الرئيسية / العالم العربي / ضرر أردني من التقارب السعودي العراقي

ضرر أردني من التقارب السعودي العراقي

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 25-08-2017
  • 97
ضرر أردني من التقارب السعودي العراقي
  • المصدر: العربي الجديد

تتسم العلاقات الاقتصادية العربية، بغيات القواسم المشتركة، ومراعاة التداعيات السلبية الناتجة عن بعض القرارات الاقتصادية، سواء على المستوى الجمعي العربي، أو المستوى الثنائي. ولا شك في أن التداعيات السياسية التي مرت بها المنطقة العربية مؤخرًا، وخاصة في منطقة الخليج، فرضت واقعًا جديدًا لخريطة العلاقات الاقتصادية.

فبعد انقطاع دام سنوات بل عقودًا، تعاود المملكة العربية السعودية علاقاتها السياسية مع العراق، مصحوبة بتعهدات اقتصادية على الصعيدين الاستثماري والتجاري، وذلك وفق تصريح الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر، عن طلبه من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ضخ استثمارات سعودية في العراق، وخاصة في الجنوب.

وفي إطار الترجمة العملية لعودة العلاقات السعودية العراقية على الصعيد الاقتصادي، أعلن عن افتتاح معبر (عرعر) البري مع العراق، وسيتبعه افتتاح معبر بري آخر في المثنى، وهو ما يعني تحريك الماء الراكد في العلاقات التجارية والاقتصادية بين العراق والسعودية، والتي توقفت سنوات.

مظاهر تضرر الأردن


في إطار الترجمة العملية لعدم مراعاة القواسم والمصالح المشتركة في إطار العلاقة العربية، سوف تتأثر بشدة العلاقات التجارية للأردن مع العراق، نتيجة عودة العلاقات التجارية والاقتصادية مع السعودية، خصوصًا أن الصادرات الأردنية خلال عام 2016 تأثرت سلباً مع العراق، حيث وصلت إلى 333 مليون دينار أردني (470 مليون دولار)، بعد أن كانت 493.1 مليون دينار (696 مليون دولار) في عام 2015.

وحسب تقرير غرفة تجارة عمان، فإن الصادرات الأردنية للعراق تراجعت بنحو 160 مليون دينار (226 مليون دولار)، وبنسبة تقدر بنحو 32.4% بين عامي 2015 و2016.


"الأردن تضرر من قرارات الدول المحاصرة لقطر حيث توقفت الصادرات براً مما اضطره إلى شحن صادراته الغذائية والزراعية جواً"


ولا تعتبر خسارة الأردن على الصعيد الاقتصادي، في عودة العلاقة السعودية العراقية، الوحيدة، بل إن الأردن تضرر كذلك من قرارات الدول المحاصرة لقطر، إذ توقفت الصادرات الأردنية عبر المسار البري، مما اضطر الأردن إلى شحن صادراته الغذائية والزراعية لقطر جوًا.

وفي إطار المعلن، فإن الأردن لم يكن ضمن مسارات قطر البديلة للمنتجات السعودية والإماراتية، ولكن تم التوجه إلى تركيا وإيران.

ولا شك في أن أزمة حصار قطر سوف تلقي بظلالها السلبية على العلاقات الأردنية القطرية، من حيث تراجع قيمة التبادل التجاري، وستكون الخسارة أكبر على الجانب الأردني، بسبب أن قطر قد تجد بديل الواردات الأردنية بسهولة، وتتمثل في المنتجات النباتية من خضروات وفواكه، وأجهزة كهربائية، ومنتجات حيوانية.

كما ستتضرر الصناعة الأردنية من إيقاف أو تأخر وارداتها من قطر، والتي تعتبر مدخلات مهمة للقطاع الصناعي الأردني، حيث تستورد الأردن من قطر، مواد معدنية ونفطية، وكذلك اللدائن البلاستيكية.

وحسب بيانات النشرة الإحصائية الفصلية لمصرف قطر المركزي (يونيو/حزيران 2017) فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 1.3 مليار ريال قطري في 2016 (356 مليون دولار)، وإن كان الميزان التجاري يميل لصالح قطر بشكل عام من خلال تتبع الفترة من 2012 – 2016، فعلى سبيل المثال حققت قطر فائضاً بنحو 338 مليون ريال قطري (92.6 مليون دولار) في عام 2016.

ويرجع سبب ميل الميزان التجاري بين البلدين لتحقيق فائض لصالح قطر، كون الأردن من البلدان الفقيرة نفطيًا، وتعتمد على توفير احتياجاتها بشكل كبير على الاستيراد. ويتوقع أن تسفر نتائج أعمال 2017 للعلاقات التجارية القطرية الأردنية عن تراجع كبير في حجم التبادل التجاري، قد يصل إلى أكثر من نسبة 50% مما كان عليه في عام 2016.

