الرئيسية / تركيا / حزمة لتأمين المدخرات والودائع لحل أزمة الليرة

حزمة لتأمين المدخرات والودائع لحل أزمة الليرة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 22-12-2021
  • 118
حزمة لتأمين المدخرات والودائع لحل أزمة الليرة
  • المصدر: Trt العربي

الاقتصاد هو معاش الناس، فما نال من معاشهم أو زاد في التوسعة عليهم فهو عين الاقتصاد، كعلم وممارسة، وقد تابعت اختبار مصداقية هذا التعريف عبر أحداث عدة، ولكن تطورات سعر صرف الليرة التركية كانت معبرة بشكل كبير عن صدق هذا التعريف.

فالناس في تواصل مستمر لتعرف آخر تطورات سعر صرف الليرة ويسألون عن المستقبل، وذلك بعد النظام المالي الجديد الذي خرج به الرئيس رجب الطيب أردوغان إلى الشعب ليؤمّن للناس مدخراتهم وودائعهم، شريطة أن يحتفظوا بها بالعملة المحلية في حساباتهم المصرفية.

لعل أهم ما يمكن أن يستنتج من أحداث المعالجة لأزمة الليرة التركية، هو عودة ثقة الأفراد في العملة المحلية، وكذلك ثقتهم في تفعيل الحكومة قراراتها، وهو ما تُرجم في سرعة العديد من الأفراد ببيع مدخراتهم من العملات الأجنبية، حتى وصلت مساء الاثنين 20 ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى نحو مليار دولار في الساعات الأولى للإعلان عن حزمة القرارات الحكومية.

لقد انتهت تعاملات يوم الثلاثاء 21 ديسمبر/كانون الأول 2021 على سعر صرف بلغ 12.9 ليرة للدولار، بعد أن استمرت المضاربات صعوداً وهبوطاً خلال اليوم، لكن على كل حال لقد تحسن وضع الليرة التركية بعد قرارات النظام المالي الجديد، بنحو من 27% إلى 30%.

ولعل خروج نور الدين نباتي وزير المالية التركي للإعلام، وإعلانه تفاصيل كيفية استفادة المصدرين والأفراد من النظام الجديد، يساعد على مزيد من الاستقرار في سعر الصرف خلال الفترة المقبلة، وبخاصة في الأجل القصير.

سيكون بمقدور المصدرين والأفراد الحقيقيين أن يؤمّنوا ودائعهم ومدخراتهم خلال مدد يختارونها بحد أدنى 3 أشهر وبحد أقصى عام، ما سيساعد على استقرار النشاط الاقتصادي والبعد عن تقلبات سعر الصرف، ويمكن أن يدفع أفراد المجتمع بلا شك إلى الاستثمار والبعد عن المضاربة.

ضرورة إضافة قنوات للاستثمار


غالبا لن تكتفي الحكومة التركية بالنجاح في تحقيق حالة تهدئة في سعر الصرف فقد هبطت الأسعار اليوم الثلاثاء 2021/12/21 في بورصة اسطنبول، وذلك بسبب خروج الأموال من البورصة للذهاب إلى المصارف، للاستفادة من المزايا الجديدة التي ستوفرها الإجراءات الخاصة بالنظام المالي الجديد.


ومن هنا يجب ألا تكون مدخرات الأفراد ما بين البنوك والبورصة، فما أعلن عنه الرئيس أردوغان هو دعم الإنتاج والاستثمار، وبالتالي يمكن أن تتجه الحكومة التركية إلى تفعيل دور مروج الاستثمار، بالعمل على طرح شركات مساهمة جديدة تُخصَّص لإنشاء وإدارة مشروعات بنية أساسية أو إنتاجية، وفق معايير اقتصادية ويكون للحكومة فيها نسبة لا تزيد عن 10% لتتمكن من الإشراف والرقابة، وحتى يثق الأفراد في هذه الشركات.

وقد يكون من المناسب إنشاء صناديق استثمار مباشر تحت رعاية الحكومة، لتمويل مجموعة من الأنشطة الإنتاجية والخدمية، حتى تمتص أموال ومدخرات الأفراد والمؤسسات، فبدون هذا المسار ستظل المدخرات تبحث عن وضع أفضل لتحقيق عائد مناسب، وبدون وجود هذه المشروعات سوف يتجدد اتجاه هذه المدخرات للمضاربة، وبخاصة في ظل تبني الرئيس أردوغان والحكومة لسياسة تخفيض سعر الفائدة.

ولعل آلية صناديق الاستثمار المباشر هي الأنسب لجمع أموال صغار المدخرين، حيث يمكنهم شراء وثائق أو صكوك صناديق الاستثمار والاستفادة من عائدها، الذي يتوقع أن يكون أفضل من العوائد البنكية، وفي نفس الوقت يساهم في زيادة إنتاج السلع والخدمات داخل البلاد.

