الرئيسية / تركيا / التقارب المصري التركي وأثره على اقتصاديات المنطقة العربية

التقارب المصري التركي وأثره على اقتصاديات المنطقة العربية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 11-02-2013
  • 125
التقارب المصري التركي وأثره على اقتصاديات المنطقة العربية
  • المصدر: موقع الأناضول

في إطار التغيرات التي تشهدها الخريطة الاقتصادية الدولية، حيث برز دور الدول الصاعدة، فإن الخرائط الاقتصادية لأقاليم العالم هي أيضًا بصدد تغيرات تُعيد تركيبة القوى الاقتصادية.

وقد لوحظ أن تركيا في ظل تولي حكومة حزب العدالة والتنمية قد اتخذت مسارًا جديدًا تجاه المنطقة العربية، يعتمد على زيادة حجم تعاملاتها التجارية والاقتصادية بدول المنطقة.

ويفسر هذا في الإطار الاقتصادي على أنه تغير في تركيبة التعاملات التجارية والاقتصادية لتركيا، لتتخلص من عقدة مركزية أوضاعها الاقتصادية والتجارية مع الاتحاد الاوروبي وأمريكا. ومن شأن هذا التوجه أن يقلل من خسائر الاقتصاد التركي في ظل الأزمات الاقتصادية التي تلاحق شريكيها الرئيسيان وهما الاتحاد الأوروبي وتركيا.

وعلى الرغم من توجه تركيا مبكرًا صوب الدول العربية، إلا أن التركيز على التعاون مع مصر كان ملحوظًا، من خلال زيادة وتيرة حجم التبادل التجاري، وكذلك تواجد الاستثمارات التركية بمصر.

مظاهر التقارب المصري التركي

كانت الخارجية التركية حريصة على التقارب مع مصر، بعد ثورة 25 يناير، وذلك من خلال زيارة رئيس تركيا لمصر في مارس 2011 ليكون أول رئيس يزور مصر بعد الثورة، وكذلك تمت زيارة الوزراء التركي في نوفمبر 2012، وحرصت تركيا على دعم مصر اقتصاديًا من خلال تقديم قرض للبنك المركزي المصري بنحو مليار دولار، ونحو مليار أخر يضخ في شكل استثمارات تركية في مشروعات البنية الأساسية.

وأدى تكوين الوفد المرافق لرئيس الوزراء التركي (6 وزراء ونحو 250 رجل أعمال) إلى الدخول في مشاورات للتعاون بين الجانبين في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة، وكذلك تقديم الدعم الفني لمصر في كيفية الاستفادة بشكل أكبر في التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي. كما تم توقيع اتفاقية للتعاون بين بورصتي البلدين.

وأعلن أثناء زيارة رئيس الوزراء التركي لمصر في نوفمبر 2012 عن عزم البلدين على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 5 مليار دولار خلال عامين، إلا أن تقديرات الرئيس المصري د. محمد مرسي خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس التركي في ختام أعمال القمة الإسلامية بالقاهرة ( 6 و7 فبراير الحالي) رفعت من هذا التقدير ليصل إلى 10 مليارات دولار خلال الأعوام القادمة.

وحسب بيانات المركز الإسلامي لتنمية التجارة، فإن حجم التبادل التجاري للبلدين بلغ في عام 2011 نحو 4 مليار دولار، مقارنة 3.2 مليار دولار في عام 2009، مع الأخذ في الاعتبار بأن الميزان التجاري لصالح تركيا دومًا.

كما يقدر عدد الشركات التركية العاملة في مصر بنحو 200 شركة، وتوجد استثمارات تركية أخرى تعمل بشكل فردي تقدر بحوالي 70 مستثمر، ويصل عدد العمالة المصرية بالشركات التركية في مصر لحوالي 50 ألف عامل.

