الرئيسية / مصر / أبعاد توسّع الجيش المصري في المشهد الاقتصادي

أبعاد توسّع الجيش المصري في المشهد الاقتصادي

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 11-08-2023
  • 99
أبعاد توسّع الجيش المصري في المشهد الاقتصادي
  • المصدر: العربي الجديد

أبعاد توسّع الجيش المصري في المشهد الاقتصادي

أوضاع سلبية على الاقتصاد المصري بسبب توغل الجيش في مشروعات الاقتصاد المدني وبلا سقف لهذه المشاركة.

لم تدخل خصخصة شركات الجيش حيز التنفيذ، مما يطرح أسئلة حول صحة التوجه لدى الحكومة حول هذا الأمر!

في حين يتم بيع حصص من شركات قطاع أعمال رابحة وناجحة، تتوسّع المؤسسة العسكرية في إنشاء المزيد من المشروعات والشركات الخاصة بها.

هل يبذل الجيش المصري جهدا في إنتاج تكنولوجيا عسكرية وتطويعها للاقتصاد المدني ليكون لمشروعاته ومزاياه مردود إيجابي على الاقتصاد المصري ككل؟

أتم الجيش مؤخرًا صفقة استحواذ على 20% من أسهم شركة "طاقة عربية" المملوكة لشركة القلعة القابضة، لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش.

لا يتوقف أمر المطالبة بتحجيم دور الجيش في الاقتصاد المصري على صندوق النقد، ولكنه مطلب دول الخليج ورجال أعمال، معنيين بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

هل تم إطلاق تصريحات خصخصة شركات الجيش إرضاء لمؤسسات تمويل دولية؟ هل عملية التقويم وإعداد هذه الشركات للخصخصة متعثرة لطبيعة العمالة وتقويم الأصول؟

من حق الموازنة العامة قيام الجيش عبر شركاته في الاقتصاد المدني، بتحويل الفائض من نشاطها للموازنة، كما هو شأن شركات القطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة.

* * *

تأخرت مراجعة صندوق النقد الدولي للشريحة الأولى لمصر المتعلقة بقرض الثلاثة مليارات دولار، الذي وافق عليه المجلس التنفيذي للصندوق في 17 ديسمبر 2022، وحصلت بموجبه الدولة على شريحة أولى بقيمة 347 مليون دولار.

ولم تحصل الحكومة بعد على الشريحة الثانية التي كان من المقرر صرفها في يونيو الماضي بسبب خلافات تتعلق بالبرنامج المصري الذي تم تقديمه لتمرير القرض، وهو الأمر الذي يعرقل حصولها على المزيد من القروض من الأسواق الدولية، وإن كان اتفاق ديسمبر 2022 يطالب المانحين الإقليميين بضخ استثمارات في مصر، عبر شراء الأصول العامة.

ومن بين الشروط التي أشار إليها خبراء صندوق النقد الدولي، بشأن الاتفاق مع مصر للحصول على القرض الجديد، إتمام بيع ما تم الاتفاق عليه بشأن حصص من ملكية المشروعات العامة، والمساواة بين مشروعات القطاع الخاص والقطاع العام، بما فيها مشروعات الجيش.

ولا يتوقف أمر المطالبة بتحجيم دور الجيش في الاقتصاد المصري على صندوق النقد، ولكنه مطلب العديد من دول الخليج ورجال الأعمال، المعنيين بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر.

لكن الممارسة على أرض الواقع تظهر بخلاف ما هو متوقع من أداء الجيش في الاقتصاد المصري، ففي الوقت الذي يتم فيه بيع حصص من شركات قطاع أعمال رابحة وناجحة، تتوسّع المؤسسة العسكرية في إنشاء المزيد من المشروعات والشركات الخاصة به، كما تم في فبراير 2023، حيث افتتح السيسي المرحلة الثانية من مصانع السلع الغذائية التابعة لجهاز الخدمة الوطنية، بمدينة السادات.

