الرئيسية / مصر / أرقام الحكومة تكذب السيسي بشأن استثمارات المشروعات الجديدة

أرقام الحكومة تكذب السيسي بشأن استثمارات المشروعات الجديدة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 01-10-2019
  • 106
أرقام الحكومة تكذب السيسي بشأن استثمارات المشروعات الجديدة
  • المصدر: الجزيرة

حاول عبد الفتاح السيسي أمام مؤتمر الشباب في 14 سبتمبر/أيلول الماضي أن يهرب من الإجابة عن الاتهامات الموجهة له من المقاول الفنان محمد علي، بالإسراف في تشييد القصور والاستراحات الرئاسية، فصرح السيسي بأنه تم إنفاق أربعة تريليونات جنيه (246 مليار دولار )على المشروعات الجديدة خلال السنوات الست الماضية.

وعلى الرغم من أن البيانات الاقتصادية التي صدرت من الجهات الحكومية بعد الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 تفتقد إلى المصداقية فإنها تبقى المصدر الوحيد الذي يمكن البناء عليه، والكشف عن مدى مطابقة ما صرح به السيسي للواقع.

فالرقم الذي ذكره السيسي يفهم منه أن هذا الإنفاق يخص إنفاق الحكومة وقطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية والخدمية على الاستثمار خلال هذه السنوات، وهو ما يجعلنا نعرض الأمر وفق هذا الإطار، ثم في إطاره الأوسع عن الاستثمارات الكلية التي تشمل القطاع الخاص مع القطاعات السابق ذكرها.

أرقام الحكومة تكذبه

بالرجوع إلى بيانات وزارة المالية المصرية عبر تقريرها المالي الشهري عدد يونيو/حزيران 2019 للوقوف على حقيقة الاستثمارات المنفذة في مصر خلال السنوات الست الماضية -وهو أمر متاح عبر الإحصاءات التي يتضمنها التقرير- نجد أن التقرير تضمن الأرقام الخاصة بالفترة من 2014/2013–2018/2017.

وزارة التخطيط والمتابعة والاصلاح الإداري، الخطة متوسطة المدى للتنمية المستدامة 2019/2018 -2022/2021، ص 83.

وإذا نظرنا إلى الأرقام الخاصة بالاستثمارات المنفذة فعليا نجد أنها تصل إلى 2.2 تريليون جنيه فقط، ولكن هذه الأرقام تخص خمس سنوات فقط بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، وبإضافة ما يخص عام 2019/2018 نجد أن إجمالي الإنفاق على الاستثمارات في مصر هو بحدود 3.1 تريليونات جنيه.

ومع مراعاة ما يخص عام 2019/2018 -وهي بيانات تقديرية- فمن الوارد بنسبة كبيرة أن تنخفض الاستثمارات المنفذة فعليا عن هذا الرقم، وهو ما ترصده الدراسات عن أداء الحكومة في هذا المجال على مدار السنوات الماضية.

والملاحظة الأهم في هذا المجال أن هذه الأرقام تشمل كافة الاستثمارات في مصر، سواء من الاستثمارات المحلية أو الأجنبية، وكذلك استثمارات القطاع العام والهيئات الاقتصادية والخدمية العامة والحكومة، وكذلك القطاع الخاص، وبالتالي فالحديث عن إجمالي الاستثمارات وتبرير أن هذه الاستثمارات مولت من الديون غير مقبول، وهو ما سنبينه في السطور التالية.


الديون لم تنفق على الاستثمارات

حاول السيسي أن يبرر سياسته الخاطئة في التوسع بالدين العام على مدار السنوات الست الماضية، فقال "إن هذه الأموال جاءت من قروض داخلية وخارجية، وسيتم سدادها".

والمعلوم أن الدين العام قفز إلى معدلات عالية خلال السنوات الست الماضية، حيث زاد الدين المحلي من 1.4 تريليون جنيه في يونيو/حزيران 2013 إلى 4.2 تريليونات في مارس/آذار 2019، كما أن الدين العام الخارجي قفز من 43 مليار دولار إلى 106 مليارات دولار خلال الفترة ذاتها.

أي أن الدين العام (المحلي+الخارجي) زاد خلال السنوات الست الماضية بنحو 3.8 تريليونات جنيه مصري.

وحسب تصريحات وزراء المالية الذين تعاقبوا على كرسي الوزارة خلال السنوات الست الماضية، فإن جانبا لا بأس به من الديون الخارجية تم توجيهه إلى دعم احتياطي النقد الأجنبي، وكذلك سداد عجز الموازنة التي يغلب عليها الإنفاق الاستهلاكي وليس الإنفاق الاستثماري.

