تمثل قضية الدعم أبعادا اقتصادية واجتماعية خطيرة في ظل الأوضاع المتفاقمة بالموازنة المصرية على مدار السنوات العشر الماضية.
وبلغ حجم الدعم بالموازنة العامة 5.9 مليارات جنيه مصري عام 2000/2001، ووصل عام 2011/2012 إلى نحو 132.9 مليارا.
ويستنزف من هذا المبلغ دعم الطاقة الذي يصل إلى 95.5 مليار جنيه، ثم السلع التموينية 18.8 مليارا، ودعم الصادرات 2.5 مليار، والكهرباء خمسة مليارات، ودعم إسكان محدودي الدخل 1.5 مليار.
يضاف إلى ذلك عدة بنود أخرى تقل قيمة كل منها عن مليار جنيه كدعم تنمية الصعيد 200 مليون جنيه، والتأمين الصحي 422 مليونا، ونقل الركاب 851 مليونا والقروض الميسرة 790 مليونا والإنتاج الصناعي 400 مليون.
ورغم الفجوة الكبيرة بين قيمة الدعم عام 2000/2001 و2001/2012، فإن تقريرًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صدر مؤخرًا مبينًا أن 60% من هذا الدعم يصل لغير مستحقيه، وأن دعم الطاقة لابد من تخفيضه.
وطالب التقرير برفع قيمة السلع البترولية لأن الدعم الكبير لها يساعد على عدم ترشيد استهلاكها. كما أشار إلى أن الانتقال من نظام الدعم العيني إلى النقدي هو الأفضل للتطبيق في مصر.
وأكد خبير اقتصادي وأستاذ للاقتصاد بأكاديمية السادات للجزيرة نت اتفاقه مع ما ذهبت إليه بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول قضية الدعم.
وأضاف أنور النقيب أن دراسات البنك الدولي وبرنامج الغذاء العالمي تشير إلى تسرب نسبة تتراوح بين 30 و40% من قيمة الدعم إلى المحتكرين والوسطاء في نظام الدعم الحالي.
كما أن مصر تفتقر لوجود نظام جيد لاستهداف مستحقي الدعم حيث تؤكد البيانات أن 80% من السكان مسجلون في بطاقات التموين، مما يعني أن الأغنياء شركاء في الحصول على الدعم مع الفقراء.
ويرى النقيب أن مصر أمامها طريقان، الأول الانتقال إلى نظام الدعم النقدي، ولكن ذلك يحتاج رغبة سياسية قوية تستطيع أن تأخذ بهذا النظام، حيث كان الدعم العيني إحدى آليات النظام السابق في توظيفه كرشوة سياسية لاستقرار نظامه السياسي، ولا يمكن اللجوء لهذا البديل دون وجود قاعدة بيانات حقيقية ومرنة للوقف على المستحقين الحقيقيين للدعم.
وأيضًا يشترط الخبير الاقتصادي لتنفيذ نظام الدعم النقدي تفعيل قواعد السوق وضمان عدم وجود احتكار من قبل التجار لأسعار السلع الأساسية.
أما الطريق الثاني فهو تحسين الكفاءة ورفع فعالية الدعم العيني الحالي.
ويتوقف أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة مختار الشريف كثيرا أمام مشكلات قضية الدعم.
وصرح للجزيرة نت أن قضية الدعم شائكة والتصرف فيها يحتاج لوقت طويل وحسن إدارة، لأن دعم الطاقة الذي يمثل النصيب الأكبر من مخصصات الدعم تحصل عليه الصناعات كثيفة الطاقة التي تبلغ حصتها نسبة 60% إلى 70% من دعم الطاقة، وهي في غالبيتها استثمارات خاصة أتت مصر لميزة انخفاض أسعار الطاقة.
وفي حالة التفكير في إلغاء الدعم لهذه الصناعات فلابد أن يكون تدريجيًا وأن تقدم حوافز بديلة لهذه الصناعات عن انخفاض أسعار الطاقة، وإلا ستترك هذه الصناعات مصر وتهاجر إلى دول مجاورة.
أما بقية بنود دعم الطاقة، فيرى الشريف أنه يمكن رفع سعرها ولكن مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية لبعض الشرائح التي تستخدم وسائل المواصلات العامة، أو أصحاب شرائح الاستهلاك الأقل والمتوسط من الكهرباء.
وحول طبيعة الدعم النقدي، يوضح الشريف أن هذا النوع من الدعم هو الأفضل، ولكن البعض لديه تصور خاطئ بأن الدعم النقدي هو توزيع حصص نقدية فقط.
ولكن هذا النوع من الدعم يعني اشتراط إنفاق النقود التي يحصل عليها المواطن في مجالات عجزه أو حاجته، وليس له مطلق الحرية في أن ينفقها في أي شيء.
وأكد الشريف أن مصر لا يتوفر لديها الآن قاعدة البيانات لدخول الأفراد بحيث يمكنها تطبيق نظام الدعم النقدي