والنتيجة تعثر اعتماد مراجعة الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد، على خلفية عدم إنهاء بيع المشروعات العامة المتفق عليها، وكذلك عدم تحجيم دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المدني، وتأخر تعويم الجنيه.

مزيد من السيطرة

وللدلالة على تعاظم دور المؤسسة العسكرية في المشهد الاقتصادي المصري وليس تحجيمه كما يطالب الصندوق، فقد أتم الجيش أخيرًا، صفقته بالاستحواذ على 20% من أسهم شركة "طاقة عربية" المملوكة لشركة القلعة القابضة، وتم الاستحواذ لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش.

وهذا التصرف يتناقض تماما مع ما تعلنه الحكومة من إعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص، حيث وجدنا الملكية تنتقل من القطاع الخاص لصالح القطاع العام، المتمثل في جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش.

ما المانع، من أن يحل القطاع الخاص محل جهاز الخدمة الوطنية في هذه الصفقة؟ فالادعاء بأهمية قطاع الطاقة بالنسبة للاقتصاد المصري، مردود عليه، فغالبية الاستثمارات الأجنبية المباشرة تأتي في قطاع النفط والغاز، وحتى حقل ظهر، وهو الحقل الأكبر للغاز في مصر، تمتلك فيه الشركات الأجنبية وفي مقدمتها شركة إيني الحصص الأكبر، وهذه الشركات تابعة لإيطاليا، وروسيا وقطر والإمارات.

ووضع الجيش في ممارسة الأنشطة الاقتصادية المدنية، والتوسّع فيها يثير العديد من النقاط المهمة، والمتعلقة بعدم المساواة، مع باقي مكونات مجتمع الأعمال، سواء من قطاع الأعمال العام أو الخاص، من حيث المحاسبة الضريبية والجمارك، والأهم من ذلك الحصول على المشروعات العامة، واحتكار تنفيذها.

فهل تعتبر السلطة الحالية مؤسسة الجيش شيئاً خارج نطاق مؤسسات قطاع الأعمال العام، أو المؤسسات المملوكة للدولة؟ علما بأنه منذ أكثر من عام والمسؤولون في مصر يصرحون بأنه تتم تهيئة بعض شركات الجيش للخصخصة.

وكانت هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الإدارية، قد سمت شركتين تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية قالت إنه سيتم طرحهما للبيع، وهما الشركة الوطنية لبيع وتوزيع الخدمات البترولية "وطنية"، والشركة الوطنية للمشروعات الإنتاجية "صافي".

لكن لم يدخل أمر خصخصة شركات الجيش حيز التنفيذ، وهو ما يضع العديد من الأسئلة، حول صحة التوجه لدى الحكومة حول هذا الأمر، هل تم إطلاق هذه التصريحات كنوع من الإرضاء لمؤسسات التمويل الدولية؟ هل عملية التقويم وإعداد هذه الشركات للخصخصة متعثرة، لطبيعة العمالة وتقويم الأصول؟

وأخيرًا، أُعيد تخصيص مساحة كبيرة من الأراضي بمنطقة شرق العوينات لصالح جهاز الخدمة الوطنية، بمساحة 48 ألف فدان لأغراض استصلاح الأراضي، في الوقت الذي تضيق فيه مساحة الأراضي الزراعية داخل المحافظات، وعدم وجود مناطق قريبة من النطاق السكاني.

أبعاد التوسّع السلبية

هناك عدة أمور تنتج عنها أوضاع سلبية على الاقتصاد المصري، بسبب توغل الجيش في الاقتصاد المدني، وعدم وجود سقف لهذه المشاركة، منها:

أولا، في ما يتعلق بالتمويل، فالجيش دخل في كثير من المشروعات، التي آلت إليه، أو قام بإنشائها من جديد، ولا يعلم حجم التمويل الذاتي للجيش، لنعرف ما إذا كان يقوم بتمويل تلك المشروعات من مصادر ذاتية، أم يلجأ للتمويل البنكي؟

وسواء كان التمويل ذاتيًا، أو من البنوك، فمن حق الموازنة العامة قيام الجيش عبر شركاته في الاقتصاد المدني، بتحويل الفائض من نشاطها للموازنة، كما هو شأن شركات القطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة.

