الرئيسية / العالم العربي / رواج الصكوك الإسلامية يجني الأجانب ثماره

رواج الصكوك الإسلامية يجني الأجانب ثماره

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 15-08-2007
  • 118
رواج الصكوك الإسلامية يجني الأجانب ثماره
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

حملت وسائل الإعلام مؤخرا خبر تزايد معدلات إصدار الصكوك الإسلامية 

خلال النصف الأول من عام 2007، حيث بلغت مبيعاتها نحو 24.5 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2007، بما يمثل زيادة قدرها 75% عما تحقق خلال نفس الفترة من العام الماضي. كما زادت إصدارات الحكومات للصكوك بمعدل 6 أمثال مستوياتها خلال نفس الفترة وبما يعادل 4.4 مليارات دولار.

بلغت مبيعات الصكوك الإسلامية خلال السنوات الثلاث الماضية 40 مليار دولار، وتتوقع دراسة منشورة بالموقع الإلكتروني للبنك الدولي أن يصل حجم هذه الصكوك إلى 3 تريليونات دولار في عام 2015. وهو إن كان رقم يعتد به بالنسبة للصكوك الإسلامية إلا أنه يعد صغيرا مقارنة بحجم السندات التقليدية على مستوى العالم.

وبرغم ما يشهده الاقتصاد العالمي مؤخرا من انتكاسات في أسواقه المالية، وكذلك حالة الركود التي تعتري الاقتصاد الأمريكي، وما يعكسه ذلك من مخاوف على اقتصاديات العديد من بلدان العالم، فإننا نجد أن الصكوك الإسلامية تحقق معدلات مرتفعة في حجم إصدارها وانتشارها، ليس فقط في السوق الإقليمية أو في البلدان العربية والإسلامية، ولكن الظاهرة بدأت تشهد إقبالا في دول غير إسلامية مثل إنجلترا واليابان.

كما أن التوظيف المالي للصكوك الإسلامية اتجه نحو علاج واحدة من المشكلات المؤرقة لكثير من البلدان، وهي قضية عجز الموازنة، ففي إنجلترا كان هدف دراسة استخدام هذه الصكوك هو علاج عجز الموازنة هناك.

والملاحظ أن تلك الزيادة بتجارة الصكوك جاءت مع معدلات نمو عالية شهدتها المصرفية الإسلامية منذ نحو 5 سنوات مضت، وفاق حجم تعاملاتها 500 مليار دولار، وحققت معدلات نمو تصل إلى 15% سنويا، ويتوقع لها أن تستمر في هذا المعدل أو يزيد، ويساعدها في ذلك عدة أمور منها:

- الطفرة البترولية المستمرة في ارتفاع أسعاره .

- إقبال غير المسلمين على أدوات التمويل الإسلامية (من أجل تنوع سلة أدواتها المالية ورغبة في تحقيق أرباح عالية مقارنة بعائد الأدوات الأخرى، وأيضا الفوز بنصيب من أسواق المال بالمنطقة) .

- وكذلك زيادة رغبة المتعاملين في البلدان الإسلامية على التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية.

وتعتبر ماليزيا هي صاحبة السبق في مجال سوق المال الإسلامي، والذي تعد الصكوك الإسلامية أحد أدواته، كما أنها أيضا كانت أول من أصدر صكوكا إسلامية، ثم تبعتها بعد ذلك بلدان الخليج، كما كانت ولاية "سكسونيا أنهالت" الألمانية أول البلدان الأوربية استعمالا للصكوك الإسلامية.

ازدهار الصيرفة الإسلامية

وتعد الصكوك الإسلامية فرصة لشرح فكرة الاستثمار الإسلامي، وأن هناك آلية أخرى للتمويل غير سعر الفائدة، تعتمد على المخاطرة والمشاركة، ويمكن تطبيقها على أرض الواقع. وهو ما كان مرفوضًا لسنوات طويلة، حيث كانت مقولة "لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير ربا" سائدة لدى العامة والمتخصصين في عالم المال. ومن باب أشمل عرض مقومات الاقتصاد الإسلامي، كرسالة مرتبطة بمنهج تنمية، ورسالة روحية ومادية.

