كل معدلات البطالة المعلنة بعد الانقلاب العسكري بمصر في يوليو 2013، هي محل شك، والغريب أن خبراء صندوق النقد الدولي يصدقون عليها، وتنشر في بيان مديرة الصندوق عن الاقتصاد.
لم تكن حوادث الانتحار التي تشهدها مدن مصر، إلا انعكاسًا لحالة الفقر والبطالة التي انتابت شرائح كبيرة من المجتمع المصري، وأصبحت محطات المترو بمدينة القاهرة مقصدًا للمنتحرين، وغالبيتم من ذوي الدخول المحدودة، ولديهم أعباء معيشية، لم تفلح جهودهم لسدها عبر ما هو متاح لهم من عمل.
لكن الحكومة المصرية تُصٌدر خطابًا سياسيًا وإعلاميًا يجافي الحقيقة، ويشير إلى تراجع معدلات البطالة في مصر على مدار سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013، لينخفض من 13.7% في 2013 إلى 10% في الربع الثالث من 2018.
وفي نهاية يناير الماضي أصدرت كريستين لايغارد مديرة صندوق النقد الدولي بيانًا صحفيًا بشأن إعداد تقرير من قبل خبراء الصندوق يقدم للمجلس التنفيذي ليسمح بصرف الشريحة الخامسة من قرض الصندوق لحكومة مصر بقيمة ملياري دولار، والتي كان من المفترض أن تُصرف في ديسمبر 2018.
أثنت لايغارد على الشعب المصري لتحمله أعباء البرنامج الاقتصادي، وأكدت تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية لمصر بعد تطبيق الإجراءات المتفق عليها، إذ ذكرت “حققت مصر تقدمًا كببيرًا يدلل عليه نجاحها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي. وقد أصبح معدل النمو من أعلى المعدلات المسجلة في المنطقة، كما يسير عجز الميزانية في اتجاه هبوطي، والتضخم في طريقه لبلوغ الهدف الذي حدده البنك المركزي مع نهاية 2019. كذلك انخفضت البطالة إلى 10% تقريباً، وهو أدنى معدل بلغته منذ عام 2011، وتم التوسع في إجراءات الحماية الاجتماعية”.
والمتابع للشأن الاقتصادي المصري، يلمس عدم منطقية البيانات الاقتصادية التي تصدر من المؤسسات الحكومية، من معدلات نمو الناتج وقيمته، وما يترتب عليه من نسب غير حقيقية للمؤشرات التي تُنسب للناتج، ولكن كون مديرة صندوق النقد تؤكد أن البطالة بمصر تقترب من 10%. وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء قد أعلن عن أن معدل البطالة في الربع الثالث من 2018 بلغ 10%.
اللعب بالأرقام جريمة في حق الوطن، لكن إذا ما سمحت لهم ضمائرهم بهذه الجريمة، فليحترموا عقول الناس، فالحكومة تصدر بياناتها عبر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، لتظهر قوة العمل بأعداد أقل من الواقع، لكي تصل لنتيجة مفادها أن أعداد العاطلين في تراجع.
وتنسى الحكومة أن جهازها الاحصائي الذي يصدر أرقامًا عن تراجع معدلات البطالة، وبخاصة فيما يتعلق بالأفراد في السن العمل، نجد أنها تصدر أرقامًا أخرى عن أعداد الخريجين من مؤسسات التعليم، تبين أن ما ذُكر عن قوة العمل غير صحيح.
ونوضح جريمة التزوير الرقمي والإحصائي من خلال ما ورد بالنشرة السنوية لبحث القوة العاملة لعام 2017 والصادرة في مايو 2018، إذ تبين في صفحة 13 أن قوة العمل كانت بحدود 28.4 مليون فرد، 28.9 مليون فرد، 29.5 مليون فرد، خلال أعوام 2015 و2016 و2017 على التوالي، أي إن عدد الداخلين لسوق العمل في أعوام 2016 و2017، نحو 500 ألف فرد و600 ألف فرد.
وهذه الأرقام تتنافي تمامًا مع ما جاء في الكتاب الاحصائي السنوي لعام 2018، والمنشور على موقع معهد الاحصاء، والتي تبين أن خريجي الجامعات والتعليم الفني بلغوا 922 ألف فرد و978 ألف فرد على التوالي في عامي 2016 و2017. وإذا ما أضفنا إليهم الداخلين لسوق العمل من غير المتعلمين، فسنجد أن الرقم في أقل تقديراته يتجاوز المليون فرد.
وقد تخرج التبريرات بأن بعض الخريجين يذهبون لأداء الخدمة العسكرية ولا يلتحقون بسوق العمل، ولكن هذا العدد يقابله آخرون أنهوا الخدمة العسكرية، ومؤهلين للالتحاق بسوق العمل، إذن هذا المتغير الخاص بالالتحاق بالخدمة العسكرية في حكم العدم في تأثيره على تراجع أعداد الملتحقين بسوق العمل.
وبناء على هذه النتيجة ستكون قوة العمل في عام 2017 على سبيل المثال بحدود 30 مليون فرد، وليس 29.5 مليون كما هو معلن من قبل جهاز الاحصاء، وعليه فيكون معدل البطالة عند معدل 13.3% وليس 11.8%.
وبناء عليه فكل معدلات البطالة التي أعلنت بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، هي محل شك، والغريب أن خبراء صندوق النقد الدولي يصدقون عليها، وتنشر في بيان مديرة الصندوق عن الاقتصاد المصري.
والحقيقة أن الحكومة المصرية وصندوق النقد قد يمرران هذه الأرقام المزورة، ولكن من سيدفع الثمن، هو المواطن المصري الذي يعاني اقتصاديًا واجتماعيًا حاليًا، فضلًا عن الأجيال القادمة التي ستجني ثمارًا مرة للسياسات الاقتصادية المتبعة من بعد انقلاب يوليو 2013، وبخاصة بعد توقيع اتفاق الحكومة مع صندوق النقد في نوفمبر 2016.
يمكن أن تزور أرقامًا لخطاب سياسي يعبر عن حكام ديكتاتورين؛ ولكن حقيقة الأمر أن ذلك سوف يؤدي إلى عدم وجود مشروع للتنمية، وانهيار مقدرات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، فإذا كانت المعلومات تتسم بعدم الشفافية، فكل ما سيبنى عليها بلا شك سيكون مجرد وهم، ولا يكون له نصيب من الواقع، إلا في حدود الحبر الذي يكتب به على الورق.
بيان | خريجي الجامعات | خريجي التعليم المتوسط | الإجمالي
2013 | 463 | 544 | 1007
2014 | 308 | 537 | 845
2015 | 378 | 555 | 933
2016 | 487 | 435 | 922
2017 | 537 | 441 | 978
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، الكتاب الاحصائي السنوي، 2018.