مصر قد تكون من أكثر الدول تضررًا من تصاعد الحرب التجارية عالميًا، لما سينتج من هذه الحرب من أثر سلبي على حركة التجارة العالمية، التي تمر من قناة السويس.
منذ قرابة شهرين والعالم يتنفس الصعداء من الصراع الأمريكي الصيني، حول الإجراءات الحمائية، إذ بدأ ترامب بإعلانه ضرائب جمركية على مجموعة من الدول أبرزهم الاتحاد الأوربي والصين واليابان.
وبلغ عدد السلع الصينية التي فرضت عليها أمريكا ضرائب جمركية نحو 1300 سلعة، لتجني أمريكا نحو 50 مليار دولار من هذا الإجراء، وهو ما جعل الصين ترد بإجراء مماثل بفرض رسوم جمركية على نحو 128 سلعة أمريكية، لتحقق نفس المقدار من الضرائب الجمركية التي استهدفتها أمريكا (50 مليار دولار)، وثمة مخاوف من أن تسود الإجراءات الحمائية السوق العالمية، مما سيؤثر على معدلات النمو، وكذلك زيادة أعداد العاطلين.
وهناك حالة من القلق تنتاب الجميع من هذه الحرب التجارية التي اتخذت أولى خطواتها بين أمريكا والصين. ولكن ما موقف العرب من قضية حماية التجارة والتداعيات السلبية للحرب التجارية؟
الواقع يوضح أن العرب كتجمع إقليمي لا تضمه قوة جماعية تجاه تجارته مع العالم، سواء مع الكيانات الكبرى مثل الاتحاد الأوربي، أو الدول الصاعدة أو أمريكا، وتتم التجارة الخارجية للدول العربية بشكل فردي لكل قطر. والجدير بالذكر أن منظمة التجارة العالمية إبان نشأتها في مطلع عام 1995، رفضت تمثيل الجامعة العربية ولو بصفة مراقب، في حين يمثل الاتحاد الأوربي بعضوية كاملة في المنظمة.
وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2017، بلغت التجارة السلعية للدول العربية في 2016 نحو 1.5 تريليون دولار متراجعة عن أداء عام 2015 الذي بلغ فيه حجم التجارة العربية 1.7 تريليون دولار. كما يوضح التقرير أن الصادرات العربية تمثل نسبة 4.7% من إجمالي صادرات العالم، وكذلك الواردات العربية تمثل نسبة 4.6% من إجمالي الواردات العالمية.
ولم تعلن أي دولة عربية تضررها من الإجراءات التي أعلنتها أمريكا بفرض الضرائب الجمركية الجديدة باستثناء مصر، التى أعلن رئيس جهاز مكافحة الإغراق بها ابراهيم السجيني عن تقديم التماس لاستثناء مصر من فرض هذه الضرائب على واردات أمريكا من الصلب المصري البالغ نحو 100 مليون دولار سنويًا، وهو ما يمثل نسبة 0.5% من واردات أمريكا من الصلب التي تصل إلى نحو 34 مليار دولار. وكما يبدو من الأرقام فصادرات مصر من الصلب لأمريكا هزيلة، ومع ذلك لم يعلن من قبل أمريكا استثناء أي دولة من الرسوم الجمركية سوى المكسيك وكندا، وبالتالي سوف تخضع صادرات الصلب المصرية لأمريكا للضرائب الجمركية الجديدة، وهو ما سيكون له أثرًا سلبيًا على الصادرات المصرية المتواضعة، والتي تعاني من معوقات كثيرة منذ الانقلاب العسكري في 2013.
يغيب تأثير التجارة العربية على التجارة العالمية، بسبب ضعف الإنتاجي السلعي العربي، وسيطرة المواد الخام والسلع التقليدية على الصادرات، إذ تمثل صادرات الوقود وحدها في عام 2016 نحو 58.7% من إجمالي الصادرات السلعية العربية.
وبطبيعة الأوضاع الاقتصادية للدول النفطية العربية، فإنها تفقد سيطرتها على أن تكون صاحبة قرار في ضخ أو منع صادراتها النفطية، لما تمثله من أهمية قصوى في إجمالي الإيرادات العامة، فضلًا عن حالة النزاع المسلح الذي تعيشه غالبية الدول النفطية العربية (ليبيا، العراق، السعودية، الإمارات، البحرين) وكذلك حالة التنافس بين الدول العربية على الإنفاق على التسليح، إذ احتلت السعودية المرتبة الثانية على مستوى العالم في واردات السلاح عام 2017، وتبعتها مصر في المرتبة الثالثة، والإمارات في المرتبة الرابعة.
كما يدفع العرب الآن ثمن فشل مشروعهم في التكامل الاقتصادي، فلم ينجحوا في تحقيق منطقة التجارة الحرة أو الاتحاد الجمركي، ليقيهم من مخاطر الحرب التجارية، وحتى على مستوى الدائرة الأصغر في مجلس التعاون الخليجي فشلت هذه الإجراءات، لتواجه كل دولة عربية مصيرها التجاري في ظل هذا الصراع العالمي بشكل منفرد.
إذا ما استمرت الإجراءات بين أمريكا والصين، فيما يتعلق بفرض ضرائب جمركية، وانضم إليهم دول أخرى، فسوف تكون النتيجة الطبيعية انخفاض معدلات استهلاك الوقود، وبالتالي تراجع معدلات استيراد النفط العربي، وبالتالي تراجع الأسعار في السوق الدولية، وهو ما سيؤثر بالسلب على الموازنات العامة للدول النفطية العربية، ويؤدي كذلك لاستمرار سياسة التوسع في الديون العامة، وستكون برامج التقشف المطبقة في إطار الاصلاح الاقتصادي أشد تأثيرًا على الطبقات الدنيا في الدول النفطية، وبخاصة في الجزائر والسعودية.
ومن الصعوبة بمكان أن نفرط في الأمل فيما يتعلق بأن تجمع هذه الأزمة الدول العربية لتنسق فيما بينها تجاريًا تجاه باقي دول العالم، فالواقع شديد القتامة، حيث الصراعات المسلحة تنسف أي مجال للتعاون، ومن باب أولى أن توقف الدول العربية نزاعاتها المسلحة، ثم تنصرف بعد ذلك للتنسيق فيما بينها تجاريًا.
وعلى صعيد الدول غير النفطية، فإن مصر قد تكون من أكثر الدول تضررًا من تصاعد الحرب التجارية عالميًا، لما سينتج من هذه الحرب من أثر سلبي على حركة التجارة العالمية، التي تمر من قناة السويس، والجدير بالذكر أن إيرادات قناة السويس متراجعة منذ عام 2014، وكانت مصر تأمل أن تزيد إيرادات القناة بعد مشروع التوسعة الذي استنزف نحو 8 مليارات دولار، ولكن حدث العكس وتراجعت إيرادات القناة، في الوقت الذي تتوسع فيه مصر في ديونها الخارجية بشكل كبير، حتى تجاوز الدين الخارجي 82 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2017.