إجراءات متممة


عندما اتُخذ قرار تخفيض سعر الفائدة في سبتمبر/أيلول 2021 من البنك المركزي التركي، من 19% حتى استقر عند 14% في ديسمبر/كانون الأول 2021، وفق توجه لتخفيض تكلفة الإنتاج لدعم المنتجين والعمل على إنعاش التوظيف وإيجاد فرص عمل جديدة، كان الأمر يستلزم أن تصاحب هذا القرار الإجراءات التي أُعلن عنها مساء الاثنين 20 ديسمبر/كانون الأول 2021.

لقد أدى التأخير إلى دفع فاتورة كبيرة، تضمنت انتعاش المضاربة على سعر العملة المحلية، وفقدان الثقة لدى الأفراد في الاحتفاظ بها وكذلك زيادة معدلات التضخم، لتتجاوز 21%.

ومن هنا يمكن أن تأخذ الحكومة في الاعتبار بمبدأ التنسيق والتوازن بين مكونات السياسة الاقتصادية، فلا يتضرر المدخرون ولا المنتجون ولا المستهلكون، فالجميع يريد أن يتحقق الاستقرار الاقتصادي في إطار من العدل في تحمل الأعباء وجني الثمار.

ومن الضروري أن يلتفت البنك المركزي إلى تنظيم شؤون التعامل بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى داخل البلاد حتى يتم التضييق على المضاربين، ولا يكرروا فعلتهم التي مارسوها خلال الشهور الستة الماضية، والتي تسببت في أضرار اقتصادية للبلاد.


فماليزيا عقب أزمتها المالية في عام 1997 وجدت أنه من اللازم ضبط سوق سعر الصرف، وكذلك شؤون تداول العملات الأجنبية داخل البلاد، فأدى ذلك إلى سيطرة رقابة البنك المركزي وتم تقليل فرص المضاربة على العملة المحلية هناك.

ثمار متوقعة


من خلال تحسن سعر الليرة، يُتوقع في حالة الاستقرار عند الأسعار الخاصة بيوم الثلاثاء 21 ديسمبر/كانون الأول 2021 أو تحسنها بأفضل من ذلك، أن تهدأ معدلات التضخم، وبخاصة أن استقرار وتحسن سعر صرف الليرة مصحوب بخفض سعر الفائدة 5 نقاط عما كان عليه في أغسطس/آب 2021.

وعلى جانب آخر، سيكون من المستفيدين أيضاً المصدرون والمدخرون، إذ سيأمنون على ودائعهم ومدخراتهم من تقلبات سعر الصرف، وبالتالي يمكن التخطيط واتخاذ القرارات المتعلقة بأعمالهم على المدى المتوسط على الأقل.

وكذلك المستوردون، سوف يلتقطون أنفاسهم خلال الفترة القادمة، بعد أن وجدت حالة من التفاؤل بشأن سعر الصرف، وانخفاضه بنحو 5 ليرات، وهو ما يعني أن فاتورة تدبير النقد الأجنبي لوارداتهم سوف تكون أقل تكلفة، وسينعكس ذلك على أسعار منتجاتهم، لتكون أكثر تنافسية سواء في السوق المحلي أو الدولي، حالة إذا ما تم إدخال مستلزمات الإنتاج المستوردة، في أنشطة إعادة التصدير.

أيضاً المدينون، الذي لديهم التزامات بالعملة الصعبة ويجب عليهم سدادها، ستكون تكلفة تدبير هذه الالتزامات أقل كلفة في ظل أسعار الصرف الحالية، أو المنتظر تحسنها خلال الفترة القادمة.

ولعل من أبرز المستفيدين في حالة نجحت الحكومة في تحقيق استقرار في سعر الصرف وانخفاض معدل التضخم، هم المستفيدون من حزمة الحماية الاجتماعية، ومن بينهم من يشملهم رفع الحد الأدني للأجور بنسبة 50%، كما أعلنت الحكومة من قبل، فمعنى ذلك أن ما سيحصلون عليه من زيادة، ستكون زيادة حقيقية وليست زيادة نقدية، ويمكن من خلالها فعلاً تحسين أوضاعهم المعيشية.

التوسع في التمويل بالمشاركة


لدى تركيا توجه لتبني التمويل التشاركي، الذي يعتمد على آلية الربح والخسارة، وهو أمر يتواكب مع توجهات الرئيس أردوغان وحكومته، ويجنب الاقتصاد القومي مخاطر الارتباط بآلية الديون وسعر الفائدة، التي كبدت الاقتصاد التركي أضرار كبيرة على مدار الفترة الماضية.

وفي نفس الوقت، يمكن من خلال آلية المشاركة في التمويل، التخفف من الحمل الثقيل للديون الخارجية لتركيا، والتي بلغت 450 مليار دولار في عام 2020، حيث تعد الأعباء المترتبة عليها من أقساط وفوائد، أحد الأسباب الحقيقية لتراجع سعر الليرة، خلال الفترة الماضية.

وبخاصة أن الدين قصير الأجل للحكومة والقطاع الخاص، يمثل 26%، من إجمالي الدين الخارجي، البالغ 450 مليار دولار.