الرئيسية / العالم العربي / هل يتأجل المؤتمر الاقتصادي العربي للمرة الثالثة

هل يتأجل المؤتمر الاقتصادي العربي للمرة الثالثة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 24-04-2002
  • 337
هل يتأجل المؤتمر الاقتصادي العربي للمرة الثالثة
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

لا نحسب أن الأمة العربية مرت بظروف بالغة السوء كتلك التي تعيشها خلال هذه الأيام التي تتجرع فيها الهوان من جراء تصرفات العصابات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ الأمر الذي يتطلب البحث في مكامن القوة العربية ونفض التراب عنها وتقويتها.

فمن الغريب أن ترفض الأمة العربية تفعيل الملف الاقتصادي في هذا الصراع بينما يقبل عليه الآخرون، ومن الغريب ألا يتم التعجيل بالمؤتمر الاقتصادي العربي (قمة عربية اقتصادية) الذي أقرته قمم عربية سابقة؛ فالبرلمان الأوروبي هدد بفرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، وألمانيا وبريطانيا أوقفتا بيع الأسلحة لإسرائيل وحظرتا تزويدها بقطع غيار الدبابة "ميركافا"، وأسلحة أخرى، وخرجت أصوات من داخل أمريكا تنادي بقطع المعونات الأمريكية لإسرائيل إذا رفضت الانسحاب من الأراضي الفلسطينية.

ولكن داخل الكتلة العربية لا نجد سوى الجهود الشعبية التي تطالب بالمقاطعة الشعبية للسلع والمنتجات الأمريكية والإسرائيلية، أما على الصعيد الرسمي فلا يوجد سوى قرار وحيد للعراق بوقف تصدير البترول للخارج لمدة شهر وهي الدعوى التي لم يتفاعل معها أحد من الدول العربية، بل للأسف وجد من الدول العربية من يرفض استخدام البترول كسلاح في الحرب مع الصهاينة، ويعلن أنه سيعوض النقص العراقي في السوق (‍‍‍!).

 وبعد ازدياد الضغط الشعبي ظهرت على استحياء بوادر لمقاطعة رسمية من بعض الدول العربية؛ حيث أعلن وزير الزراعة المصري "يوسف والي" أن وزارته علقت تعاونها مع إسرائيل في 17-4-2002، فيما استمر التعاون الأردني والموريتاني كما هو.

وإذا ما سلمنا بأن الدول العربية عاجزة عن استخدام مقدراتها الاقتصادية في إدارة الصراع فلا أقل من الاتجاه للاعتماد على الذات في مشروعات التنمية وتعظيم العلاقات الاقتصادية البينية التي تسير بسرعة السلحفاة على مدار أكثر من 60 عاما هي عمر مشروعات العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي، ولكن للأسف نجد أن المؤتمر الاقتصادي العربي الأول الذي أعلن عنه في قمة عمان عام 2001 تتضارب الأنباء حول انعقاده في الميعاد الذي حدد من قبل الجامعة العربية في يونيو القادم؛ حيث  تشير الدلائل على تأجيله للمرة الثالثة، وهو ما يعبر عن إحدى صور حالة  العجز العربي.

المؤتمر بين الانعقاد والتأجيل

وكانت مصر قد دعت في قمة عمان في يونيو 2001 إلى انعقاد المؤتمر الاقتصادي العربي الأول في نوفمبر الماضي 2001، وأقرت القمة تلك الدعوة باعتبارها أحد القرارات الصادرة عنها، ولكن المؤتمر شهد التأجيل الأول بسبب أحداث 11 سبتمبر الأمريكية، وكذلك انعقاد مؤتمر منظمة التجارة العالمية بالدوحة. وكان مقررًا أن يعقد المؤتمر الاقتصادي العربي الأول أيضًا في مارس 2002، ولكنه شهد التأجيل الثاني بسبب القمة العربية في بيروت. وفي أثناء انعقاد قمة بيروت في مارس 2002 أكد المسئولون بالجامعة العربية على لسان أمينها العام انعقاد المؤتمر الاقتصادي العربي الأول في الفترة من 16 – 18 يونيو 2002، ويبدو أن تحديد ذلك الميعاد أتى بعد توقعات بأن ما خلصت إليه قمة بيروت في مارس الماضي من اتفاق على مبادرة عربية سيقبل بها العدو الصهيوني، وبذلك تهدأ صفحة الصراع السياسي الساخنة، ويبدأ تفعيل الملف الاقتصادي.

ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن؛ فكانت الأحداث الدامية في الأراضي المحتلة التي أسقطت كافة الحسابات العربية القائمة على الاعتماد على الدور الأمريكي. فأخذت الأحداث منحى آخر، وبدأت إرهاصات التأجيل الثالث للمؤتمر الاقتصادي العربي الأول تلوح في الأفق؛ حيث أشارت مجلة "الأهرام الاقتصادي" في عددها الصادر في 8-4-2002 إلى اعتذار المدير التنفيذي لمنتدى دافوس الاقتصادي عن الحضور للقاهرة للمشاركة في اجتماعات التحضير لهذا المؤتمر.

كما أشارت نفس المجلة في عددها الصادر في 15-4-2002 أيضاً إلى وجود اتجاه لتأجيل المؤتمر إلى الخريف القادم أو أواخر هذا العام؛ نظراً للأحداث الجارية بالأراضي الفلسطينية، وأن مصادر دبلوماسية مصرية رجحت التأجيل بسبب الأحداث الجارية؛ حيث إن فترة شهرين غير كافية للتحضير للمؤتمر، بينما نشرت جريدة الأهرام في 15-4-200 تصريحات الأمين العام للجامعة العربية بانعقاد المؤتمر في الميعاد المحدد له وهو الفترة من 16 – 18 يونيو القادم.

سياسة الاعتماد على الغير!

من خلال مطالعة قرارات قمة عمان نجد أن المؤتمر الاقتصادي العربي الأول يهدف إلى أمرين أساسيين، وهما:

أولاً: رفع قدرات الاقتصاديات العربية على الاستفادة من التطورات الاقتصادية الدولية، وتعريف مجتمع الأعمال الدولي على الفرص المتاحة في المنطقة العربية.

ثانيًا: دفع وتطوير العلاقات والاتصالات فيما بين الدول والشركات العربية من ناحية وبينها وبين الشركات العالمية الكبرى من ناحية أخرى.

 ومن خلال القراءة  السريعة لهذه الأهداف نجد أن العرب لا يزالون يعولون على الغير لبناء اقتصادهم، فهم لا يزالون يحلمون باستثمارات أجنبية مباشرة في المنطقة في الوقت الذي توجد فيه استثمارات عربية تهيم على وجهها في العالم الغربي، وتختلف التقديرات بشأنها ما بين 800 مليار وما يزيد عن تريليون دولار، ومن الأَولى جذب هذه الاستثمارات العربية والبحث في أسباب هجرتها للمنطقة.

ونجد أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يوجهها فقط العامل الاقتصادي ومقومات النجاح في مجالات الاستثمار -فهو أمر هام وحيوي لأي مستثمر-  ولكن هذه الاستثمارات تملكها الشركات متعدية الجنسيات التي ترتبط مصالحها بشكل كبير بحكومات الدول الأوروبية المسيطرة على مقدرات الأمور، والتي تحرص على بقاء المنطقة في وضع لا يسمح لها بالتقدم.

وحتى لا يكون كلامنا مجرد مزايدة، فإن أرقام تقرير منظمة الأنكتاد عن الاستثمار في العالم لعام 2001 تشير إلى أن نصيب الأسد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا يزال محصوراً في ثلاثة أماكن هي دول أوربا وأمريكا واليابان، وذلك من حيث ضخ أو استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر. وأن هناك 63 ألف شركة متعدية الجنسية في العالم تمتلك نحو 800 ألف فرع في مختلف دول العالم، وأن نصيب هذه الشركات من التجارة العالمية يتعدى الثلثين، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بمعدلات بداية التسعينيات حيث لم يكن نصيبها يتعدى 50%.

أما عن نصيب الدول النامية من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2000 فقد بلغ 240 مليار دولار بنسبة 19%، وهي نسبة قليلة مقارنة بنصيب هذه الدول في عام 1994 حيث كان نصيبها 41%، وأن أمريكا وأوروبا واليابان تستحوذ على 90 شركة من أهم 100 شركة متعدية الجنسيات من حيث اعتبار هذه البلدان "البلد الأم" لتلك الشركات.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن نصيب منطقة الشرق الأوسط من تدفقات الاستثمار الأجنبي لعام 2000 وصل إلى 6 مليارات دولار بنسبة 2%، بينما كان في عام 1999 نحو 3.4 مليارات دولار.

