تبلغ القوى العاملة في مصر نحو 29.4 مليون فرد حسب إحصاءات عام 2021، منهم 27.2 مليون فرد في عداد المشتغلين، بينما عدد العاطلين 2.2 مليون فرد، ونسبتهم 7.4% من قوة العمل.
ووفق أرقام "بحث القوى العاملة لعام 2021" الذي نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في سبتمبر 2022، فإن عدد العاملين في الحكومة 4.9 ملايين عامل، وبما يمثل 20% تقريباً، بينما يضم قطاع الأعمال العام 636 ألف عامل، والقطاع الخاص المنظم 9.4 ملايين عامل، والقطاع الخاص غير المنظم 12.1 مليون فرد.
ويتضمن مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023 /2024، مخصصات للأجور وتعويضات العاملين في الحكومة والجهاز الإداري للدولة، بلغت 470 مليار جنيه، وبما يمثل نسبة 15.7% من إجمالي المصروفات بالموازنة، والمقدرة بـ 2.9 تريليون جنيه.
تظهر بيانات مشروع موازنة 2023/2024، أن الرواتب الأساسية للوظائف الدائمة في الحكومة 102 مليار جنيه، والوظائف المؤقتة 9.9 مليارات جنيه، ويكون إجماليهما 111.9 مليار جنيه، بينما المكافآت للعاملين في الحكومة 170 مليار جنيه
وهنا تظهر أولى مظاهر الخلل، فمخصصات بند المكافآت، أكبر من مخصصات بند الرواتب الأساسية، ففي حين تبلغ نسبة الرواتب الأساسية 23.8% من إجمالي مخصصات الأجور وتعويضات العاملين، نجد أن نسبة المكافآت 36.1%.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبالإضافة إلى زيادة المكافآت عن الرواتب الأساسية، هناك ما يسمى البدلات، والتي تبلغ مخصصاتها الإجمالية 133.6 مليار جنيه، وهي بدورها تزيد كذلك عن مخصصات الروب الأساسية، ونسبتها تصل إلى 28.4% من إجمالي مخصصات بند الأجور وتعويضات العاملين.
وتتنوع البدلات للعاملين في الحكومة، ما بين بدلات نوعية، ومزايا نقدية، ومزايا عينية، ومزايا تأمينية أخرى.
ومن هنا نجد مطالب كل عام، للعاملين في الحكومة، أن تكون الزيادة السنوية في رواتبهم، على إجمالي الراتب، وليس على الراتب الأساسي، وهو ما لا تعمل به الحكومة، وتدرج الزيادة السنوية على الرواتب الأساسية فقط.
كما ذكرنا، فهيكل الأجور للعاملين في الحكومة، مقلوب، فنحو 75% من دخل العامل في الحكومة، عبارة عن مكافآت وبدلات، وهنا يأت باب الفساد والمحسوبية، فالبدلات قد تكون محكومة بلائحة، سواء كانت بدلات عينية أو نقدية، ولكن بند المكافآت، من السهل أن يرجع للتقدير الشخصي للإدارة العليا، أو للمديرين المباشرين.
ويختلف الوضع كثيرًا من هيئة حكومية إلى أخرى، فمكاتب الوزراء ودواوين المصالح الحكومية، لهم مكافآت أكبر من غيرهم، لذلك يحرص الكثيرون على أن يلتحقوا بالدواوين الكبرى، أو مكاتب الوزراء، أملًا في وضع مالي أفضل.
ويظهر ذلك بوضوح فيما يتعلق في رغبة العاملين بالالتحاق بالأجهزة الرقابية، مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، أو دواوين وزارات القضاء أو الكهرباء أو رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء، أو الرقابة الإدارية، أو وزارة المالية، وبخاصة مكوناتها المتميزة من حيث الرواتب مثل مصلحة الضرائب أو الجمارك.
فالوضع الطبيعي أن تكون الرواتب الأساسية بحدود 80% إلى 85%، ثم يأتي دور المكافآت والحوافز ليكون بحدود من 15% إلى 20%، ومن هنا يتميز ذوو الكفاءة، ويكون هناك بالفعل حافز على العطاء والتطوير.
واستمرار الوضع في مصر على ما هو عليه منذ سنوات، يعكس رغبة الحكومة في زيادات غير ملزمة للعاملين بها، من خلال بندي البدلات والمكافآت، وفي الوقت نفسه يمكنها إدارة شؤون العاملين وفق قاعدة "العطاء مقابل الولاء"، وهي قاعدة يرسخها بند المكافآت.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يصل عدد العاملين بالإدارة المحلية قرابة 3.2 ملايين عامل، ويعتبر هؤلاء العاملون، من أقل العاملين في الحكومة من حيث الرواتب، إلا أن ذلك يفتح أبوابًا رسمية لتحسين دخولهم من خلال الحصول على مكافآت من خلال أموال صناديق التنمية أو الحسابات الخاصة، أو يفتح كذلك أبوابًا غير رسمية من خلال الحصول على الرشاوى.
