أصبح العرب عالة على غيرهم في أمور لا تتطلب قدرا كبيرا من التكنولوجيا المتقدمة، فإحدى الصحف العربية نشرت مؤخراً خبراً عن مشروع "قطار العاصمة" في السعودية، وأنه بُدئ بتصنيع 470 عربة قطار في ثلاث شركات عالمية لمصلحة المشروع.
قلت لعل من بين الشركات واحدة عربية، أو إحدى شركات الاستثمارات العربية البينية، أو قد يكون اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، عقد "كونسرتيوم" للفوز بالصفقة، لكن للأسف، نجد أن تصريحات المسؤولين عن المشروع خيبت ظني، فإذا بالشركات الثلاث أوروبية، وهي (سيمنس، بومباردييه، آلستوم).
عدت إلى التقرير الاقتصادي العربي الموحد لأرى مساهمة القطاع الصناعي العربي، فوجدت أن القطاع حقق في عام 2013 قيمة مضافة بحدود 1.2 تريليون دولار، وأنه يساهم في الناتج الإجمالي العربي بنسبة 46.5%، فقلت إنه أداء رائع.
ولكن للأسف، وكما يقولون "الشيطان يكمن في التفاصيل"، فمساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي البالغة 46.5%، كان نصيب الصناعات الاستخراجية منها 37.2%، والتحويلية 9.2%. وبالنظر لمضمون السلع الصناعية الرئيسة للصناعات التحويلية العربية، نجد أنها تضم الحديد والإسمنت والأسمدة والألمنيوم والبتروكيماويات.
قلت من حق الشركات الأوروبية أن تستحوذ على عربات مشروع "قطار العاصمة" وغيره من المنتجات الصناعية، فلم أجد من بين الصناعات التي تضمنها التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014 أية إشارة إلى مساهمة عربية في مجالات الآلات ووسائل النقل، أو صناعة السيارات أو القطارات أو الطائرات.
وعلى ما يبدو فإن القائمين على أمر الصناعات العربية ما زالوا يعيشون في فترة الخمسينيات، أو على أحسن تقدير في الستينيات من القرن العشرين، أو أنهم اكتفوا بأن تسكن المنطقة الصناعات الملوثة وكثيفة استخدام الطاقة، من حديد وإسمنت وأسمدة وألمنيوم وبتروكيماويات.
هل تساءل أحد من الشعوب أو الحكومات، عن مسؤولية مؤسسات العمل العربي المشترك، وغيرها من المؤسسات العاملة في قطاع الصناعة، عن هذا التخلف والتراجع في قطاع يعدّ من سمات وأركان الحضارة في القرن الواحد والعشرين؟
لا أقصد أن الصناعة تكمن في تصنيع عربات القطار، ولكن الصناعة التي تعددت مراحل ثوراتها، لتصل بنا إلى ثورة المعلومات والاتصالات، لتكوّن حلقات متصلة من العلم والتكنولوجيا.
لقد بدأت خدمة السكك الحديدية في العالم العربي في القرن التاسع عشر لخدمة الاستعمار، ومع تحرر المنطقة ظلت هذه الصناعة أسيرة الاحتكار الغربي، ولم يطور فيها العرب شيئاً، للأسف.