ذكرت العديد من الدراسات المعنية بتجربة الوحدة العربية أن سبب فشلها هو أنها قامت على أسس وقواعد سياسية، وأهملت المصالح الاقتصادية، وهو ما أكده القادة العرب في قمتهم الاقتصادية الأولى التي شهدتها الكويت في 2009، إذ ذكروا أن هذه القمة تستحضر دورس الماضي، وآن للمصالح الاقتصادية أن تكون على أجندة الاهتمامات العربية.
لكن للأسف حتى هذه القمة الاقتصادية لم يكتب لها النجاح من حيث الانعقاد بشكل دوري، إذ شهد عام 2013 آخر اجتماعات القمة الاقتصادية العربية في السعودية، ولم تنجح أيضًا على مستوى المشكلات والقضايا الاقتصادية.
وحسب ما أعلن عند الدعوة لهذه القمة، فمن المقرر أنها تعقد كل عامين بشكل دوري، فلم تعقد في عام 2015، ومن المتوقع ألا تُعقد في 2017، بسبب الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، وكذلك الأوضاع الاقتصادية السلبية في منطقة الخليج، والتي نتجت عن أزمة انهيار أسعار النفط.
القمة العربية الـ 28 سوف تشهدها العاصمة الأردنية عمّان، غداً الأربعاء، ويتضمن جدول أعمالها ثلاثة ملفات رئيسة، من بينها الملف الاقتصادي، وهو ملف مهم نظراً لصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها المنطقة.
وحسب ما هو منشور على موقع جامعة الدول العربية، فإن الملف الاقتصادي للقمة، يتضمّن مجموعة من القضايا، منها الجهود الرامية لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإنشاء الاتحاد الجمركي العربي، وتحقيق الأمن الغذائي العربي، والتعاون في مجال الأمن المائي والبيئة، والطرق والمواصلات والتكنولوجيا.
والمتابع للعمل العربي المشترك على مدار عقود، يجد أن هذه القضايا ثابتة في الملف الاقتصادي، ولكن الواقع يعكس عدم تحقيق أي نجاحات أو إنجازات ملموسة جرت إضافتها من خلال القمم العربية، أو من خلال مؤسسات العمل العربي المشترك، والتي مرّ على إنشائها أكثر من ستة عقود.
ونحسب أنه من الضروري أن نوضح طبيعة الوضع الراهن لمكونات الملف الاقتصادي المطروح على القمة العربية الـ 28 في الأردن، ومدى العجز العربي فيها، وغياب الإنجازات.
مع مطلع الألفية الثالثة تفاءل الكثيرون بما طرح عن اتخاذ خطوات جادة نحو منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وأنها ستدخل حيز التنفيذ بنسبة 100% مع حلول عام 2005، ولكن للأسف ظلت معظم الدول العربية تضع قوائم تستثنى من تطبيق قواعد منطقة التجار الحرة العربية الكبرى، ما فرّغ قرار إنشاء المنطقة الحرة العربية الكبرى من مضمونه.
"الملف الاقتصادي للقمة، يتضمّن مجموعة من القضايا، منها الجهود الرامية لإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإنشاء الاتحاد الجمركي العربي، وتحقيق الأمن الغذائي العربي"
والجديد بالذكر أن ما تم من خطوات في شأن منطقة التجارة الحرة أتى كتحصيل حاصل من كون معظم الدول العربية أعضاء في منظمة التجارة العالمية، والتي من أهم بنود اتفاقياتها "الدولة الأولى بالرعاية"، وبالتالي ما أعطته بعض الدول العربية من مزايا تتعلق بمنطقة التجارة الحرة، كان مفروضاً عليها بحكم عضويتها في منظمة التجارة العالمية.
وبالنظر إلى حجم التجارة البينية العربية بعد مرور 16 عاماً على العمل باتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية، فالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2016 ذكر أن قيمة التجارة البينية العربية في عام 2015 بلغت 110 مليارات دولار، مقابل 120 مليار دولار في عام 2014، بانخفاض 8.3%.
وبشكل عام تعاني التجارة العربية البينية من ضآلة حجمها، ففي أحسن الأحوال لا تتجاوز نسبة 10%، وإن كان عام 2015 يعكس وصول هذه النسبة إلى 13%، مقارنة بـ 9.7% في عام 2014. ولكن هذا التحسن ناتج عن تراجع قيمة التجارة العربية الإجمالية بسبب انخفاض أسعار النفط، وليس لزيادة التجارة العربية البينية.