حجم التبادل التجاري التركي مع المنطقة

اتجهت تركيا لتوقع العديد من اتفاقيات مناطق التجارة الحرة مع العديد من الدول العربية، كما سمحت لدخول رعايا دول عربية عدة إلى أراضيها دون الحصول على تأشيرة الدخول، ويقدر حجم التجارة بين الطرفين بنحو 33 مليار دولار في عام 2010، وعند مقارنة حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية في عام 2010، وما كان عليه الوضع في عام 2002 نجد تحسنا كبيرا، حيث كان حجم التبادل التجاري بين الطرفين في عام 2002 بحدود 6.6 مليار دولار، أي أنه تضاعف في عام 2010 بنسبة 5 أضعاف.

ولكن يظهر تواضع هذا الرقم إذا ما قورن بحجم التبادل التجاري للصين مع الدول العربية، والذي قارب الـ 200 مليار دولار. ولكن عند النظر إلى السلع التركية المصدرة للمنطقة العربية نجد أن الدول العربية تستورد نحو 50 % من إنتاج الحديد التركي.

كما أن الصادرات التركية شهدت تطورًا نوعيًا على مدار السنوات الماضية، حيث تحتل صادرات السيارات وقاطرات السكك الحديدية والترام الصدارة في سلم الصادرات التركية وبنسبة 11.7 % من إجمالي صادرات تركيا في عام 2011، كما أن الآلات والأجهزة الميكانيكية تأتي في المرتبة الثانية بنسبة 8.6 %، وتوفر تركيا قطع الغيار لهذه المنتجات، وهو ما يعني أن الصادرات التركية خرجت من طور الصادرات التقليدية في المنسوجات والصناعات الكهربائية التجمعية. ويمثل هذا التوجه أحد الآليات التي من شأنها أن تمثل نقلة نوعية في العلاقات التجارية مع المنطقة العربية، فبيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2012 ذكرت أن واردات الدول العربية من السلع الصناعية في عام 2011 مثلت نسبة 19.3 % من إجمالي الواردات، وأن الآلات ومعدات النقل مثلت نسبة 28 %، وتغطية تركيا خلال الفترة المقبلة لهذه المتطلبات العربية من السلع الصناعية أو المعدات والآلات سوف يزيد من روابط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين.

آثار التقارب

- يتسم كلا الاقتصادين المصري والتركي بكونهما من الاقتصاديات المتنوعة، فضلًا عن تمتع البلدين بناتج محلي إجمالي يقترب من نسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية في عام 2011، ومن شأن هذا التنوع أن يتيح مساحة أكبر لتعامل كل من مصر وتركيا في تعاملاتها مع باقي اقتصاديات المنطقة، حيث لا تزال الاقتصاديات الكبرى بالمنطقة تعتمد على النفط كمصدر رئيس في اقتصاداتها ( دول الخليج وليبيا والجزائر). ومن إيجابيات وسمات الاقتصادين المصري والتركي وصفهما بالتنوع، أى أنهما لن يكونا في وضع تنافسي مع الاقتصاديات النفطية، بل بالعكس فكلا الدولتين بحاجة ماسة إلى الطاقة والوقود الذي توفره الدول النفطية بكثرة. وإن كانت تركيا قد خطت خطوات جيدة نحو الطاقة الجديدة والمتجددة في مجالات الطاقة الشمسية وتدوير المخلفات الطبيعية لتوليد الطاقة.

- يكتسب التقارب المصري التركي ملمحًا اسلاميًا يحظى بتأييد شعبي في دول المنطقة، وبخاصة أن المشروعات الإقليمية البديلة، لم ترق لشعوب المنطقة، فمنها ما مثل البعد العربي وحقق إخفاقًا على مدار نحو 6 عقود ماضية، ومنها ما يرتبط بحضارات خارج المنطقة مثل مشروع الأورومتوسيطة، أو ما يمثل عداءً لشعوب المنطقة مثل أطروحة مشروع الشرق أوسطية التي تحاول أن تزرعه إسرائيل في جسد المنطقة. وإن كان خطاب التعاون المصري التركي لا يزال يدور في فلك ثنائي، ولم يُعلن عن هوية إسلامية، وإن كان كل من تركيا ومصر من الدول ذات الثقل الاقتصادي بمنظمة التعاون الإسلامي التي تضم نحو 57 دولة إسلامية.

