عضوية السعودية والإمارات في بريكس: دلالات ونتائج
سيكون من الصعب على دول الخليج أن تتكيف أو أن توفق أوضاعها في إطار وحدة نقدية لتجمع بريكس.
الانضمام إلى تجمع بريكس، لا يترتب عليه التزام معين على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فلا توجد أدنى اتفاقيات اقتصادية ملزمة.
لم تنجح دول الخليج على مستوى تجربتها في تجمع مجلس التعاون الخليجي في أن يكون لها عملة موحدة أو التوافق على بعث بنك مركزي خليجي موحد.
تبقى عضوية منظمة التجارة الدولية جامعًا للسعودية والإمارات ودول بريكس، فجميعهم أعضاء فيها وينتظم الجميع في ما تفرضه عضوية المنظمة من التزامات.
تسعى الدول لنيل عضوية المنظمات الإقليمية والدولية دون التفات للعائد منها، خاصة إذا لم تشترط العضوية التزامات. وتبدو عضوية السعودية والإمارات في البريكس قريبة من هذا.
* * *
عُقدت قمة بريكس الخامسة عشر في جنوب أفريقيا خلال الفترة الممتدة بين 22 – 24 أغسطس/آب 2023، وسط أجواء سياسية واقتصادية مضطربة يشتد فيها الصراع الصيني الأميركي وبخاصة فيما يتعلق وحجب التكنولوجيا الأميركية عن الصين رغم زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لبكين مؤخرًا وتصريحاتها التي توحي برغبة في تهدئة الأمور بين البلدين.
تتصدر البيانات الاقتصادية السلبية عن الصين معظم منصات الأخبار، وبخاصة مديونية شركاتها العقارية الكبرى، كما تستمر الحرب الروسية على أوكرانيا في ظل مساندة الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا لأوكرانيا بشكل وازن، وسعيهم لفرض المزيد من العقوبات على روسيا.
بلا شك، لتلك الأحدث تأثيرها على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وعلى الاقتصاد الخليجي بالضرورة، نظرًا للأثر الواضح على أسعار النفط في السوق الدولية، حيث يمثل النفط شريان الحياة للاقتصاديات الخليجية.
في يوليو/ تموز 2023، صرّح أنيل سوكلال، مندوب جنوب أفريقيا في بريكس، بأن 22 دولة تواصلت رسميًا مع دول بريكس لتصبح عضوًا بشكل كامل، وأتى البيان الختامي للقمة ليعلن عن دعوة التكتل لست دول للانضمام للمجموعة في يناير 2024، وهي السعودية والإمارات والأرجنتين ومصر واثيوبيا وإيران.
يأتي سعي كل من السعودية والإمارات للانضمام إلى تجمع بريكس لما يمتلكه التجمع من قوة اقتصادية أصبحت توضع في مواجهة مجموعة السبع الصناعية، لينصب في إطار الآمال المعقودة على إحداث تغيرات في قواعد النظام الاقتصادي العالمي، وليكون أمامنا نظام جديد على صعيد القوى الاقتصادية، وكذلك المبادئ والقواعد الحاكمة للمعاملات التجارية والاقتصادية بين مختلف دول العالم.
لكن إذا ما نظرنا إلى مؤشرات القوى الاقتصادية بين السعودية والإمارات ومؤشرات دول البريكس الحالية، سنجد فوراق كبيرة، أهم تلك المؤشرات هو الناتج المحلي الإجمالي، وباستثناء جنوب افريقيا، يفوق الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس الأربعة الأخرى، كلٌ على حدا، الناتج المحلي الإجمالي للسعودية والإمارات، وذلك حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2022.
فمثلا، يبلغ الناتج المحلي للبرازيل 1.9 تريليون دولار في عام 2022، بينما يبلغ الناتج المحلي للسعودية والإمارات مجتمعتين 1.6 تريليون دولار، وبالتالي، حتى إن كان انضمام السعودية والإمارات لتجمع بريكس سيكون إضافة للتجمع إلا أن أيًا من الدولتين لن يكونا قوة ضاربة.
من جانب آخر، القول بأن السعودية والإمارات مع كونهما دولًا نفطية فيمكنهما بالنتيجة إحداث مزيد من التعاون في ملف الطاقة داخل التجمع، فإن ذلك على ما يبدو هو تحصيل حاصل، إذ يضم تجمع "أوبك بلس" أكثر من دولة خليجية، بالإضافة إلى روسيا، ويلاحظ أن دور وتأثير "أوبك+” في تراجع على مدى الشهور الأخيرة من هذا العام، وذلك بعد أن استعادت الدول المستهلكة للنفط زمام التحكم في السوق وأصبح النفط في إطار يتناسب مع اقتصاديات الدول المستهلكة والمستوردة له في أوروبا وآسيا.