ومن هنا نجد أنه من الضروري أن نبين قيمة الاستثمارات العامة التي أنفقت عليها الحكومة خلال السنوات الست الماضية، حتى تتبين لنا حقيقة استخدام الديون في تمويل الاستثمارات، وذلك برصد نسبة الاستثمارات العامة من الاستثمارات الكلية.

مساهمة الاستثمارات العامة والخاصة

في إجمالي الإنفاق على الاستثمارات الكلية

البيان | 2013/2014 | 2014/2015 | 2015/2016 | 2016/2017 | 2017/2018 | 2018/2019*
  | بيانات فعلية | تقديري
الإنفاق على الاستثمارات الكلية بالمليار جنيه  | 290 | 249 | 407 | 530 | 739 | 942
الاستثمارات العامة % | 38 | 45 | 45 | 48 | 59 | 44
القطاع الخاص % | 62 | 55 | 55 | 52 | 41 | 56

تم رصد نسبة مساهمة كل قطاع من خلال تقارير متابعة الخطة الصادرة عن وزارة التخطيط لسنوات الفترة، وكذلك خطة عام 2019/2018.

ومن خلال البيانات المذكورة في الجدول أعلاه نجد أن القطاع الخاص يمثل نسبة لم تقل عن 50% بأي حال خلال الفترة سوى في عام 2018/2017، وهو ما يعني أن ادعاء السيسي بأن الديون أنفقت على الاستثمارات غير صحيح، لأننا خلال السنوات الست نكتشف أن مساهمة الاستثمارات العامة والحكومية وقطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية والخدمية لم تتجاوز 1.5 تريليون جنيه على أحسن تقدير، وليس أربعة تريليونات جنيه كما صرح السيسي.

المواطن ازداد فقرا

من البديهات الاقتصادية أنه في حالة زيادة الاستثمارات في اقتصاد ما عادة ما تكون له آثار إيجابية على مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، سواء الإنتاجي أو الخدمي، كما تنتعش حياة الأفراد لحصولهم على فرص عمل جديدة تولدها الاستثمارات والمشروعات الجديدة، ومن المفترض أن تتحسن دخول الأفراد مع المشروعات الجديدة، ويزيد طلبهم على السلع والخدمات، وتزيد مدخراتهم.

ولكن الواقع المعيش على مدار السنوات الماضية -التي ادعى فيها السيسي أنه أنشأ مشروعات جديدة بنحو 4 تريليونات جنيه- زادت حدة الفقر في المجتمع بنسبة 5% في يونيو/حزيران 2019 مقارنة بما كانت عليه معدلات الفقر في 2015، وذلك حسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في حين ذهب البنك الدولي لما هو أعلى من هذه النسبة بأن حوالي 60% من المجتمع المصري إما فقراء أو معرضون للفقر.

وهو ما يعني أن دخول الأفراد لم تتحسن مع المشروعات الجديدة المزعومة، بل كانت حياتهم أفضل قبل مجيء السيسي وسياسته الاقتصادية التي نالت بشكل كبير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المصري.

ويقتضي الإنصاف أن نشير إلى أن هناك بالفعل مشروعات جديدة شهدها الاقتصاد المصري خلال السنوات الست الماضية، مثل توسعة قناة السويس، والشروع في تنفيذ جزء كبير من العاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك تنفيذ بعض المشروعات المتعلقة بالطرق والقناطر.

ولكن الجدوى والمردود الاقتصادي لهذه المشروعات كانا سلبيين، لأنها وبشهادة السيسي نفسه لم تنفذ من خلال دراسة جدوى، وأنها تمثل ما يطلق عليه "الهروب للأمام"، بمعنى الهروب من مشكلات الاقتصاد المصري الحقيقية في القطاع الإنتاجي في النشاطين الزراعي والصناعي، والعمل لتلبية احتياجات مصر من السلع الإستراتيجية والضرورية، من قمح وسلع زراعية أخرى، أو آلات ومعدات ووسائل انتقال.

مشروعات لصالح الخارج

أشرنا إلى أن استفادة المواطن المصري كانت محدودة -بل ازداد معها فقرا- من المشروعات التي نفذها خلال السنوات الست الماضية، ولكنا عندما ننظر للأرقام الخاصة بالتجارة الخارجية لمصر نجد أن حجم الواردات السلعية قد زاد بشكل ملحوظ، من 57 مليار دولار في يونيو/حزيران 2013 إلى 63 مليار دولار في يونيو/حزيران 2018، أي أن معدل الزيادة بلغ حوالي ستة مليارات دولار خلال عامي المقارنة.

وتدلل زيادة نسبة الواردات السلعية خلال السنوات الست الماضية على أن الاقتصاد المصري زادت تبعيته للخارج بشكل كبير، كما أن المشروعات الجديدة لم تنجح في تخفيض حركة الاستيراد، أو على الأقل وقف قيمتها على ما كانت عليه في يونيو/حزيران 2013.