كما أنها فرصة لتمارس البنوك الإسلامية أنشطتها بمستوى أكبر، حيث إنها تدير معظم عمليات الاكتتاب لهذه الصكوك، إذ قامت البنوك الإسلامية في الإمارات بإدارات عمليات كبيرة للاكتتاب في هذه الصكوك سواء لصالح حكومة دبي، أو لبلدان عربية وإسلامية أخرى، كما حدث في حالة السودان وباكستان. ويعد بنك دبي الإسلامي من أكبر المؤسسات المالية عالميا لإدارة عمليات الاكتتاب للصكوك الإسلامية، إذ تقدر عملياته في هذا المجال بنحو 9 مليارات دولار.

تمويل البنية التحتية

ويتوقع أن تشهد سوق الصكوك الإسلامية تطورا كبيرا خلال المرحلة القادمة، من خلال تمويلها لمشروعات البنية التحتية التي تعتزم المنطقة العربية والإسلامية إقامتها، خاصة في مجالات الطاقة والبنية الأساسية، على غرار ما حدث لتمويل مطار دبي بمليار دولار، ومواني دبي بـ3.5 مليارات دولار والحكومة القطرية 700 مليون دولار. وتقدر مثلا مساهمة الصكوك في تمويل مجالات الطاقة لكل من قطر والكويت بحلول عام 2010 بنحو 60 مليار دولار، و64 مليار دولار على التوالي.

كما تشهد السوق السعودية تطورا في هذا المجال. إلا أن الملاحظ أن معظمها موجه لتمويل العقارات، وتأجير الطائرات، وأسواق الأسهم، وبعض مشاريع الطاقة والبنى الأساسية. وهو الأمر الذي يجعل المواطن العربي والمسلم لا يشعر بمردود أو استخدام هذه الصكوك من عدمه، فمثلا العقارات التي تم تمويلها عبر هذه الصكوك هي أبراج وفنادق ومؤسسات سياحية، بينما عموم المواطنين في العالم العربي والإسلامي يعانون من أزمات إسكان خانقة. ويودون لو كان هناك انعكاس لهذه الأرقام وهذه النجاحات على مستوى معيشتهم.

انخفاض التضخم وارتفاع الفائدة

 وسوف تشجع الحكومات العربية خاصة الخليجية منها عمليات الاكتتاب في إصدارات الصكوك الإسلامية، باعتبارها بابا من أبواب امتصاص السيولة المرتفعة والتي تعاني منها معظم بنوك المنطقة، وبذلك يتم تخفيف حدة التضخم التي تعاني من ارتفاعها معظم البلدان العربية، خاصة الدول الخليجية. كما يساعد هذا الأمر من باب آخر صانع السياسة النقدية في دول المنطقة للتخفف من ضغوط ارتباط العملات المحلية بالدولار، بعد حالة التراجع للدولار في الاقتصاد العالمي على مدار السنوات الماضية.

ومن الملاحظ أن الصكوك الإسلامية تحقق معدلات ربح أعلى من أسعار الفائدة الموجودة في السوق العالمية، حيث يزداد العائد عن سعر الليبور (و هو سعر الفائدة في السوق الإنجليزية ويعتبر معدلا عالميا في احتساب الفائدة) وكذلك أسعار سندات الخزانة الأمريكية، بنحو 150 نقطة - 200 نقطة. وهو عائد يجعل المؤسسات المالية تقبل على هذه السوق رغبة في العائد المرتفع، خاصة أن لدى هذه المؤسسات مبالغ وأرصدة كبيرة تخصصها في الاستثمار في أدوات تتسم بالثبات للوفاء بالتزاماتها، خاصة بعد الاضطرابات التي تشهدها أسواق المال خاصة الأسهم. وهذا التوجه يجعل البعض يرى أن هذه السوق سوف تشهد ارتفاعا بمعدلات عالية خلال الفترة القادمة نظرًا لصغر حجمها مقارنة بما هو متوافر لدى المؤسسات المالية من سيولة مرتفعة.