تناولت مناقشات بريكس في جنوب أفريقيا ضرورة التوسع في توسيط العملات المحلية في التجارة البينية للدول الأعضاء دون اتخاذ أي قرار بشأن إصدار عملة موحدة للتجمع. وكانت بعض وسائل الإعلام الروسية قد ألمحت إلى أنه سيتخذ قرار بشأن عملة البريكس الموحدة في قمة جنوب افريقيا 2023، إلا أنها تراجعت بعد ذلك وأفادت بأن الأمر مطروح للنقاش والدراسة.
بلا شك، إن تفكير بريكس في عملة موحدة هدف وأمر مشروع في إطار ما يسببه النظام النقدي العالمي الحالي من مشكلات لاقتصاديات الدول أجمع، وبخاصة من جانب الدولار والسياسات المالية والنقدية للولايات المتحدة. والسؤال هو، هل سيكون من المناسب أن تقبل دول الخليج المشاركة في عملة بريكس الموحدة حال التفكير في اتخاذ قرار بشأنها؟
لم تنجح دول الخليج على مستوى تجربتها في تجمع مجلس التعاون الخليجي في أن يكون لها عملة موحدة أو التوافق على بعث بنك مركزي خليجي موحد. سيكون من الصعب على دول الخليج أن تتكيف أو أن توفق أوضاعها في إطار وحدة نقدية لتجمع بريكس.
المعلوم أن الوحدة النقدية لأية تجمع أو تكتل اقتصادي تأتي بعد خطوات اقتصادية تمهيدية، منها خلق منطقة تجارة تفضيلية ومناطق تجارة حرة ثم اتحاد جمركي ثم سوق مشتركة ثم اتحاد اقتصادي، وهي المرحلة التي تصدر فيها العملة الموحدة.
يعكس الواقع حالة من التعاون القائمة ما بين السعودية والإمارات وبعض دول بريكس بشكل جيد، مثل الصين والهند على وجه التحديد فيما يخص استيراد الصين والهند للنفط من هاتين الدولتين، كما أن حجم التبادل التجاري للصين والهند مع تلك الدول ملحوظ.
وفي ضوء المتاح من احصاءات رسمية لمركز الاحصاء لدول مجلس التعاون الخليجي، بلغت صادرات دول الخليج الست للصين في عام 2021 نحو 130 مليار دولار، كما بلغت وارداتها السلعية من الصين في نفس العام 98.3 مليار دولار. أما الهند فيؤكد ذات المصدر ولنفس العام، أن الصادرات السلعية لدول مجلس التعاون الخليجي للهند بلغت 93.2 مليار دولار، فيما بلغت وارداتها السلعية من الهند نحو 35.8 مليار دولار. وتعد الصين والهند أكبر دولتين من بين دول بريكس تعاملاً مع دول الخليج من حيث المعاملات التجارية والاقتصادية.
ويتراجع حجم التبادل التجاري بشكل كبير لدول مجلس التعاون الخليجي مع جنوب أفريقيا، فبلغت صادرات الخليج السلعية للأخيرة في عام 2021 نحو 7.4 مليار دولار، وبلغت وارداتها من جنوب افريقيا نحو 5.7 مليار دولار.
يلاحظ أن الانضمام إلى تجمع البريكس، لا يترتب عليه التزام معين على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فلا توجد أدنى اتفاقيات اقتصادية ملزمة، ويبقى إطار عضوية منظمة التجارة الدولية جامعًا للسعودية والإمارات ودول البريكس، فجميعهم أعضاء في منظمة التجارة العالمية وينتظم الجميع في ما تفرضه عضوية المنظمة من التزامات.
تبدو علاقة كل من السعودية والإمارات مع روسيا علاقة تنافسية لكونها دولًا منتجة ومصدرة للنفط، ولا تملك روسيا ما تقدمه للدولتين الخليجيتين بخلاف بعض صفقات السلاح، بل إن التعاون الاقتصادي والتجاري لروسيا مع تلك الدول الخليجية محدود للغاية في ظل ما تعانيه روسيا من عقوبات اقتصادية.
تشير التجربة الدولية إلى سعي الدول لنيل عضوية المنظمات الإقليمية والدولية دون الالتفات إلى العائد من تلك العضوية، وبخاصة إذا كانت العضوية لا تشترط التزامات سياسية أو اقتصادية. وعليه، تبدو عضوية السعودية والإمارات في البريكس قريبة من هذا الاتجاه.