منافسة السعودية للأردن


عودة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين السعودية والعراق، سوف يعود بأكثر من فائدة على الصعيد الاقتصادي للسعودية، وفي نفس الوقت يضر بالأردن، فعودة العلاقات السعودية العراقية أتت في سياقات سياسية لها أكثر من تفسير، من بينها تضييق الخناق على قطر، عبر عودة العلاقات مع إيران من خلال القنوات العراقية، وهو ما أعلنه وزير الداخلية العراقي محمد الأعرجي، من أن الرياض طلبت منهم الوساطة لدى إيران.

ومن ناحية أخرى سوف تجد السعودية في السوق العراقي، تعويضاً لها عما فقدته من السوق القطري، وبلا شك لا توجد مقارنة بين السوقين، فالمقارنة لصالح السوق العراقي من حيث عدد السكان الذي قدر بنهاية 2015 بنحو 35 مليون نسمة.

وهنا ستجد المنتجات الأردنية منافسة قوية من المنتجات السعودية، وبخاصة أن البلدين ينتجان سلعة متنافسة، بمعنى أن كلاً من السعودية والأردن ينتجان ما يصدر للعراق من أدوية أو منتجات زراعية وغذائية، أو منتجات صناعية تقليدية، ولا تتميز أي منهما بوجود ميزة تنافسية صناعية أو إنتاج التكنولوجيا.

فوفق البيانات الخاصة بالهيئة العامة للإحصاء السعودية تأتي العراق في مرتبة متأخرة في حيز اهتمام التجارة الخارجية للسعودية، على مدار الفترة من 2007 – 2016، ففي عام 2016 أتت العراق في المرتبة 36 في الدول المستقبلة للصادرات السعودية، بحجم صادرات للعراق بلغ 2.2 مليار ريال سعودي (586 مليون دولار).

بينما على صعيد الواردات من العراق، نجد أن العراق تحل في المرتبة 99 في قائمة الدول المصدرة للسعودية، وتبلغ واردات السعودية من العراق في عام 2016 نحو 23 مليون ريال سعودي فقط.


"عودة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين السعودية والعراق، سوف يعود بأكثر من فائدة على الاقتصاد السعودي ما يضر بالأردن"


ومن هنا نجد أن الميزان التجاري يحقق فائضاً كبيراً لمصلحة السعودية، وتتمثل الصادرات السعودية في المواد الغذائية، والألمنيوم ومصنوعاته واللدائن ومصنوعاتها.

وتعود حاجة العراق للواردات السعودية من المنتجات الزراعية والغذائية، لما أصاب أراضيه الزراعية وأنهاره من تلوث نتيجة الحرب بعد احتلاله من قبل أميركا وبريطانيا في عام 2003، وكذلك الحرب الأهلية التي يعيشها العراق منذ سنوات.

دعم مطلوب


كما ذكرنا من قبل فإن العلاقات العربية البينية، يجب أن تبنى على قواعد صحيحة تراعي المصالح المتبادلة، فدولة مثل الأردن تعاني من مشكلات اقتصادية، ويعتمد اقتصادها على المساعدات وأنشطة الخدمات، سيكون من الصعب أن تضيق عليها السعودية في مسارين مختلفين في ما يتعلق بصادراتها السلعية، سواء لقطر عبر الحصار الذي تساهم في السعودية مع دول خليجية وعربية، أو من الدخول للسوق العراقي، ومنافسة السلع الأردنية.

وليس بالضرورة أن يتم دفع تعويض أو دعم مادي من قبل السعودية للأردن، ولكن من خلال تنسيق، يخص الوضع في السوق العراقي، بما لا يسمح بمزاحمة الصادرات الأردنية في العراق، أو فتح مجالات لاستيعاب المنتجات الأردنية في السوق السعودي نفسه كسوق بديل، يعوض الأردن عن صادراته سواء لقطر أو للعراق.

وهنا لابد من أن الأمر يجب ألا يكون مرهوناً بظروف محددة، ولكن لابد أن يكون قاعدة عامة، فقد تصل الدول الخليجية والعربية إلى حل لأزمة حصار قطر، وتعاود الصادرات الأردنية طريقها مرة أخرى إلى قطر، ولكن تبقى قضية الحضور الأردني في السوق العراقي، وخاصة أن الاقتصاد الأردني يتضرر من عوامل أخرى تتعلق بالصراع العربي في المنطقة، مثل المهاجرين السوريين، وحتى المهاجرين العراقيين، الذين يوجدون في الأردن عبر أزمات العراق المتكررة، والتي كان آخرها أزمة 2003، أو مواجهات تنظيم "داعش".