تراجعت أسعار النفط في الأسواق العالمية، أمس، أكثر من دولار، بعد مكاسب حادة سجلتها في الجلسة السابقة مع انحسار المخاوف من تعطل الإمدادات؛ بسبب الضربات الجوية التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن.
وبلغ سعر مزيج برنت نحو 58.19 دولاراً للبرميل، بعد أن اقترب من 60 دولاراً الخميس،
مسجلاً أكبر مكاسبه اليومية في شهر؛ مع شن السعودية وحلفائها العرب ضربات جوية في اليمن ضد جماعة الحوثي المسلحة، التي استولت على السلطة بالقوة.
وبينما يرى مصرف جولدمان ساكس الأميركي، أن الضربات الجوية في اليمن، لن يكون لها تأثير يذكر على إمدادات المعروض النفطي، إلا أن سيناريو الحرب بملامحه غير المحددة إلى الآن، يجعل السيناريوهات الخاصة بأسعار النفط مفتوحة على مصراعيها.
وتثور تساؤلات حول إذا ما كانت الحرب ستتوقف عند هذه الضربات الجوية، أم ستمتد من حيث الزمن وتنوع التدخل العسكري للحسم البري، كما هل سيلجأ الحوثيون لاستهداف آبار النفط الخليجية ردا على استهدافهم؟
فتوسع دائرة الحرب، سيؤدي بلا شك إلى حالة من عدم الاستقرار بالمنطقة، بما يتوقع معه عدم الاطمئنان على إمدادات النفط من منطقة الخليج وإيران إلى باقي دول العالم، وإن كان السيناريو المحسوم به، أن استمرار الحرب سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مما سيربك حسابات دول أخرى اقتصادياً، وبخاصة تلك التي توقعت أن يستمر انخفاض الأسعار لفترة طويلة.
إننا إزاء مشهد مركب لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد ضربات جوية لفترة محدودة، ولكنه حدث سوف يلقي بظلاله على العديد من الدول النفطية، فقد أعلنت مؤسسة النفط الكويتية عن اتخاذها إجراءات تأمين منشآتها النفطية في الداخل والخارج، وبخاصة ما يتعلق بالجانب الأمني.
فدلالات هذا التصرف تعكس حالة من الترقب لردود أعمال مفتوحة، قد تشهد أعمال تفجير داخل مؤسسات النفط الخليجية في الكويت، وغيرها من الدول المشاركة في تحالف الحرب على الحوثيين.
وبلا شك فإن باقي دول الخليج بخلاف الكويت، قد تكون اتخذت إجراءات مماثلة من ناحية تأمين المنشآت النفطية، ولكن بتوقع أسوأ السيناريوهات بدخول هذه الآلية في الصراع، فإننا أمام سبب مقبول ومقنع يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية.
لكن المؤكد أن الحرب ستفرض العديد من التحديات على السعودية وبقية دول الخليج، سواء خاصة ما يتعلق بالقدرة على الإنتاج بنفس الكميات الحالية من النفط.
فالسعودية التي تقود الحرب على الحوثيين، لها ثقل في السوق النفطية العالمية، حيث إنها أكبر منتج للنفط بالعالم بواقع عشرة ملايين برميل يومياً.
وإذا كان إنتاج منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" يمثل 30 مليون برميل يومياً، فإن السعودية تمثل وحدها 33% من هذا الإنتاج، وهو رقم مؤثر.
وأصبحت المملكة أمام تحد كبير، وهو الوفاء بتعهداتها بتغطية أي طلب على النفط بالسوق الدولية، وسبق أن كانت مصدراً لإمداد السوق العالمي بكميات كبيرة، بصورة مكنتها وفق خبراء من مقاومة سعي إيران وغيرها؛ لرفع أسعار النفط للاستفادة منه في ظل أحداث سياسية تخص المنطقة.
وسبق أن وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتهام للسعودية بأنها تقود أزمة انهيار النفط لصالح أهداف أميركا وأوروبا السياسية، وإن كانت السعودية تنفي ذلك بشكل كبير، وتؤكد في أكثر من مناسبة أن أداءها بسوق النفط يعتمد على أسس اقتصادية، ويحترم قواعد العرض والطلب.
وتعد إيران طرفاً أصيلاً في الصراع الحالي، بما تمثله من حجم إنتاج لا يستهان به يصل لنحو 3.5 ملايين برميل يومياً، ويتخوف من تأثير طهران تجاه ارتفاع أسعار النفط بالسوق العالمية، بتدخلها بشكل مباشر في هذه الحرب بالدفاع عن حليفها الرئيس باليمن وهم الحوثيون،
والسؤال الآن، هل ستتاح الفرصة لبعض دول أوبك، لدفع الأسعار للصعود من خلال اتخاذ قرار بتخفيض الإنتاج من قبلها، على غير رغبة السعودية وبعض دول الخليج، بما يجعلها تورط السعودية في الالتزام بكميات إنتاج قد تؤدي إلى إرهاقها، أو تظهرها بمظهر غير القادر على الوفاء بتعهداتها السابقة، بمد السوق بالكميات التي تجعله عند الأسعار التي تحقق مصالح السعودية وشركائها على الصعيد الدولي.
فقد تكون الزيادة المتحققة في الأسعار يوم الخميس الماضي بارقة أمل لدى أعضاء "أوبك" المتضررين من تهاوي الأسعار، التي بدأت منذ يوليو/تموز 2014.
لكن الأمر سيتوقف على مدى تأثير الحرب على إمدادات كميات النفط من منطقة الخليج، وبخاصة من قبل السعودية، فإذا تأثرت إمدادات النفط السعودي سلبياً، فبلا شك سيتسبب ذلك في ارتفاع أسعار النفط بالسوق الدولية من جهة، كما سيؤثر على مكانة السعودية بمنظمة الأوبك، وبخاصة أن إيران التي تمثل الطرف الثاني الحقيقي في الصراع الدائر في اليمن، قد تسعى لتخفيف حدة التأثير السعودي بالمنظمة الدولية.