تعاني مصر من مجموعة من المشكلات الاقتصادية، التي جعلت من الوضع الاقتصادي ما يمكن أن نطلق عليه المعضلة الاقتصادية، بمعنى أن محاولة إصلاح أية مشكلة اقتصادية سيكون على حساب باقي المشكلات الأخرى، وهو واقع مشهود في الحياة الاقتصادية المصرية.
فالحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي بحدود ما يكفي واردات شهرين ونصف فقط، أدى إلى خلق سوق موازية مشتعلة، واللجوء لتعويض الاحتياطي بالديون، أو بودائع من دول عربية وغير عربية، أو التأثير السلبي على حصيلة البنوك المحلية من النقد الأجنبي، حيث قامت هذه البنوك مؤخرًا بإيداع جزء من حصيلتها بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي لمساندة احتياطي النقد الأجنبي، وهو ما أثر على قدرتها بالوفاء بمتطلبات عملائها من النقد الأجنبي1.
وفيما يلي سوف نشير إلى توصيف للحالة الاقتصادية المصرية من خلال مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، والتي توضح حقيقتها البيانات الحكومية:
بلغ الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2014/2015 نحو 330.7 مليار دولار، وكان نصيب الفرد من هذا الناتج 3761 دولار، ولا يزال معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي بحدود 4.2% في نفس العام2. ومظاهر ضعف الناتج المحلي لمصر ترجع لعدم كفاية معدلات النمو لمتطلبات الداخلين الجدد لسوق العمل من ناحية، والبالغ عددهم نحو 850 ألف فرد سنويًا، ومن ناحية أخرى تواضع معدلات النمو مقارنة بمعدلات نمو الزيادة السكانية من ناحية أخرى، حيث يبلغ معدل الزيادة السكانية 2.6% في عام 2014/2015 أيضًا3، ويتطلب هذا المعدل من الزيادة السكانية معدلات نمو في الناتج بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف أي 7.8%.
ويزيد من مشكلة الناتج المحلي لمصر، أن معدلات الادخار المحلية متدنية للغاية، فحسب بيانات وزارة المالية المصرية، لا تزيد نسبة المدخرات المحلية كنسبة من الناتج المحلي في مصر عن 5.9%، ومن الضروري أن ترتفع هذه النسبة إلى 30% على الأقل حتى تتمكن من تمويل الاستثمارات المحلية بشكل مناسب، لذلك نلاحظ أن ما تحقق من زيادة في الناتج المحلي عام 2014/2015، كان نتيجة لزيادة كبيرة في الدين العام.
بلغ الدين العام المحلي نهاية يوليو 2015 نحو 2116 مليار جنيه مصري4 (ما يعادل 270.2 مليار دولار حسب السعر الرسمي 7.83 جنيه للدولار في ذلك التاريخ) وبلغ الدين الخارجي في نفس التاريخ 48 مليار دولار5، وبذلك يصل الدين العام المصري (محلي + خارجي) 318.2 مليار دولار، وبما يمثل نسبة 96.4% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يوليو 2015، والبالغ 330.7 مليار دولار.
وعلى مدار العام الماضي، أعلنت الحكومة المصرية عن إبرامها العديد من اتفاقيات القروض، سواء مع المؤسسات الدولية أو الإقليمية، من خلال البنك الدولي، وبنك التنمية الافريقي، وكذلك عبر اتفاقيات ثنائية كما حدث في قرض من الصين بنحو 1.7 مليار دولار، أو اتفاقية القرض الفرنسي لتمويل صفقة سلاح بنحو 3.4 مليار يورو، والتي وافق عليها البرلمان مؤخرَا. وسعت مصر كذلك للحصول على تسهيلات ائتمانية من دول الخليج وبخاصة من السعودية بشأن تمويل صفقات نفطية، تشير التقديرات إلى أنها بحدود 20 مليار دولار على مدار خمس سنوات، وبسعر فائدة 2%، وبفترة سماح 3 سنوات6.
تظهر مؤشرات تفاقم أزمة التمويل في مصر، من خلال مؤشر عجز الموازنة العامة للدولة، وكذلك موقف احتياطي النقد الأجنبي، والعجز بميزان المدفوعات، وحسب بيانات وزارة المالية المصرية فقد بلغ العجز الكلي بالموازنة المصرية 279.2 مليار جنيه، وبما يعادل نسبة 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين كانت تقديرات الموازنة مع بداية العام المالي 2014/2015، أن يكون العجز الكلي بحدود 251 مليار جنيه وبنسبة لا تتجاوز 8.9% من الناتج المحلي7، وهي تقديرات أثبت الواقع عدم دقتها وتجاوزها بنسبة 2.6%.