الأجانب يسيطرون

وعلى الرغم من أن الصكوك الإسلامية بدأت كإصدارات لمؤسسات ودول إسلامية فإنها غدت صيغة عالمية، ونصيب البلدان الإسلامية منها حاليا أقل بكثير من نصيب الأجانب، والذين يحصلون على نسبة 80% من إصدارات الصكوك الإسلامية، ويعتبرها البعض تقليدية لدى غير المسلمين. ويتوقع الخبراء أن تصل إصدارات الشركات الأوروبية منها خلال هذا العام 2007 نحو 200 مليار دولار.

ومن هذه التوقعات يمكننا أن نعرف مصير الأموال العربية التي تكونت من الفوائض البترولية والمستثمرة خارج أوطانها، خاصة إذا علمنا أن حجم الاستثمارات البينية العربية لا يتجاوز 40 مليار دولار.

ولكن على ما يبدو أن الصكوك الإسلامية ستخضع لنظرية الـ 80/20 التي تحكم العديد من العلاقات الاقتصادية بين الشمال والجنوب مثل التجارة والاستثمار العالميين، حيث يستحوذ الشمال على 80% بينما يكون نصيب الجنوب 20%.

ولعل هذا الأمر يدعونا للتفكير في سلوك بعض البلدان العربية وتأخرها في الاستفادة من توظيف هذه الآلية لتمويل مشروعات البنية الأساسية بها، أو أي استثمارات كبيرة أخرى، أو حتى سلوك الشركات الوطنية. فالصناديق الأوروبية والآسيوية تمتلك 80% من إصدارات الصكوك الإسلامية، ما سيجعلهم يجنون ثمارها مبكرا، ونكون نحن في انتظار تجريب الآخرين لمنتج هو من صميم ثقافتنا، ولدينا مقومات نجاحه. ولعل هذا السلوك هو ما دعا بنك دبي الإسلامي يخصص حصة لمشاركة الأجانب لا تزيد عن 40% من حجم اكتتابات الصكوك التي نظمها.

مخاوف مشروعة

وبرغم ما لتلك الصكوك من مميزات وتوقعات للانتشار فإن هناك مجموعة من المخاوف المشروعة تجاه سوق الصكوك الإسلامية، منها:

1- نقص الشفافية في بعض الإصدارات، وهو ما دعا العديد من مؤسسات الإصدار إلى الحصول على تقويم ائتماني من مؤسسات التقويم العالمية وذلك لتقليل المخاطر والمخاوف للاكتتاب في بعض الإصدارات.

2- أيضا لم يتوافر بعد مناخ تشريعي ينظم عمل هذه الإصدارات وتوحيدها، وخاصة الاختلافات الشرعية التي تظهر بين وقت وآخر حول شرعية بعض الصكوك. وهو الأمر المعروف في تجربة البنوك الإسلامية بوجه عام.

3- عدم وجود سوق ثانوية، ما يجعل تداول هذه الصكوك بين مجموعة محدودة من المؤسسات المالية وبعض الشركات والأفراد، وهناك مجموعة من الأسباب تؤدي إلى عدم وجود سوق ثانوية لهذه الصكوك منها: قلة عدد الصكوك المطروحة، وكذلك رغبة حائزي الصكوك في الاحتفاظ بها باعتبارها تدر عائدا مضمونا، وعدم وجود بديل لها في السوق.

فإذا أرادت البلدان العربية والإسلامية أن توظف الصكوك لصالح اقتصادياتها، كما حدث في ماليزيا مثلا، فعليها أن توفر مقومات نجاحها من خلال وجود شفافية كاملة في عمليات الطرح، وأن يكون مناخ الاستثمار بها مستوفيا لمعايير التقويم التي تتيحها المؤسسات العالمية، وأيضا أن تستوفي شروط الائتمان وثقة المكتتبين في أداء هذه الاقتصاديات.