الرئيسية / ليبيا / الرأسمالية الشعبية غطاء ليبي لاقتصاديات السوق

الرأسمالية الشعبية غطاء ليبي لاقتصاديات السوق

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 08-07-2008
  • 259
الرأسمالية الشعبية غطاء ليبي لاقتصاديات السوق
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

اتفاقيات هنا واجتماعات هناك.. قوانين جديدة تصدر وأخرى تلغى.. كل هذه مؤشرات تدل على وجود نوع من الحراك في الاقتصاد الليبي.. المسئولون الليبيون يسمون هذا الحراك "الرأسمالية الشعبية"، ولكن الواقع بعيدا عن خلاف المسميات يقول إنه اتجاه نحو اقتصاديات السوق بعد نحو 40 عاما قضاها الاقتصاد الليبي في كنف الاشتراكية، معتمدا على مصدر واحد فقط هو النفط.

الأسباب التي أدت إلى هذا التحول مهد لها تقرير مصرف ليبيا المركزي لعام 2006 والذي ألقى باللائمة على الأجهزة الحكومية والشركات العامة في مشكلة تدني الإيرادات الحكومية غير النفطية، واتهمها بعدم الكفاءة، وحتى يمكن رصد هذه الأسباب لابد من التعرف على ملامح الاقتصاد الليبي، وكيف قادت هذه الملامح لمظاهر التحول التي نختم بعرض أسبابها.

أربعة ملامح

يمكن حصر ملامح الاقتصاد الليبي في أربع نقاط؛ هي:

  • النفط يشكل عصب الناتج المحلي الإجمالي، فبحسب بيانات تقرير المصرف المركزي في لعام 2006 بلغ الناتج المحلي 56 مليار دينار ليبي (الدولار الأمريكي يعادل 1.2 دينار)، واتضح أن مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 30.4%، وهى أعلى نسبة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، بينما كانت مساهمة قطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك في حدود 8%، وقطاع الصناعات التحويلية 3.5%، ومن هنا يتضح أهمية النفط كمكون أساسي في الاقتصاد الليبي، فهو مصدر نحو 98% من النقد الأجنبي في ليبيا، ونحو 75% من الإيرادات الحكومية، وتشكل نسبة قطاع الخدمات في التعليم والصحة المرتبة الثانية في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 15.9%.

ومن المظاهر التي تبين أهمية النفط للاقتصاد الليبي أن الصادرات الليبية غير النفطية بلغت 2.7% من حجم الصادرات في عام 2005.

  • التجارة الخارجية في ليبيا تعتمد بشكل أساسي على النفط، وتوضح بيانات 2005 أن الواردات الليبية في معظمها العدد والآلات ومعدات النقل نحو 47.6% من حجم الواردات، ثم المنتجات تامة الصنع 20.7%، ثم السلع الغذائية والحيوانات الحية 14.8%، كما لا تزال الدول الأوروبية هي الشريك التجاري الأول لليبيا، وعادة ما يفضل المستهلك الليبي السلع الأوروبية لجودتها وسمعتها العالمية.ومن هنا نلمس الضعف الذي يعتري دعوة ليبيا لمشروعات إقليمية، مثل التكامل الإفريقي أو الاتحاد أو الولايات المتحدة الإفريقية، فإيطاليا تعتبر الشريك التجاري الأول لليبيا، ثم إسبانيا، ثم ألمانيا، ثم تركيا.
  • يبلغ عدد السكان في ليبيا حسب بيانات عام 2005 نحو 5.2 ملايين نسمة، ويقدر نصيب الفرد من الدخل القومي بنحو 8400 دولار سنويا، كما يصل معدل البطالة إلى نحو 13%.
  • على الرغم من أن تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم لعام 2007/2008 قد صنف ليبيا ضمن مجموعة التنمية البشرية العالية، وحصلت ليبيا على ترتيب 56 من بين 175 دولة على مستوى العالم، فإن معدلات الأمية لا تزال عالية، فتصل لنحو 30%، وفي إطار التنمية البشرية فبعض الدراسات تشير إلى أن 12% من سكان ليبيا يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وذلك حسب البيانات التي أجريت من خلال المسح الاقتصادي والاجتماعي في عام 2002/2003.

