الرئيسية / مصر / أي مستقبل للاقتصاد المصري مع السيسي

أي مستقبل للاقتصاد المصري مع السيسي

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 26-03-2018
  • 105
أي مستقبل للاقتصاد المصري مع السيسي
  • المصدر: الجزيرة

مشهدان يعكسان واقع الاقتصاد بمصر، مشهد حكومي يحاول أن يجمل من الأداء الاقتصادي ويصور أن هناك إنجازات تحققت من ارتفاع للاحتياطي النقد الأجنبي لما يزيد على أربعين مليار دولار، أو تراجع في معدلات البطالة إلى 11.9% أو انخفاض في معدلات التضخم لنحو 14%، لكن دون أن يتم ذكر الثمن الذي دُفع للوصول لهذه الأرقام من ارتفاع في الدين العام أو زيادة في أعباء معيشة المواطن أو واقع لا يعبر عن الحقيقة في معدلات التضخم.

والمشهد الثاني يصور واقع المواطن الذي لم يعد يثق في الوعود الحكومية ويفقد الأمل في المستقبل. مواطن تعالت أصواته عبر وسائل الإعلام الحر ليرفض كافة السياسات الاقتصادية التي تمت خلال المرحلة الماضية أو المنتظر تطبيقها مستقبلا لتتناول بيع الأصول العامة لنحو 23 مؤسسة ومشروعا اقتصاديا أو تخفيض قيمة الدعم وارتفاع أسعار السلع والخدمات أو عشوائية سوق العمل وغيابا شبه كامل لظروف العمل اللائق والأجر العادل.

ولا ينبئ المناخ السلبي للانتخابات الرئاسية بمصر بوجود مشهد ديمقراطي أو وجود منافسة في الانتخابات الرئاسية الصورية التي تجرى على مدار الفترة 26 – 28 مارس/آذار 2018، وبالتالي فالنتيجة محسومة لصالح قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي ليكون رئيسا لمصر خلال الفترة من يوليو 2018 – يوليو/تموز 2022.

واستمرارا لمخالفة قواعد الأداء الديمقراطي، لم يقدم السيسي برنامجا انتخابيا شاملا يمكن مناقشته من قبل الرأي العام، فضلا عن إمكانية محاسبته عليه بنهاية فترته التي يسعى للفوز بها.

وإذا كان الواقع المعيش يعكس حالة من الانسداد السياسي فإن الفاتورة التي يدفعها المواطن على الصعيد الاقتصادي شديدة التكلفة، وإن من حقه أن يعلم إلى أين تتجه بوصلة الاقتصاد المصري، وما هي الثمار المنتظرة للسياسات التي سينتهجها السيسي خلال فترة رئاسته الثانية

ولقد ركز الخطاب السياسي لقائد الانقلاب وكثير من وزرائه ومسؤوليه المعنيين بالجانب الاقتصادي على ما تضمنته رؤية 2030، وهي أمور شديدة العمومية، ويغيب عنها المحاسبة الزمنية، فالمجتمع يسأل عما سيمكن إنجازه بنهاية السنوات الأربع القادمة.

وتجربة الشعب المصري مع حكامه أن الحديث عن أهداف طويلة المدى هي أداة للهروب من المحاسبة وبخاصة في عهد السيسي الذي حدثهم بداية عهده عن صورة مصر بعد عامين فقط، أو حديثه المتكرر عن انخفاض الأسعار بعد ستة أشهر ولكنهم وجدوا نتائج عكس ما وعدهم به السيسي، حيث مصر من سيئ إلى أسوأ اقتصاديا، كما أن الأسعار تكوي ظهور المصريين.

وحتى لا يكون حديثنا عن مستقبل الاقتصاد المصري خلال ولاية السيسي المنتظرة يتسم بالعمومية، أو انحيازا لتوجه سياسي، فسوف نركز على ما تضمنه المحور الاقتصادي برؤية مصر 2030، حيث غاب البرنامج الانتخابي للسيسي عن المشهد السياسي والانتخابي.

أهداف غير واقعية


لم يبق على 2030 سوى نحو 12 عاما، ولكن حديثنا سيكون مهتما بما يمكن أن يكون عليه أداء الاقتصاد المصري خلال فترة 2018 – 2022، وما تسمح به إمكانيات مصر الاقتصادية الحالية للسعي لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030.

لقد تضمن المحور الاقتصادي برؤية 2030 نحو ثمانية أهداف إستراتيجية للرؤية، هي بلا شك أهداف جيدة من حيث الرصد، ولكن ما إمكانية تحقيقها على أرض الواقع؟

والأهداف الثمانية للرؤية هي استقرار أوضاع الاقتصاد الكلي، أو تحقيق نمو احتوائي ومستدام، أو تعظيم القيمة المضافة، وزيادة التنافسية والتنوع والاعتماد على المعرفة، وأن يكون الاقتصاد المصري لاعبا في الاقتصاد العالمي وقادرا على التكيف مع المتغيرات العالمية، وتوفير فرص عمل لائق ومنتج، وأن يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، ودمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد.

