وإذا كان البعض قد سمحت لهم أنفسهم، بألا يكون لأموالهم دور في حماية المقدسات، فإن هناك من هم على استعداد أن يدفعوا الغالي والنفيس من أجل القدس
فلسفة المال في الإسلام أن له دورا وظيفيا، وليس مطلوبا لذاته، فهو أحد أدوات عمارة الأرض، ويحاسب عليه الإنسان في الآخرة، من أين اكتسبه وفيم أنفقه في الدنيا. ولكن تغيب الوعي الإسلامي أدى إلى انحسار فلسفة المال في الإسلام لدى كثير من المسلمين، فأصبح مصدرًا لإشباع الشهوات، والانصراف عن نفع المجتمع والزود عن مقدسات الإسلام.
ولم يكن حادث حصول ترامب على نحو 450 مليار دولار من حكام السعودية، إلا تأكيدًا على غياب دور المال في خدمة قضايا الأمة، فترمب علم منذ تلك اللحظة أن القوم ليس لهم هم إلا أن يحافظوا على عروشهم، فاستمر في استنزافهم، وعزم على استكمال مخطط الصهاينة، وتنفيذ رغبة دفينة لدى الجمهوريين اليمينيين بأمريكا بجعل القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني.
والعالم الإسلامي يمتلك مقومات اقتصادية لا يستهان بها، يمكن توظيفها في خدمة قضاياه كما يفعل الآخرون بتوظيف الاقتصاد لخدمة مشروعاتهم الحضارية أو الاستعمارية، ولا أقل من أن يوظف المال والاقتصاد في الحفاظ فقط على مقدسات الأمة الإسلامية.
ومن أبسط المقومات الاقتصادية التي يمتلكها العالم الإسلامي، عدد السكان الذي يصل لنحو مليار ومائتي مليون فرد، ويمثل قرابة 22% من سكان العالم، وهو سوق تجاري واقتصادي رائج .
وإذا كان البعض قد سمحت لهم أنفسهم، بألا يكون لأموالهم دور في حماية المقدسات، فإن هناك من هم على استعداد أن يدفعوا الغالي والنفيس من أجل القدس، فثمة دول أعربت عن اعتراضها على خطوة ترامب، كما أن الشعوب لازالت قادرة على تفعيل المقاطعة الاقتصادية، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات الاقتصادية.
وفيما يلي نقترح بعض الأدوات على الصعيد الاقتصادي لمواجهة قرار ترامب بنقل سفارة دولته للقدس، وإفشال مخطط ترامب لجعل القدس عاصمة دولة الكيان الصهيوني.
وحسب بيانات منظمة التعاون الإسلامي لعام 2015، فإن التجارة السلعية لدول المنظمة بلغت 3.4 تريليون دولار، منها 1.6 تريليون للصادرات، و1.8 تريليون دولار للواردات. وبلا شك فإن هذه الأرقام لها وزنها وتأثيرها في السوق العالمي، وبإمكانها إحداث تأثير قوى في الاقتصاد الأمريكي، إذا تبنت الدول الإسلامية قرارًا بتحويل تجارتها من أمريكا والدول المؤيدة للكيان الصهيوني، إلى دول أخرى.
وما تم ذكره سابقًا يعد في إطار ما يسمى بالمقاطعة السلبية، ولكن من الضروري على الدول والشعوب الإسلامية، أن تفعل أدوات المقاطعة الإيجابية أيضًا وبالتوازي مع أدوات المقاطعة السلبية، مثل زيادة التعاملات البينية بين الدول الإسلامية على صعيد المال والاقتصاد، وإنتاج التكنولوجيا، والارتقاء بالإنسان، واعتباره جوهر الصراع الحضاري في مواجهة مشروعات تفتيت الأمة، ومنع الاعتداء على مقدساتها.