للتحول مظاهر

أدى تراكم الآثار السلبية لهذه الملامح إلى اتجاه ليبيا نحو النهج الجديد الذي سمته "الرأسمالية الشعبية"، ولكنه في الواقع وداع للنظام الاشتراكي وانخراط في منظومة اقتصاديات السوق، وكان لهذا التحول مظاهر عدة، هي:

  • إصدار قانون جديد للاستثمار، حيث أتاح هذا القانون للقطاع الخاص ممارسة أنشطة اقتصادية عديدة كانت حكرا على القطاع العام، كما لم يفرق بين المستثمرين الوطنيين والأجانب من حيث ضمانات وحوافز الاستثمار.
  • إعلان اللجنة الشعبية في 2003 عن عزم ليبيا خصخصة نحو 360 شركة تابعة، وذلك عن طريق طرحها للقطاع الخاص الوطني والأجنبي، وبطبيعة الحال فإن القطاع الخاص الليبي لا يقوى من خلال إمكانياته المحدودة على امتلاك هذه المؤسسات، مما يجعل للقطاع الخاص الأجنبي الفرصة الأكبر لامتلاكها.
  • بدأ نشاط سوق الأوراق المالية في 2006، وإن كان عدد الشركات محدود وكذلك حجم ومقدار التداول، إلا أن الخطوة في حد ذاتها تعتبر نقلة نوعية، كما سمح في ليبيا أيضا بممارسة نشاط التأمين.
  • ممارسة القطاع الخاص للنشاط المصرفي من خلال السماح للبنوك الأجنبية بفتح فروع لها في ليبيا، وكذلك السماح بتحويل حصص من ملكية بعض البنوك التجارية العامة إلى القطاع الخاص، كما اتخذت العديد من القرارات الخاصة بتصحيح سعر الفائدة وسعر الصرف، وسمح للبنوك التجارية العامة بتقديم القروض للشركات الخاصة.
  • السعي للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية، ووجود محادثات بشأن عقد اتفاقية شراكة أورو - متوسطية مع الاتحاد الأوروبي، شأن بعض البلدان العربية، مثل مصر وتونس والمغرب والأردن.

تغير رغم بقاء الأشخاص

والذي يدعو للتساؤل عن هذا التحول في الاقتصاد الليبي أن النظام السياسي هو نفسه الذي يسير الأمور فيها منذ ثورة الفاتح في عام 1969 بقيادة العقيد القذافي، ولا زالت القناعات الفكرية لهذه القيادة ثابتة ولم تتغير على مدار 40 سنة، إلا تغييرا في شكل النظام الاشتراكي من خلال مسميات اللجان الشعبية، وبلا شك هناك مجموعة من المبررات وراء هذا التحول، وهي:

تدني عوائد التجربة الاشتراكية:

النتائج التي أسفرت عنها التجربة في تطبيق ليبيا للنظام الاشتراكي كانت معيبة بسبب العديد من الأخطاء المرتبطة بالمناخ السياسي والتوجهات الفكرية خلال الفترة الماضية، فنتج عنها هذا الحجم من الاتكال على الدولة في كل شيء، ووجود البيروقراطية الحكومية والبطالة المقنعة، وتخلف الصناعة، وبقاء ليبيا كما هي دولة منتجة للنفط وفقط، وتستورد في حدود 15% من احتياجاتها من الغذاء، على الرغم من عدد سكانها المحدود وإمكانياتها الهائلة من عوائد النفط.