- من شأن السعى التركي في علاقاته الاقتصادية مع دول المنطقة أن يقيم علاقة اقتصادية تدريجية، ويتضح ذلك من خلال اتفاقيات مناطق التجارة الحرة التي نجحت تركيا في عقد اتفاقاتها مع العديد من الدول العربية، وهي بشأن الترتيب لعقد هذه الاتفاقية مع مجلس التعاون الخليجي. وعلى نفس النمط نجد المسعى المصري، وإن كانت جهوده في هذا الشأن تعود لما بذل في هذا الشأن قبل ثورة 25 يناير. كما تتمدد تركيا على جانب الاستثمارات بالمنطقة العربية، مما يؤدي لرسائل تطمينية بأن سعيها ليس من أجل السيطرة على الأسواق العربية لصناعتها، بقدر ما تسعى لوجود مصالح مشتركة بين الطرفين من خلال تواجد الاستثمارات التركية في المنطقة.

ومن شأن التواجد التركي في مجال الاستثمار بالدول العربية أن يستفيد من العديد من الاتفاقيات الإقليمية مثل الكوميسا التي تضم من الدول العربية مصر والسودان، أو الأورومتوسيطة، التي تضم مصر وتونس والمغرب، أو منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التي تضم جل الدول العربية.

- يعد المكون البشري للدولتين، الأكثر من حيث العدد إذ يقدر بنحو 160 مليون نسمة، وكذلك يتميز المورد البشري من حيث التعليم وتوفير تخصصات تسمح بالدخول في مجالات تتيح تحقيق معدلات أفضل للقيمة المضافة. ويتطلب الأمر التنسيق بين الجانبين للاستفادة من هذه الميزة في تحقيق احتياجات المنطقة، وبخاصة في الدول التي تعاني من عجز في الموارد البشرية.

- تتجه تركيا منذ الأزمة المالية العالمية التي وقعت نهاية عام 2008 إلى عمل تسويات لتجارتها الخارجية مع دول الجوار بالعملات المحلية، في إطار التخفف من الصدمات التي يحدثها إجراء التسويات التجارية عبر الدولار الأمريكي. ومن شأن دخول مصر ودول المنطقة في هذه الآلية، ولو بشكل تدريجي أن يحقق العديد من المزايا الاقتصادية، وبخاصة أن معظم دول المنطقة (باستثناء الدول النفطية) تعاني من عجز في ميزان المدفوعات. وسوف تشعر الدول المشاركة في هذه الآلية أن علاقاتها مع كل من مصر وتركيا تأتي في إطار تبادل المصالح، وليس الانحياز لمصلحة طرف واحد فقط، والذي عادة ما يكون الطرف الأقوى.

- من شأن التقارب المصري التركي أن يكون له أثرًا ملموسًا في المنطقة العربية، إذا ما أخذ في الاعتبار احتياجات الدول العربية الأقل نموًا، وهي (السودان، اليمن، موريتانيا، الصومال، جيبوتي) وهي دول تربط كل من مصر وتركيا بها علاقات جيدة، وتجعل من الدور المصري التركي تناولًا جديدًا يعكس آثر إيجابية من الناحية التنموية، إذ تركز غالبية مشروعات التعاون الثنائية أو الإقليمية على دول الخليج، ثم دول الاقتصادية متوسطة النمو، وتهمل الاقتصاديات العربية الأقل نموًا.

ختامًا: سوف يكون للتقارب المصري التركي اثره الملموس على اقتصاديات المنطقة، إذ ما انتهت حالة اللاستقرار السياسي التي تعاني منها مصر على مدار العامين الماضيين بشكل عام، وخلال الشهور الأربعة الماضية. إذ سيكون من شأن وجود مشروعات مشتركة بمصر وتركيا مردودًا ومجالًا كبيرًا لباقي دول المنطقة العربية، كما سيخفف من الأثار السلبية للمشروعات الإقليمية البديلة بالمنطقة.