لا تخفى أحوال التدهور في الوضع الغذائي بالدول العربية التي تشهد نزاعات مسلحة (ليبيا، اليمن، سورية، العراق) حيث يعلن برنامج الغذاء العالمي عن تدهور أحوال توفير الغذاء بالعديد من هذه الدول، خاصة في اليمن.
ولكن ملف الأمن الغذائي العربي تصدر اهتمامات معظم القمم العربية، وأدرج ما سمي "برنامج إنتاج الغذاء العربي" على أجندة القمة الاقتصادية العربية الأولى في عام 2009، بتكلفة تصل إلى 36 مليار دولار، ولكنه للأسف لم يخرج إلى حيز التنفيذ.
الملفت للنظر في شأن الأمن الغذائي العربي أنه لا توجد أعمال مشتركة لتحقيق هذا الأمن الغذائي، لا إنتاجاً ولا استيراداً، فكل دولة عربية معنية بتدبير شأنها في قضية الغذاء، وبالتالي أصبح اصطلاح "الأمن الغذائي العربي" خاوياً من مضمونه، وهو مطروح فقط على طاولات الاجتماعات، أو الدراسات الأكاديمية.
وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2016 نجد أن العجز في الميزان الزراعي العربي يتزايد بشكل كبير، إذ قفز من 29.1 مليار دولار في 2005 إلى 65.9 مليار دولار في 2014، أي أنه تضاعف على مدار 10 سنوات.
ونفس الشيء بالنسبة للفجوة الغذائية للعالم العربي، فقد قفزت من 18 مليار دولار في عام 2005 إلى 34 مليار دولار في 2014، ويؤكد التقرير الاقتصادي العربي على حقيقة مؤلمة، وهي أن العالم العربي يعاني عجزاً في كافة السلع الغذائية الرئيسة، باستثناء الخضروات والفواكه والأسماك.
تمر المنطقة العربية بمشكلة حادة في قضية المياه، وتعكس هذه المشكلة الأرقام التي أوردها التقرير الاقتصادي العربي الموحد، إذ ذكر أن نصيب الفرد في المنطقة العربية من المياه المتجددة نحو 814 متراً مكعباً، بينما نصيب الفرد في المتوسط العالمي سبعة آلاف متر مكعب.
وتعاني المنطقة من قلة الأمطار، ويؤكد التقرير أن قضية المياه في المنطقة العربية أصبحت أزمة سياسية متقدمة، خاصة في أحواض أنهار دجلة والفرات والأردن والنيل. ومما يؤسف له أن بعض مشكلة المياه للدول العربية تشارك فيها دول عربية أخرى، كما حدث من دعم عربي لإقامة سد النهضة بإثيوبيا لتقليل حصة مياه مصر والسودان.
من المجالات التي تعتبر فيها الدول العربية مستوردة بشكل رئيس ومنذ عقود، مجالا المواصلات والتكنولوجيا، فعلى الرغم من وجود الجامعات ومراكز البحوث للدول العربية، إلا أنه على مدار عقود لم تصبح أي دولة عربية منتجة لما تحتاجه من وسائل مواصلات، أو التكنولوجيا التي تحتاجها المجالات المختلفة، سواء كانت عسكرية أم مدنية.
ووفق بيانات عام 2015، يظهر التقرير الاقتصادي العربي أن المنتجات الصناعية تمثل 63.5% من إجمالي الواردات السلعية العربية، وأن الآلات والمعدات تمثل نسبة 28.3% من إجمالي الواردات العربية، وهو ما يعني أن إنتاج العدد والآلات والسلع المصنعة خارج الاهتمامات العربية.
ولا تساهم الصناعات التكنولوجية بنصيب ملموس في الصادرات العربية، فغالبية الصادرات العربية هي صادرات أولية، من مواد خام أو صناعات تقليدية. وحتى بعض الدول العربية التي خاضت تجربة بعض الصناعات مثل السيارات، كانت عبارة عن ورش تجميع، وليست صناعة بمعناها الصحيح.
وتظل قضية التكنولوجيا سببا ونتيجة لتخلف الاقتصاديات العربية، على مدار العقود الماضية، وستظل كذلك خلال الفترة القادمة ما لم تتخذ خطوات حقيقية لتوظيف الموارد البشرية والمالية العربية لإنتاج وتوطين تكنولوجيا عربية.
بلا شك سوف تطوى صفحة القمة العربية الـ 28 كما طويت صفحات قمم سابقة، ولكن ما هي منجزات هذه القمة وغيرها من القمم العربية في قضايا الملف الاقتصادي الشائك؟