ويعد باب صناديق التنمية أو الصناديق الخاصة في الإدارة المحلية، واحدًا من الصناديق السوداء في الأوضاع المالية لمصر، على الرغم من طرحها للرأي العام، عبر مجلس النواب، أو في وسائل الإعلام، سواء قبل ثورة 25 يناير، أو بعدها، وحتى الآن، لا يعرف لها عدد على وجه الدقة.
كما لم يتم بعد توظيف مواردها المالية بشكل يحقق الهدف منها على الصعيد التنموي، أو تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، أو تخفيف وطأة المشكلات المالية بالمحليات.
وإذا كان العاملون في الجهاز الإداري للدولة وكذلك الإدارة المحلية، يعانون من تلك المشكلات في رواتبهم، فإن هناك قطاعات أخرى، وتندرج تحت لافتات حكومية، مثل قطاع الأعمال العام، الذي يضم البنوك وشركات الكهرباء، والشركات الأخرى التي تعمل خارج نطاق الموازنة العامة للدولة، وكذلك الهيئات الاقتصادية، التي تضم الهيئة العامة للبترول، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وقناة السويس، وغير ذلك.
وهؤلاء لهم رواتب أفضل من العاملين الذين يتم تمويل رواتبهم من الموازنة العامة للدولة، لذلك نجد هناك رغبة كبيرة لدى الخريجين الجدد، أو غيرهم في الالتحاق بقطاع البترول، أو شركات الكهرباء، أو قطاع البنوك، أو الهيئات الاقتصادية الأخرى، التي يتميز العاملون فيها بالحصول على رواتب مرتفعة، مقارنة بغيرهم.
بعد ثورة 25 يناير 2011، ظن البعض أن وجود قانون ينظم الحد الأدنى والأقصى للأجور للعاملين بالحكومة سيحقق العدالة الاجتماعية، التي كانت أحد أهم المطالب الرئيسة للثورة، وبالفعل تم تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور للعاملين بالحكومة، ولكن دون أن يحقق الهدف منه، لأن الوظيفة الواحدة داخل مؤسسات العمل الحكومية، يختلف الدخل فيها للموظف من مؤسسة إلى أخرى.
فمثلًا المحاسب في الإدارة المحلية دخله أقل بكثير من نظيره في شركات الكهرباء، أو قطاع البترول، أو البنوك، أو الأجهزة الرقابية، أو دواوين الوزارات، وذلك بسبب اختلاف فئات المكافآت والبدلات المتعددة، بين تلك المؤسسات.
نعم الراتب الأساسي متساو بالنسبة للجميع في كل مؤسسات الحكومة، ولكن نظام المكافآت والحوافز، والبدلات يصنع تلك الفوارق في الدخول بين أصحاب التخصص الواحد في المؤسسات المختلفة.
لذلك طالب الخبراء المعنيون بدراسة حالة دخول العاملين، وهيكل الأجور في المؤسسات الحكومية، بأن يتم الانتقال إلى هيكل مختلف، يجعل من الرواتب الأساسية القيمة أو النسبة الكبرى من مكون الدخل للموظف الحكومي، وأن تكون المكافآت أو البدلات الهامش الأقل، وأن تمنح المكافآت والبدلات، بالفعل على الجهود المبذولة، أو التميز الذي يحققه العامل.
ختامًا: يعد رأس المال البشري في المؤسسات الحكومية، أهم مواردها الاقتصادية، ومن غير المقبول أن تظل قضية خلل هيكل الرواتب والأجور في المؤسسات الحكومية، على ما هي عليه منذ عقود عدة.
فالواجب أن توضع حلول، يتم تنفيذها خلال فترة انتقالية، بحيث يتم القضاء تمامًا على التفاوت الكبير لأصحاب الوظيفة والتخصص الواحد بمختلف المؤسسات الحكومية.
كما أن إصلاح هذا الخلل من شأنه، أن يرفع من كفاءة العاملين، ويحسن من مستوى الخدمات المقدمة في المؤسسات الحكومية، ويقضي على كثير من المشكلات، أبرزها مكافحة الحصول على الرشاوى نظير تقديم الخدمات الحكومية، التي هي حق للمواطنين