كما توجد ملاحظة هامة تتعلق باندماج اقتصاديات دول المنطقة العربية في الاقتصاد العالمي، حيث أشار المستشار "هشام يوسف" بالجامعة العربية لوسائل الإعلام إلى أن هذا الأمر يمثل أحد الأهداف من انعقاد المؤتمر الاقتصادي العربي الأول، فبعد نحو عشر سنوات من الإقدام المتسرع من قبل معظم البلدان العربية على ما سُمي ببرامج الإصلاح الاقتصادي ونهج سياسات اقتصادية رأسمالية، نرى أنه يكون من المناسب تقييم هذه المرحلة وماذا جنت الاقتصاديات العربية من هذه الخطوة؟ وماذا جنت من ثمار من جراء اللحاق بركب العولمة؟

المؤشرات الأولية تشير إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد تبنى هذه البرامج، نظراً للمناخ غير المواتي من فساد إداري وبنى مؤسسية غير مهيأة للبيئة الاقتصادية الجديدة.

وعلى الرغم من مرور قرابة عام على القمة العربية بعمان التي أعلن من خلالها عن الموافقة على انعقاد المؤتمر، نُشر في الأهرام الاقتصادي 1-4-2002 خبر عن أن لقاءات تعقد بين مسئولين بالجامعة العربية والخارجية المصرية بشأن مناقشة المقترحات ووجهات النظر حيال أجندة المؤتمر (!) مع أنه من المفترض أن أجندة المؤتمر قد تم الانتهاء منها منذ فترة حيث لم يبق على انعقاد المؤتمر سوى قرابة شهرين فقط (في حالة عدم تأجيل انعقاده)، اللهم إلا إذا أخذ المؤتمر الاقتصادي العربي الأول على عاتقه تفعيل الملف الاقتصادي في المواجهة مع الكيان الصهيوني كورقة ضغط يمكن أن تؤثر على مجريات الأحداث، وتثبت للعالم أن العرب بإمكانهم أن يكونوا شيئا.

وقد فرضت الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة نفسها على تصريحات المسئولين عن انعقاد المؤتمر، حيث إن الرأي العام العربي شعر بخيبة أمل كالعادة تجاه أوروبا والغرب بسبب الموقف المتحيز لإسرائيل، فأخذت تصريحات المسئولين الاتجاه إلى تحديد دقيق لمشاركة مؤسسات التمويل ورجال الأعمال الأجانب وقصره على أنه بغرض دعم التفاوض الاقتصادي والتجاري العربي وتشجيع إقامة المشروعات من أجل هذا الغرض، وكذلك التشديد على أن المؤتمر يقتصر فقط على بحث التعاون الاقتصادي العربي.

شبهات حول مشاركة منتدى دافوس

بقيت نقطة هامة حول مشاركة منتدى دافوس في تنظيم المؤتمر، وهي أن هذه المؤسسة يشوبها الكثير من الغموض خاصة دورها على الصعيد الدولي. وقد أشار أحد المحللين المصريين من قبل إلى أن منتدى دافوس ليس أكثر من شركة للعلاقات العامة مارست دورها المتعاظم من كونها مؤسسة يهودية تربطها علاقات قوية بالدول الكبرى، وسوف يكون دور منتدى دافوس في المؤتمر -في حالة انعقاده- العمل على حضور أكبر قدر ممكن من رجال الأعمال والشركات من خارج البلدان العربية، ولكن هذا الأمر سوف يكون من المتعذر حدوثه بسبب التحذيرات التي توجهها البلدان الأوروبية لرعاياها بأهمية عدم التوجه إلى بلدان الشرق الأوسط في ظل استمرار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة على ما هي عليه الآن.

ومن هنا فإن احتمالات التأجيل تكون أكبر، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الأعداد المحتملة للمشاركين في المؤتمر التي قدرت بنحو 2000 مشارك.

والسؤال: إذا كان الملف الاقتصادي العربي قد قفز إلى أعلى سلم الأولويات، فلماذا لا يتم تفعيل المؤسسات العربية الاقتصادية المتواجدة منذ سنوات والاستفادة من خبراتها المتراكمة في مجال العمل العربي المشترك وهي المؤسسات التي تحولت إلى مجرد أرشيف لمحاضر الاجتماعات ومكتبات كبرى تحوي البحوث والدراسات المعنية بالقضايا التي تهتم بها؟

ولماذا لم يتم العمل بتوصيات المؤتمرات الدورية التي عقدتها مؤسسات العمل العربي المشترك، مثل: اتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية العربية الذي يعقد كل عامين؟ وأيضاً مؤتمرات رجال الأعمال العرب التي قاربت نحو عشرة مؤتمرات، وقد تناولت موضوعاتها كافة ما يعانيه العمل العربي المشترك من مشكلات ومقترحات لحلها، وأيضًا التحديات التي تواجه العرب في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؟! .