ارتفع عدد السائحين في العالم في عام 2015، ليصل إلى 1.18 مليار سائح، مقارنة بنحو 950 مليون سائح في 2010، وبذلك زاد عدد السائحين بنسبة تقترب من 25%.
وعلى عكس الأداء العالمي كانت منطقة الشرق الأوسط تشهد تراجعا في السائحين الأجانب، ففي 2015 بلغ عدد الوافدين 53.3 مليون سائح، مقابل 54.7 مليونا في 2010.
وبلا شك فإن ما شهدته المنطقة من أحداث تتعلق بواقع ثورات الربيع العربي، وعدم استقرارها أمنياً وسياسياً، أدى بشكل كبير إلى تراجع معدلات السياحة خلال السنوات الخمس الماضية، وعدم مواكبتها للزيادة التي شهدتها السياحة على مستوى الأقاليم الأخرى.
وكانت دول الربيع العربي باستثناء ليبيا واجهات سياحية بين دول المنطقة العربية، وتظهر أرقام عام 2010، أن الدول الأربع (مصر، وتونس، وسورية، واليمن) استقبلت نحو 31.3 مليون سائح، بما يشكل 56.8% من السياحة الواردة إلى منطقة الشرق الأوسط بكاملها في ذلك العام.
وكثيراً ما عولت دول الربيع العربي على نشاط السياحة، وتركزت فيه الاستثمارات، وكانت عوائده ضمن المصادر الرئيسة من العملات الأجنبية لتلك الدول، ولكن بعد ثورة الربيع التي اندلعت في تونس نهاية 2010، تحولت ثلاث دول إلى الدخول في حروب أهلية، هي (سورية، وليبيا، واليمن) بل بعضها تحول إلى حروب تشارك فيها دول كبرى مثل أميركا وروسيا، كما تورطت بعض دول المنطقة في الحرب بهذه الدول الثلاث.
وبالتالي أصبحت السياحة بهذه الدول الثلاث شبه منتهية، وتحول الكثير من سكان هذه الدول إلى نازحين بداخلها، هرباً من نيران الحروب، وكذلك خرج عدد آخر تجاوز بضعة ملايين كلاجئين في الدول المجاورة، أو باقي دول العالم.
ولازالت مصر وتونس تعولان بشكل كبير على قطاع السياحة، إلا أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، تحول دون استعادة هاتين الدولتين نشاط السياحة على الوجه المأمول، وفي ضوء ما نشرته منظمة السياحة العالمية تحت عنوان (إطلالة على السياحة العالمية 2016)، يتضح أن السياحة من حيث عدد السائحين والعائدات السياحية تراجعت بمعدلات كبيرة في دول الربيع العربي.
وتأثرت عوائد السياحة في مصر وتونس بشكل كبير، ففي عام 2010 بلغت الإيرادات السياحية في مصر وتونس على التوالي 12.5 مليار دولار و2.6 مليار دولار، بينما في عام 2015، لم تتعد الايرادات المصرية 6 مليارات دولار، أي أقل من 50% مما كانت عليه عام 2010، وكذلك في تونس بلغت الإيرادات 1.3 مليار دولار، بانخفاض بلغت نسبته 50% أيضا عما كانت عليه في 2010.
ونفس التراجع يظهر في عدد السائحين الوافدين، فبعد 12.5 مليون سائح بمصر في 2010، تراجع العدد إلى 6 ملايين سائح في 2015، وكذلك في تونس بلغ الوافدون 5.3 ملايين في عام 2015، مقارنة بنحو 7.8 ملايين سائح في 2010.
وثمة ملاحظة مهمة على أعداد السائحين بدول الربيع العربي بعد الثورة، وبخاصة في مصر وتونس، حيث لجأ عدد كبير من الليبيين والسوريين واليمنيين إلى مصر واستقروا بها، ولكن نظراً لدخولهم البلاد بتأشيرات سياحية فهم في عداد السائحين. والأمر نفسه بالنسبة لتونس، حيث هاجر إليها عدد كبير من الليبيين واستقروا بها بحكم الجوار الجغرافي. وبالتالي فالأعداد الحقيقية للسائحين في مصر وتونس لا تعبر عن الواقع الحقيقي، حيث إنها مبالغ فيها.
ولا تظهر في الأفق ملامح لانتهاء الحرب في ليبيا وسورية واليمن، وبالتالي الحديث عن السياحة في هذه الدول هو حديث غير واضح المعالم، وحتى لو تحقق السيناريو المتفائل بانتهاء الحرب بهذه الدول، فأمامها على الأقل 5 سنوات لتنفيذ برامج إعادة الإعمار، وتشغيل المؤسسات السياحية.
أما مصر وتونس، فقضية السياحة فيهما مختلفة، ولكن يلزمهما استقرار سياسي وأمني، حيث تعرضت منشآت سياحية بهما لاعتداءات مسلحة، كما أن مصر نُفذ بها تفجير لطائرة ركاب روسية نهاية 2015، وكذلك طائرة أخرى لشركة مصر للطيران تم تفجيرها في الأجواء المصرية أثناء عودتها من باريس، مما أشاع أجواء من الخوف وإلغاء الكثير من الرحلات السياحية، وبخاصة القادمة من أوروبا وأميركا والتي تشكل عصب السياحة المصرية وبخاصة خلال الموسم الشتوي.
أما تونس فقد شهدت شواطئها تفجيرات واعتداءات أودت بحياة بعض السائحين، كما تنفذ بعض التفجيرات في أماكن مختلفة، مما أدى إلى هروب السياحة بشكل كبير من تونس، والتي تشكل عصبها السياحة الوافدة من دول الاتحاد الأوروبي.
وإذا ما صحت التوقعات حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط ككل، بأنها لن تشهد استقرارا قبل عشر سنوات، فإن قطاع السياحة في تونس ومصر سوف ينتظره نفس السيناريو المتشائم، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية السلبية التي تمر بها منطقة الخليج، فهي مؤثرة بلا شك على مستقبل السياحة في تونس ومصر، فكلتا الدولتين عولت على السياحة الخليجية وكذلك السياحة الداخلية لتعويض الخسائر داخل قطاع السياحة بسبب توقف أو التراجع الكبير بالسياحة الغربية.
وثمة إشارة مهمة لابد من تناولها هنا فيما يتعلق بالتعويل على السياحة الداخلية، فهي استراتيجية إعلامية في كل من مصر وتونس، وليس لها نصيب من الواقع، حيث يفتقد السكان أصلًا للدخل اللازم لاحتياجاتهم الأساسية، وبالتالي لن تكون السياحة ضمن أولوياتهم.
الأمر الثاني والمهم، أن ثقافة منظومة السياحة في مصر وتونس لم تأخذ في حسبانها السائح المحلي، وهو غير مرحب به في المؤسسات السياحية.
ولكن لابد من الإشارة إلى أن أزمة السياحة بعد ثورات الربيع العربي كشفت عن مدى هشاشة تجربة التنمية في دول الربيع العربي، وبخاصة في مصر وتونس، وإن اقتصادهما يعتمد على الريع، وتزيد فيه معدلات التبعية للخارج، وهو ما يستوجب إعادة النظر في التجربة التنموية برمتها في دول المنطقة.