عوامل نجاح الإدارة الاقتصادية بتركيا
بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا منتصف يوليو 2016، تأثرت المؤشرات الاقتصادية الكلية، فتراجعت الصادرات السلعية بنحو 30% في يوليو من نفس العام، وكذلك تأثرت السياحة الوافدة بنسبة مماثلة لتراجع الصادرات السلعية، فضلًا عن محاولات الحرب على الليرة التركية. ولم تكن مظاهر التراجع الاقتصادي وحدها هي التحدي أمام الإدارة التركية، ولكن أتت تحديات خارجية وداخلية من شأنها أن تؤثر على الأداء الاقتصادي، مثل دخول تركيا في حرب في سورية والعراق، وعزم حزب العدالة والتنمية إجراء تعديلات دستورية للانتقال للنظام الرئاسي.
وإذا كانت الإدارة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية قد نجحت في الانتقال بتركيا على مدار نحو 13 عامًا من دولة نامية إلى دولة صاعدة، والتخلص من العديد من المشكلات الاقتصادية المزمنة، فإن التعامل مع التداعيات السلبية لمحاولة الانقلاب الفاشل على الصعيد الاقتصادي مثل تحد جديد، ثبت بعد عام واحد أن مؤشرات النجاح بادية، وأن هناك تعامل مختلف مع المشكلات الاقتصادية، بعيدًا عن العويل وتعليق شماعات الفشل على محاولة الانقلاب الفاشل أو غيره من التحديات السياسية والأمنية التي من شأنها أن تنعكس سلبيًا على المجالات الاقتصادية.
عوامل النجاح
وبلا شك أن تجاوز الاقتصاد التركي لغالبية التداعيات السلبية بعد عام لمحاولة الانقلاب الفاشل، تراجع للإدارة الاقتصادية، التي اعتمدت على تجاربها السابقة، وكذلك إصرارها على النجاح، وقد ساعدها على تحقيق هذه النتيجة مجموعة من العوامل منها:
- شفافية البيانات: لم تتأخر المؤسسات الاقتصادية التركية المعنية بإنتاج المعلومات والبيانات الاقتصادية عن إظهار تراجع المؤشرات الاقتصادية، مثل البطالة أو التضخم، أو تراجع قيمة العملة الوطنية، فكان البنك المركزي والبورصة وكذلك معهد الإحصاء وباقي الوزارات والمؤسسات الاقتصادية، تصدر البيانات دون تلوينها، مما ساعد متخذ القرار والمستثمر على اتخاذ القرارات الاقتصادية وفق تقديرات سليمة.
- البنية القوية للاقتصاد التركي، من خلال القاعدة الإنتاجية التي حولت تراجع قيمة العملة الوطنية إلى ميزة، من خلال استعادة الصادرات السلعية لحركتها الطبيعية بشكل سريع، فبعد 9.8 مليارات دولار في يوليو 2016، قفزت الصادرات إلى 11.8 مليار دولار في أغسطس 2016، لتحقق زيادة قدرها مليارا دولار، واستمر الأداء المتزايد للصادرات السلعية حتى وصل أعلى معدلاته في مارس 2017 بنحو 14.4 مليار دولار. وإن كان الاستثمار الأجنبي المباشر قد تراجع بنحو 4 مليارات دولار بنهاية 2016، إلا أن الأشهر الخمسة الأولى من عام 2017 شهدت زيادة بنسبة 12.5% مقارنة بما تحقق في نفس الفترة من عام 2016.
- المحافظة على الاحتياطي النقدي: تفادى البنك المركزي التركي سياسة حماية سعر صرف الليرة التركية، وترك سعرها لآليات السوق، فأدى ذلك إلى الحفاظ على احتياطي النقد، وفي نفس الوقت أرسل رسالة للمحاولين العبث بمقدرات الاقتصاد التركي، أن الخروج من السوق التركي بالعملات الأجنبية سيكبدهم خسائر فروق سعر الصرف. ولذلك لم يحدث أن شهد السوق التركي عجزًا في النقد الأجنبي لمن يطلبه من أفراد أو شركات، على الرغم من تراجع إيرادات الصادرات السلعية والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 30%. وساعد انخفاض سعر صرف الليرة على تسويق جيد للعقارات التركية لدى الأجانب.
- توظيف التعاطف الشعبي: ظهر ذلك بشكل واضح عقب الانقلاب ودعوة المواطنين لبيع ما لديهم من عملات أجنبية لصالح البنوك وشركات الصرفة، وشراء الذهب كبديل للعملات الأجنبية، وهو ما تلقاه المواطنون بشكل إيجابي فساعد على ضخ نحو 10 مليارات دولار في الجهاز المصرفي. وفي خطوة أدت إلى مزيد من الـتأييد الشعبي لسياسات البنك المركزي، قام الرئيس أردوغان، وباقي مؤسسات الدولة ببيع ما لديهم من عملات أجنبية.
- الانطلاقة الإقليمية: نجحت الحكومة التركية في مساعدة القطاع الخاص التركي في الحصول على أعمال خارجية تقدر بمليارات الدولارات، في كل من إيران والخليج وأفريقيا، ففي إيران تم الاتفاق على إنشاء 7 محطات لإنتاج الكهرباء بالغاز الطبيعي تقدر قيمتها بنحو 4.5 مليار دولار، وكذلك إنشاء مركز تجاري كبير في طهران، يستوعب أعمال 100 شركة تركية على مدار العام، وكذلك تطوير مطار الكويت بأعمال تصل لنحو 4.5 مليارات دولار. كما ساعد نجاح القيادة السياسية التركية الإدارة الاقتصادية من خلال إنهاء الأزمة مع روسيا، والوصول إلى عودة السياحة الروسية لتركيا، والشروع في إنهاء المشكلات الخاصة بعودة الصادرات الزراعية لتركيا. وأيضًا استعادت تركيا علاقاتها الاقتصادية مع دولة الإمارات على الرغم من المشكلات السياسية البارزة بين الدولتين، وزادت العلاقات التجارية والاستثمارية لتركيا مع السعودية.
بعد عام من الانقلاب العسكري الفاشل، يمكن القول بأن المشكلات الاقتصادية الناتجة عنه، قد تم تجاوزها، وأن ما بقي لها من آثار لا يمثل تحديًا يذكر. والملاحظ على الخطاب الاقتصادي للحكومة التركية، أو خطاب الرئيس أردوغان، أن الأهداف تتجاوز مرحلة المشكلات الناتجة عن الانقلاب العسكري الفاشل، وأن رؤية تركيا 2023 هي محل العمل والاهتمام.