وإذا ما تحدثنا عن الهدف الأول، والذي يعد كهدف مفتاح لتحقيق العديد من الأهداف التالية، نجد أن ما تحقق خلال السنوات الأربع الماضية ضد هذا الهدف تماما، حيث تم التركيز على تحقيق إنجازات على صعيد الأدوات النقدية مثل احتياطي النقد الأجنبي أو تخفيض قيمة العملة المحلية أو سعر الفائدة أو زيادة معدلات الضرائب، وهي كلها أدوات أنتجت حالة من عدم استقرار الاقتصاد الكلي.

فما يؤدي إلى استقرار الاقتصاد الكلي هو بناء قاعدة إنتاجية صلبة في القطاعات الرئيسة مثل الزراعة والصناعة والتعليم والصحة، وباقي عناصر البنية الأساسية والمعرفية.

"
ما تم حشد موارد مصر المالية القليلة له مشروعات إنشائية، مثل توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة أو بعض الطرق أو مشاركة الأجانب في تطوير الموانئ، وهي لا تحقق قيمة مضافة ولا تعمل على توفير احتياجات مصر من السلع الإستراتيجية
"

ولكن ما تم حشد موارد مصر المالية القليلة له هو مشروعات إنشائية مثل توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة أو بعض الطرق أو مشاركة الأجانب في تطوير الموانئ، وهي مشروعات لا تحقق قيمة مضافة ولا تعمل على توفير احتياجات مصر من السلع الإستراتيجية.

فضلا عن أن ما تورطت فيه مصر من ارتفاع الدين العام (المحلي + الخارجي) صب في إطار شراء الأسلحة أو تمويل مشروعات لا تمثل أولوية للتنمية لمصر في الوقت الحالي.

وحتى ما يتم من توسع في العاصمة الإدارية الجديدة من مشروعات إنشائية مثل بناء عشرين برجا -منها ما يُعد أعلى برج في أفريقيا- سيتم تمويلها بنسبة 85% من خلال قرض صيني يسدد على مدار عشر سنوات.

والملمح المتعلق بالبعد عن تحقيق هدف الوصول ولو مرحليا لاستقرار أوضاع الاقتصاد الكلي يتجلى في سياسات تركز على تبديد الموارد والبحث عن مصالح دول خارجية لتنشيط اقتصادياتها دون الاعتناء بواقع القطاعات الاقتصادية الإنتاجية الإستراتيجية بمصر. فماذا بعد أن تعلن مصر عن استمرار استيراد غذائها من الخارج دون امتلاكها إستراتيجية لتحقيق الاكتفاء شبه الذاتي لتحقيق الأمن الغذائي فضلا عن استمرار نهج استيراد العدد والآلات ووسائل المواصلات، مما يعني أن الاقتصاد المصري مستمر في افتقاده للقيمة المضافة العالية.

نمو هش

استهداف تحقيق نمو احتوائي ومستدام أمر شديد الإيجابية، ولكن أداء الاقتصاد المصري في فترة السيسي الأولى أو الفترة القادمة يحقق معدلات متواضعة فضلًا عن أنها محدودة من حيث مصادرها أو مظاهرها على المجتمع المصري.

فمثلًا حين يرصد تقرير متابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي لعام 2016/2017 -الصادر عن وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري- أن معدل النمو وصلت نسبته 4.2% تقوده القطاعات الخدمية مثل الاتصالات بمعدل نمو 12.5%، والتشييد والبناء 9.5%، والأنشطة العقارية 5.5%، في حين تأتي القطاعات الإنتاجية في المؤخرة حيث حقق قطاع الصناعات التحويلية نسبة نمو 3.7%، وقطاع الزراعة 3.2%.

ولذلك لا ترصد التقارير الرسمية الحكومية خطوات ملموسة، لتحقيق هدف نمو احتوائي ومستدام.

فما زالت الطبقات الغنية في ضوء نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة تحصل على الثمار القليلة للنمو، بينما الطبقة المتوسطة والفقيرة تعاني من تردي أوضاعها.

فعدد العاملين في قطاع الزراعة يمثل 25% من اليد العاملة في مصر، ومع ذلك ينمو القطاع بمعدلات متواضعة.

ومما ذكر غير مرة من قبل المعنيين بتقويم أداء النمو الاقتصادي أن النمو ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل نمو الزيادة السكانية، أي ينبغي على الحكومة أن تحقق معدل نحو بحدود 7.5%، بينما الأداء الفعلي يشير إلى معدل نمو يزيد بقليل على 4% في أحسن الحالات.