وإذا كان الجيش يلجأ إلى التمويل البنكي، فنحن أمام حالة مزاحمة جديدة للقطاع الخاص المصري، فبعدما كانت الحكومة هي المزاحم الأكبر للقطاع الخاص للحصول على التمويل لتغطية عجز الموازنة وخدمة الديون العامة، وجدنا الجيش ينضم إلى الحكومة ليساعد على تضييق الخناق أكثر على القطاع الخاص في الاقتراض من البنوك.

توسّع النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية ليس وليد هذه الأيام، بل بدأ قبل سنوات، وحصولها على تسهيلات مصرفية أيضا، ففي عام 2018 نشرت وكالة رويترز تقريراً بعنوان "من غرف العمليات الحربية إلى مجالس الإدارة شركات الجيش المصري تزدهر في عهد السيسي" ذكرت فيه على لسان أحد رؤساء مجالس شركة الجيش، أنهم يحصلون على التمويل البنكي لمشروعاتهم خلال أيام معدودة.

وفي ظل هذا الأداء، فمن الطبيعي أن يكون أداء القطاع الخاص النفطي في مصر معاناة من الركود لعدة سنوات، وذلك حسب تقرير مديري المشتريات الذي يصدر شهريا. فشركات الجيش التي تعمل في الاقتصاد المدني، بلا شك لا تعاني من الحصول على التمويل، أو النقد الأجنبي لعمليات الاستيراد، كما يعاني القطاع الخاص، ناهيك بالحديث عن عدم المساواة في الحصول على المناقصات ومشروعات الحكومة، والتي تتم بالإسناد المباشر لصالح شركات الجيش.

دور الشركات في تخفيف حدة الأزمة

لا يخفى على أحد أن مصر تعاني من أزمة اقتصادية وتمويلية بشكل كبير، وفي ظل المزايا التي تحصل عليها شركات الجيش العاملة في الاقتصاد المدني، من حق الجميع أن يعلم دور هذه الشركات في تخفيف حدة هذه الأزمة.

هل تقوم هذه الشركات، بتوفير مبالغ من النقد الأجنبي لصالح البنوك أو الموازنة العامة وللدولة؟ هل هذه الشركات تستهدف توفير سلع وخدمات لتلك التي يتم استيرادها من الخارج، لتخفيف العجز بالميزان التجاري، وكذلك تخفيف الطلب على النقد الأجنبي.

بل قد تكون الكارثة، أن هذه الشركات لها دور كبير في أزمة شح النقد الأجنبي، نتيجة اعتمادها على استيراد مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار من الخارج، وكذلك استيراد العدد والآلات.

طبعًا، لن نسأل عن العمالة داخل شركات المؤسسة العسكرية، ودور هذه الشركات في توفير فرص عمل مباشرة أو غير مباشرة، لأن من يعملون في مشروعات الجيش بالاقتصاد المدني، هم مجندون، ويحصلون على رواتب زهيدة، مقارنة بالعمالة المدنية، ومن الجيد أن تعلن هذه الشركات عن حصتها من العمالة المدنية من غير المجندين، وكم فرصة عمل توفرها كل عام.

ختامًا: معلوم دور الجيوش في كافة دول العالم في إنتاج التكنولوجيا العسكرية، ثم تطويعها لصالح الاقتصاد المدني، وعلى مؤسسات الجيش المصري، أن تعلن عن جهودها في هذا المضمار، حتى يكون الإنفاق على مشروعاتها، وكذلك المزايا التي تحصل عليها ذات مردود إيجابي على الاقتصاد والمجتمع المصري ككل، فهل يتحقق ذلك قريبًا؟