الرئيسية / تركيا / تركيا وأفريقيا.. سمات وأبعاد الشراكة الإستراتيجية

تركيا وأفريقيا.. سمات وأبعاد الشراكة الإستراتيجية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 01-12-2020
  • 109
تركيا وأفريقيا.. سمات وأبعاد الشراكة الإستراتيجية
  • المصدر: الجزيرة

اتجهت أنظار الدول الكبرى إلى أفريقيا، وحرصت هذه الدول على تنظيم ما عُرف بالشراكات الإستراتيجية مع القارة السمراء من خلال الاتحاد الأفريقي، ولذلك وجدنا كلا من أميركا والصين وأوروبا تنظم قمما للشراكات الإستراتيجية الدورية مع هذه القارة، وكذلك فعلت بعض الدول الصاعدة، ومن بينها تركيا.

ولا تنشأ العلاقات الإستراتيجية من فراغ، ولذلك فعلاقات تركيا الاقتصادية مع القارة الأفريقية تسير وفق مخطط واضح، فحسبما يشير موقع وزارة الخارجية التركية، فإن إستراتيجية العلاقات الاقتصادية لتركيا مع أفريقيا وضعت في عام 2003، ومهدت تركيا لتلك الإستراتيجية من خلال توسيع رقعة تمثيلها الدبلوماسي في أفريقيا، فارتفع عدد سفاراتها بأفريقيا من 12 سفارة فقط عام 2003 إلى نحو 39 سفارة الآن.

كما مهدت تركيا لبسط علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية من خلال إنشاء العديد من المجالس الاقتصادية في إطار ثنائي، حيث بلغ عدد هذه المجالس نحو 31 مجلسا مع 31 دولة، كما تصل الخطوط الجوية التركية إلى نحو 48 جهة في 31 دولة أفريقية.

تضاف إلى ذلك تطوّر العلاقات الخاصة بالجانب التعليمي وتقديم المنح التعليمية من قبل تركيا لأبناء الدول الأفريقية، وكذلك الجانب الصحي والعمل الخيري من قبل منظمات خيرية تركية، سواء كانت تلك المنظمات تابعة للحكومة أو تابعة للمجتمع المدني.

ففي عام 2014 أعلنت تقارير المؤسسات الأهلية التركية العاملة في مجال تقديم الخدمات الطبية المجانية في 20 دولة أفريقية، أنها قدت خدماتها من خلال 500 طبيب تركي ونحو 100 فرد من فرق الرعاية الصحية، وقد استفاد من الفحوصات الطبية لهذه المؤسسات نحو 280 ألف مريض من الدول الأفريقية، من بينهم نحو 53 ألف مريض استفادوا من إجراء عمليات إزالة المياه البيضاء من العين لتتحسن لديهم الرؤية بشكل كبير.

ويلاحظ أن هذا الأداء التركي لا يمكن اعتباره مجرد تطلع لزيادة حجم التجارة والاستثمار، بل ينمّ عن وعي بالمتغيرات التي سيشهدها العالم، وأن تركيا أرادت أن يكون لديها خيارات إستراتيجية بعيدة عن خريطة القوى الدولية القائمة على نظرية "المركز والفروع"، فالإستراتيجية التركية تهدف للتخلص من التبعية لأميركا والغرب، ولذلك وجدنا تركيا منذ عام 2005 تتوسع في علاقاتها شرقا في مجالات مختلفة، وتأتي الشراكة التركية مع أفريقيا ورسم إستراتيجية جديدة للتعامل معها في هذا الإطار.

الجوانب الاقتصادية

أقيمت أول قمة اقتصادية لتركيا مع أفريقيا عام 2008 في إسطنبول، والتي شاركت فيها 49 دولة أفريقية، وفي العام نفسه أعلن الاتحاد الأفريقي أن تركيا شريك إستراتيجي للقارة، وفي أواخر عام 2014 عقدت القمة الاقتصادية الثانية بين الطرفين في غينيا الاستوائية.

وتظهر البيانات الخاصة بمعهد الإحصاء التركي أن قيمة التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا قد بلغت في عام 2019 نحو 22.42 مليار دولار، مقارنة بنحو 20.67 مليار دولار في عام 2014، وقرابة 5.3 مليارات دولار في عام 2003، ويلاحظ أن دول شمال أفريقيا تستحوذ على نحو ثلثي قيمة التبادل التجاري مع تركيا، كما يلاحظ أن تركيا تركز خلال الفترة الأخيرة على دول القرن الأفريقي ودول أفريقيا جنوب الصحراء.

وتقدر الاستثمارات التركية في أفريقيا بنحو 7 مليارات دولار، وتتميز الاستثمارات التركية في أفريقيا بحرصها على توظيف اليد العاملة المحلية، ففي عام 2014 بلغ عدد فرص العمل التي أوجدتها الاستثمارات التركية نحو 16.5 ألف فرصة عمل، إلا أن بعض التقديرات تذهب إلى أن الاستثمارات التركية التراكمية في أفريقيا نجحت في توفير نحو 100 ألف فرصة عمل.

