهها لتكرير إنتاجها من البترول، وليس تصديره خامًا، خاصة أن مصر تمتلك تكنولوجيا تكرير البترول منذ ستينيات القرن الماضي، ولديها بالفعل معامل للتكرير.
وإن حسنت النوايا وتوفرت الإرادة السياسية، فلدى الجهاز المصرفي المصري 48% من الودائع معطلة، ويمكن استخدامها في مثل هذا الاستثمار، بل ويمكن أيضا في هذه الحالة أن يتم استيراد البترول الخام وتكريره في مصر سواء للاستهلاك الداخلي أو التصدير.
ولمصر ميزة نسبية في هذا الشأن فضلا عن التكنولوجيا وتوفير رأس المال والخبرات البشرية، وهي قربها من مناطق إنتاج البترول في الخليج.