وبالنظر إلى بعض المشروعات الكبرى التي تم تنفيذها مثل توسعة قناة السويس فقد تمت الاستعانة بحفارات لشركات أجنبية، كما تمت الاستعانة بمكاتب خبرة، وكذلك مشروعات العاصمة الجديدة التي تعتمد بشكل رئيس على قيام الشركات الصينية بتوفير بيوت الخبرة وتوريد المعدات ومستلزمات الإنتاج ضمن شروط عقود الاقتراض لتمويل هذه المشروعات.

وهو نفس الأمر فيما يخص المشروعات التي أعلنت عنها وزارة الإنتاج الحربي بشأن عزمها تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية أو تحلية المياه كونها تعتمد على التمويل عبر قروض من الصين، وكذلك استيراد خطوط الإنتاج من الشركات الصينية.

وفي ضوء تصريحات السيسي بأن هذه المشروعات تم تمويلها بالديون المحلية والخارجية، فإن الطبيعي أن تكون هناك علاقة بين أداة التمويل والعائد من المشروعات، بحيث تستطيع أن تقوم هذه المشروعات بسداد أعباء الديون
(أقساط+فوائد) من إيراداتها الذاتية، ولكن الحقيقة هي أن هذه المشروعات في أغلبيتها لم تحقق عوائد ذاتية، باستثناء بعض الطرق التي يتم تحصيل رسوم مرور عليها.

ومن هنا وجدنا أن أعباء الفوائد فقط بالموازنة العامة للدولة قفزت إلى نسبة 38% من قيمة الإنفاق العام في العام المالي 2019/2020، وبلا شك أن قرابة 25% من قيمة الفوائد المدفوعة على القروض تذهب للقروض الخارجية.

المشروعات التي يحتاجها المواطن

في الوقت الذي تتجه فيه مشروعات السيسي إلى الطرق والجسور، والتي قد تكون غير ضرورية في الوقت الحالي، أو ما تم إنجازه بالعاصمة الإدارية الجديدة من (أكبر مسجد، أو أكبر كنيسة، أو أكبر فندق) أو أن تقوم الحكومة بمزاحمة القطاع الخاص في تجارة الأراضي والعقارات، أو باقي أنشطة الاقتصاد المدني، نجد أن المواطن يحتاج إلى مشروعات أخرى.

يحتاج المواطن إلى مشروعات إنتاجية تتسم بالاستمرارية والتطور حتى يأمن المواطن على فرص عمل، ودخل مستقر، وتحقيق قيمة مضافة عالية.

وتحتاج مصر إلى إصلاح مشروعات الدولة في مجال النسيج والملابس الجاهرة حتى لا يتم استيراد ملابس لمجتمع يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة.

ويحتاج المواطن إلى مشروعات تؤمن له الغذاء والدواء حتى لا يكون عرضة لتقلبات السوق الدولية، ولا يكون عرضة لاحتياجات الشركات متعدية الجنسية.

وفي نفس الوقت ما يضمن سلامة الأمن القومي المصري في هذه المجالات، وهي مواطن التحدي الحقيقي والذي يستأهل حسن توظيف الموارد المالية للمجتمع، للاستفادة من المدخرات المحلية أو اللجوء للاقتراض.

إن الواقع المعيش يفرض على المواطنين المصريين الدخول بقوة في إطار سوق العمل غير المنظم، وكذلك المشروعات متناهية الصغر والصغيرة من أجل الحصول على المتطلبات الرئيسة للحياة، ولا يجدون مساعدة تذكر من الحكومة في هذا الخصوص، بينما دول أخرى تبذل جهودا واضحة في هذا الأمر من خلال تنظيم المعارض والأسواق المحلية والخارجية لمنتجات هذه المشروعات.

ختاما، في ظل اقتصاد تدار أموره من خلال شخص واحد يقرر إنشاء المشروعات أو التخلص منها أو كيفية تمويلها وإداراتها ستكون العواقب وخيمة كما هو الحال في المجتمع المصري، إذ بدت ملامح ذلك في خروج الجماهير في مظاهرات 20 سبتمبر/أيلول الماضي تطالب برحيل السيسي، لما وجدته من سوء إدارة الموارد الاقتصادية، وزيادة الأعباء الاجتماعية، بالإضافة إلى الدكتاتورية والقهر.

ويحتاج المجتمع المصري إلى تجربة اقتصادية واجتماعية جديدة تتسم بالعلم والرقابة والمحاسبة، وكل ذلك في إطار من الديمقراطية والحرية تظهر فيها ممارسة المؤسسات الرقابية، وتفعل فيها دولة القانون والمساءلة.