كذلك تهتم الاستثمارات التركية في أفريقيا باستخدام الموارد المحلية، والعمل على تصدير جزء من منتجات هذه الاستثمارات لدول أخرى، وهو ما يزيد من القيمة المضافة للدول الأفريقية.

ولكنْ ثمة جانب آخر مهم وبارز في العلاقات الاقتصادية التركية الأفريقية، وهو مساهمة قطاع المقاولات التركي، الذي نفذ قرابة 1150 مشروعا في مجالات مختلفة للبنية الأساسية، وتقدر هذه الأعمال بنحو 70 مليار دولار.

ويعد سوق مشروعات البنية الأساسية في أفريقيا من الأسواق الواعدة التي تركز عليها شركات المقاولات التركية، فالتقديرات تذهب إلى أن استثمارات مشروعات البنية الأساسية في أفريقيا تقدر سنويا بنحو 170 مليار دولار.


وتركز الشركات التركية في استثماراتها في أفريقيا على قطاعات بارزة، منها: البناء والتشييد، والبنية التحتية، وتجارة الجملة والتجزئة، وصناعة الملابس والمنسوجات، والطاقة، والصناعات المعدنية. إلا أن قطاع البناء والتشييد والبنية التحتية يعتبر صاحب النصيب الأكبر من الاستثمارات التركية في أفريقيا، وتقدر أعمال المقاولين الأتراك في أفريقيا بنحو 20% من إجمالي أعمالهم الخارجية على مستوى العالم.

وتركزت الاستثمارات التركية خلال الفترة من 2010 إلى 2019 في أفريقيا في مجموعة من الدول منها الجزائر وإثيوبيا والسنغال وليبيا وغينيا وموزمبيق والغابون ونيجيريا والكونغو ورواندا وتونس والكاميرون.

ومن أبرز المشروعات التي نفذتها الشركات التركية في أفريقيا، إنشاء وإدارة مطار دولي في كل من ساحل العاج وتونس، وإنشاء مصنع للإسمنت في كل من الغابون وساحل العاج، ومصنع للحديد في الجزائر، ومجموعة من الفنادق الكبيرة في الجزائر والغابون ورواندا، ومجموعة من الطرق السريعة في السنغال، ومحطات توليد الطاقة في ليبيا، ومحطات تحلية المياه في الغابون.

ولم يعد الحضور التركي قاصرا على الصومال وكينيا والسودان، إذ ثمة حالة من التوسع في الاتجاه لإثيوبيا والنيجر وغيرهما من الدول الأفريقية، وهذا الحضور الذي يشمل إدارة موانئ ومطارات في الصومال، أو مشروعات بنية أساسية قوية في كينيا، أو مشروعات صناعية في إثيوبيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا، يأتي ليمثل منافسة للحضور الصيني والفرنسي في أفريقيا على مستوى الاستثمار والتصنيع.

ولكن على المستوى العربي يمثل الحضور التركي في أفريقيا منافسة قوية لكل من الإمارات والسعودية، حيث تقدم تركيا للدول الأفريقية مشروعات التنمية والتعاون الاقتصادي القائم على الإفادة المشتركة، بخلاف الحضور الإماراتي والسعودي الذي اتسم بالسيطرة على المواقع الإستراتيجية وتعطيل العمل ببعض المواقع لصالح الاستثمارات الخاصة بهما في مناطق أخرى.

أبعاد الحضور التركي

يمكن اعتبار الرؤية التركية في مراميها الإستراتيجية أنها تتجاوز مفهوم القوة الإقليمية، وإلا كانت انحسرت جهودها في منطقة الشرق الأوسط التي تضم المنطقة العربية وتركيا وإيران، ولكن تركيا لديها مشروع يتجاوز مفهوم القوة الإقليمية، وهو ما نلمسه من الأداء الهادئ لتركيا على مدى الفترة من 2003 إلى 2019 عبر تمددها في جوارها الجغرافي وإحياء محور الدول الناطقة بالتركية، وكذلك التوجه شرقا مع المنطقة العربية وإحياء علاقاتها الأفريقية

ويحمل المشروع التركي في المساحات التي يتحرك بها طابعين مهمين، وهما الطابع التنموي والطابع الإنساني، وهما بعدان تفتقدهما المشروعات الأخرى التي توجد وتعمل في أفريقيا، حيث يتم التركيز على استنزاف خيرات القارة الأفريقية ودفع النزر اليسير لأهلها.

وتعكس الممارسة التركية في جانبها الاقتصادي ترجمة حقيقية لمفهوم الشراكة، حيث تعمل عادة على إنشاء مشروعات إنتاجية حقيقية في البلدان الأفريقية، وتحرص على وجود شراكات مع مواطني كل دولة، في حين أن المشروعات الأخرى ترفع شعار المشاركة، وفعليا تذهب إلى الممارسات التجارية التي عادة ما تكون في غير صالح الدول الأفريقية