وبعد تناول المؤشرين الرئيسيين من أهداف رؤية 2030، وأداء حكومة السيسي المتواضع فيهما، من الصعب الحديث عن باقي الأهداف لأنها تابعة أو نتيجة لأداء المؤشرين السابقين، فمثلا كيف يتم تعظيم القيمة المضافة في ظل تصدر القطاعات الخدمية للنمو الاقتصادي وكيف يلعب الاقتصاد المصري دورا في الاقتصاد العالمي، وهو مستورد لكافة احتياجاته الرئيسة.

"
على مدار أربع سنوات للسيسي مثلا ارتفع الدين المحلي من 1.5 تريليون جنيه إلى 3.16 تريليونات أي أكثر من الضعف، وانضم تحدى ارتفاع الدين الخارجي إلى ارتفاع الدين المحلي ليجاوز سقف ثمانين مليار دولار
"

تفاقم التحديات

أشارت رؤية 2030 في المحور الاقتصادي إلى وجود نحو 15 تحديا، وهي كلها بادية للعيان ولا تحتاج إلى دليل أو برهان منها ارتفاع الدين المحلي، وجمود هيكل النفقات العامة، وانخفاض الإيرادات العامة، وتواضع الاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفاع عجز الموازنة.. إلخ

وهي كلها مؤشرات سلبية، لم تر أداء حكوميا يعكس الرغبة أو العمل على كسرها، وتجاوزها من خلال سياسات اقتصادية متدرجة تراعي التنسيق بين مكونات الأداء الاقتصادي.

فعلى مدار أربع سنوات للسيسي، مثلا ارتفع الدين المحلي من 1.5 تريليون جنيه إلى 3.16 تريليونات جنيه أي أكثر من الضعف، وانضم تحدى ارتفاع الدين الخارجي إلى ارتفاع الدين المحلي ليجاوز سقف ثمانين مليار دولار.

وتطلق الحكومة العنان لمزيد من القروض الخارجية دون أن تقدم للمجتمع رؤية أو برنامجا لتوظيف أو كيفية سداد هذه الديون، وثمة مخاوف أن تجر الحكومة بسياستها الخاصة للدين العام إلى الانهيار الاقتصادي.

كما أن موازنة مصر تشهد المزيد من تعقيد مشكلاتها وليس التخفيف منها، فالعجز وإن قل كنسبة من الناتج المحلي بمعدلات قليلة، فإنه في تزايد من حيث القيمة.

فبنهاية يونيو/حزيران 2017 وصل العجز الكلي في الموازنة إلى 379 مليار جنيه، ويتوقع أن يصل إلى 423 مليارا في يونيو/حزيران 2018، ثم يتجاوز حاجز الخمسمائة مليار العام المالي 2018/2019. 

وعن كفاءة سوق العمل، يشير تقرير التنافسية الصادر عن منتدى دافوس إلى احتلال مصر مرتبة متدنية على مدار السنوات الماضية -عام 2018 احتلت المرتبة 134 من بين 137 دولة-، ولم يشهد أي تحسن خلال سنوات السيسي.

فكيف سيتم تحسين كفاءة سوق العمل في ظل الركود وسيطرة الجيش على مقدرات الاقتصاد المدني؟

 يضاف إلى ذلك التراجع في مؤشر مكافحة الفساد حيث حصلت مصر على ترتيب 117 من بين 180 دولة بعد أن كانت ترتيبها 108، وهو ما يعني زيادة معدلات الفساد بعهد السيسي.

عدم تفاؤل بالمستقبل

بطبيعة الحال ستكون هناك بعد التحسينات للمؤشرات الاقتصادية بمصر، وإن كانت فاتورة تحقيق ذلك التحسن عالية من حيث التكلفة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن في المجمل لم يقدم السيسي ولا حكومته للمجتمع برنامجا يمكن محاسبتهم عليه إزاء الأداء الاقتصادي لمشكلات مصر المزمنة التي أدت إلى زيادة معدلات الهجرة لتتجاوز عشرة ملايين مهاجر عام 2017 وارتفاع أعداد الباحثين عن فرض العيش خارج البلاد.

ومن المؤسف أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية تكرس لمأساة فقدان الأمل لدى قطاعات كثيرة من الشعب المصري في ظل سيطرة الجيش على معظم أنشطة القطاعات الرئيسة للاقتصاد واستهداف تقوية المركز المالي للجيش عبر امتلاكه للعديد من المشروعات الجديدة سواء في المجال الخدمي أو الإنتاجي.

ومن العجب أن السيسي يستمر في ممارسة الضبابية المالية، فغير ما مرة يطلب عدم السؤال عن مصادر تمويل المشروعات وبخاصة العاصمة الجديدة أو ما ادعاه من استصلاح أكثر من مئتي ألف فدان أو غيرها من المشروعات.

مثل هذه الممارسات تزرع الشك والريبة لدى المجتمع ولا تنم عن ثقة، فالمجتمعات لا تدار بهذه الطريقة الغامضة، إذ إن كل إنفاق عام يدفعه المواطن من خلال الضرائب متحملا تبعات ما يتراكم من ديون، فأين دور المؤسسات الرقابية؟