ولا يلوح في الأفق أن تنخفض معدلات العجز بالموازنة العامة لمصر، في ضوء متابعة طريقة التمويل، واعتمادها بشكل مستمر على آلية الاقتراض من الجهاز المصرفي المصري، وكذلك اللجوء للاقتراض من الخارج.
أما موقف احتياطي النقد الأجنبي لمصر، فيلاحظ أن غالبية مكوناته من ودائع لدول أجنبية، وقد أعلنت دراسة مصرفية، صادرة عن أحد البنوك الأجنبية العاملة في مصر، أن خصوم البنك المركزي فيما يتعلق باحتياطي النقد الأجنبي قد فاقت أصوله8، نحو 560 مليون دولار بنهاية سبتمبر 2015. وهو ما يعني أن ما لدى مصر من احتياطيات تقدر بنحو 16.4 مليار دولار بنهاية يناير 2016، عبارة عن رصيد من المديونية الخارجية وليس احتياطيًا ذاتيًا.
أما ما يخص ميزان المدفوعات، فقد رصد البنك المركزي وجود عجز بنحو 3.4 مليار دولار، خلال النصف الأول من عام 2015/2016، وهو ما يمكن أن نتوقع من خلاله أن يصل العجز بميزان المدفوعات بنهاية يونيو 2016 إلى نحو 10 مليار دولار.
من الظواهر الاقتصادية شديدة السلبية، التي تشهدها اقتصاديات الدول، تزامن ظاهرتي البطالة والتضخم في آن واحد، وللأسف فإن مصر خلال الفترة الماضية تعاني من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، كنتيجة طبيعية، لتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وكذلك ضعف أداء الناتج بشكل عام، وعدم اعتماده على قاعدة إنتاجية قوية، وغلبة النشاط الخدمي على النشاط الإنتاجي، وكذلك غياب المنتجات والخدمات ذات القيمة المضافة العالية.
فمعدل التضخم وصل في ديسمبر 2015 إلى معدل 11.1%9، بينما معدل البطالة وصل إلى 12.8% خلال الربع الثاني من عام 201510، وذلك وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. ويرجع ارتفاع معدل التضخم إلى أمرين الأول ارتفاع تكاليف الإنتاج في مصر، بسبب اعتماد الصناعة المحلية على استيراد مستلزمات الإنتاج بنسبة كبيرة، وكذلك الزيادة المطردة في الواردات السلعية، وارتفاع تكلفة الوقود بالنسبة للصناعة بشكل خاص وباقي قطاعات الاقتصاد بشكل عام. أما الأمر الثاني فهو يتعلق بقيام البنك المركزي بطباعة النقود دون وجود غطاء من النقد الأجنبي أو الذهب، وكذلك الاضطراب في سوق الصرف، التي أدت إلى انخفاض قيمة الجنيه بشكل مستمر.
أما ما يتعلق بارتفاع معدلات البطالة فمبعثه تدني معدلات المدخرات والاستثمارات المحلية كنسبة من الناتج المحلي، واعتماد الناتج بشكل رئيس على الاستهلاك وليس الاستثمار، وفي ظل تواضع الاستثمارات المحلية بحدود 14% كنسبة من الناتج المحلي، من الصعب استيعاب جميع الداخلين الجدد لسوق العمل، أو تخفيف حدة البطالة القائمة في سوق العمل. ولذلك يلاحظ اتساع حجم ظاهرة شديدة السلبية في سوق العمل وهي سوق العمل غير الرسمية، حيث تستوعب العدد الأكبر من الداخلين الجدد لسوق العمل، وهي سوق تتسم بعدة عوامل سلبية بالنسبة للعاملين، منها تدني الأجور، وطول ساعات العمل، وعدم وجود تغطية اجتماعية، سواء من حيث التأمين الاجتماعي أو التأمين الصحي، فضلًا عن غياب التأمين الصناعي، مما يجعل هؤلاء العمال عرضة لكثير من اصابات العمل.
يظهر فشل السياسة النقدية بمصر خلال الفترة الماضية من خلال مجموعة من المؤشرات، على رأسها الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه المصري، فمنذ يوليو 2013 وصل انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى نسبة تقترب من 28%، كان لقرار البنك المركزي الأخير دور في تخفيض الجنيه بنسبة 14.5%. ولا يتوقع أن يتوقف انخفاض قيمة الجنيه خلال الآجلين القصير والمتوسط لاعتبارات العرض والطلب على الدولار.
أما المظهر الثاني، فهو رفع سعر الفائدة بنحو 15% على عمليات الإيداع والاقتراض، حيث تم تقليص مشكلات الاقتصاد المصري في اهتمامات السياسة النقدية دون النظر لأبعادها السلبية على الاستثمار، ورفع تكاليف الانتاج، والحد من التجارة.