ثمن رفع العقوبات الاقتصادية:

في عام 2003 تم رفع العقوبات الأوروبية عن الاقتصاد الليبي، وفي عام 2004 تم رفع العقوبات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عن ليبيا، ومن هنا وجدت ليبيا نفسها منفتحة على الاقتصاد العالمي، لتعوض هذه العزلة والتي بلغت نحو 15 سنة، ليجد المستهلك الليبي آلاف المنتجات من كافة بقاع الأرض، وكذلك العديد من الخدمات التي تخاطب رغبات هذا المستهلك المعزول عن العالم طوال هذه الفترة الطويلة، وعلى ما يبدو أن رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية عن ليبيا في عامي 2003 و2004 كان يشترط اندماج ليبيا في الاقتصاد العالمي والقبول باقتصاديات السوق والتخلي عن النهج الاشتراكي، وليس فقط التخلي عن بعض برامج التسليح النووي والكيماوي.

انهيار النظم البديلة:

لم يكن الاقتصاد الليبي يملك رفاهية الخيار بين نظم اقتصادية مختلفة، فإما الاتجاه نحو اقتصاديات السوق، والتي أصبحت مهيمنة منذ التسعينيات من القرن العشرين من خلال اقتصاديات العولمة، وهو نظام تسانده مؤسسات دولية وحكومات غربية قوية، بينما النظام الاشتراكي انهار مع انهيار الاتحاد السوفيتي (سابقا) واتجاه العديد من الدول الاشتراكية نحو اقتصاديات السوق، مثل روسيا والصين والهند، والبقية الباقية من النظم الاشتراكية لا تمتلك مقومات أن تنافس منظومة العولمة الاقتصادية، ولا يمثل صمود هذه البلدان الاشتراكية القليلة سوى صمود نظمها السياسية وإصرارها على المواجهة في ظل أزمات اقتصادية داخلية حادة، مثل كوبا وكوريا الشمالية.

فشل المشروعات الإقليمية:

راهن النظام الليبي عدة مرات على المشروعات الإقليمية، فبدأ بالمشروع العربي والذي كانت ثماره محدودة إن لم تكن معدومة من حيث قدرته على أن يكون بديلا للنظام الاقتصادي الرأسمالي، ثم المشروع الإفريقي والذي تتنازعه العديد من مقومات الفشل بسبب المشكلات الاقتصادية الخانقة أو وجود النظم الديكتاتورية التي تحول دون نجاح أي نظام اقتصادي، فضلا عن أن هذه المشروعات الإقليمية نفسها ترتضي نظام اقتصاديات السوق منهجا لتكاملها أو تعاونها في المجال الاقتصادي، كما أن كلا المشروعين العربي والإفريقي اعتمد على مجرد الأحلام والقفز على واقع يعاني مشكلات متفاقمة تقتضي معالجات وتستغرق وقتا طويلا، وليس الولايات المتحدة الإفريقية كما يتمنى العقيد القذافي.

شروط التحول

وحتى تنجح التجربة الليبية في التحول نحو اقتصاديات السوق فإنها تحتاج، مثل بقية التجارب العربية والبلدان النامية، إلى نوع من التهيئة والتدرج بما يجعل للقطاع الخاص المحلي دورا فعالا وحقيقيا بحيث يكون له دور تنموي.

كما أن مشروعات الإصلاح الاقتصادي يجب أن تكون مقرونة بمشروعات إصلاح شاملة على الصعيد السياسي والتشريعي والاجتماعي، وأن يكون هناك نوع من التوازن في توزيع الثروة بين فئات المجتمع، مع مراعاة أن الآثار السلبية للفترة الماضية يجب أن تؤخذ في الاعتبار بالنسبة لتطوير إمكانيات موظفي الحكومة وتأهيل العاطلين عن العمل، وتواكب التوجهات السياسية، والأهم في هذا المضمار أن يحقق مشروع التحول لاقتصاديات السوق النجاح في تحدي وجود اقتصاد متنوع لا يعتمد على النفط بدرجة كبيرة.