يحبس العالم أنفاسه تجاه ما يحدث في الصين، فعلى مدار عام 2015 فقد احتياطي النقد الأجنبي بالصين ما يزيد عن نصف ترليون دولار، واستمرت سياسة البنك المركزي الصيني بخفض قيمة اليوان، وكذلك الأداء الهبوطي للبورصة الصينية على مدار الأيام الماضية وتوقفها عن العمل خلال التداول غير مرة.
وانعكست التوقعات السلبية لأداء الاقتصاد الصيني بشكل واضح كأحد الأسباب التي أدت إلى استمرار انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، وثمة توقعات بأن يستمر الأداء السلبي للاقتصاد الصيني خلال الفترة المقبلة، مما سيكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد العربي بشكل خاص والاقتصاد العالمي بشكل عام.
العرب يرتبطون بمعاملات اقتصادية وتجارية مع الصين، كما يرتبطون كذلك مع أميركا والغرب، فماذا عن توقعات العرب حول مستقبل علاقاتهم الاقتصادية والتجارية مع الصين؟ فعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في أميركا ومورست أعمال اضطهاد بحق العرب والمسلمين، توجهت بعض الاستثمارات العربية والإسلامية إلى دول شرق آسيا والصين، وكذلك فعلت بعض الاستثمارات العربية بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، على اعتبار أن الاقتصاد الصيني يتمتع بنظرة مستقبلية مستقرة.
ولكن ماذا سيفعل العرب، بعد أن ألمت الأحداث بغيوم أزمة متوقعة بشأن الاقتصاد الصيني؟ هل تحركت جامعة الدول العربية، أو مؤسسات العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي، لتكون موقفاً ورؤية للتعامل مع الأزمة المرتقبة؟
واقع التجربة يظهر أن أفضل ما بوسع جامعة الدول العربية ومؤسساتها هو أن تنتظر لما بعد وقوع الأزمة، ثم تنظم ندوة أو مؤتمراً لدراسة الآثار المترتبة على الاقتصاديات العربية لينفض الجميع بعد الندوة أو المؤتمر، دون عمل ملموس على الأرض.
تغيب المعلومات عن الشعوب العربية عن أداء علاقات حكوماتهم الاقتصادية والتجارية المؤثر مع الدول الكبرى، فبعد الأزمة المالية العالمية 2008، كل ما قيل عن خسائر العرب، أتى في إطار التقديرات، ولم تخرج حكومة عربية واحدة لتعلن أن خسائرها في محافظتها للاستثمار في أميركا والغرب بلغت رقماً محدداً، أو أن مستقبل استثماراتها بهذه الدول إلى أين بعد هذه الأزمة؟، أو حتى إفادة شعوبها بحجم تأثر الأزمة الأميركية والأوروبية على اقتصادياتها.
ولن يختلف الأمر في حالة الصين عن أميركا والغرب، فالشعوب العربية تنتظر ما يبثه الإعلام من أرقام وتوقعات، وربما تكون ملونة، أو موجهة لصالح جهة ما، وحتى ما تبقى من برلمانات شكلية بالدول العربية لا تطلع على حقيقة الأمور بشكل يعكس توجيه الحكومات لما في صالحها الاقتصادي.
من واقع البيانات المنشورة بالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014، فإن الصين تستحوذ على نسبة 8.1% من إجمالي الصادرات العربية للعالم، وذلك خلال عام 2013، والذي قدرت فيها الصادرات العربية بنحو 1.3 تريليون دولار، بينما تستحوذ الصين على نسبة 13.1% من إجمالي الواردات العربية لنفس العام، والذي قدر فيه إجمالي الواردات العربية بنحو 874 مليار دولار. ووفق ما أورده التقرير فإن الصادرات العربية للصين انخفضت في عام 2013 بنسبة 5.5% عما كانت عليه في عام 2012.
" مخاوف من إغراق البضائع الصينية الأسواق العربية "
وتتمثل الصادرات العربية للصين في النفط والمنتجات البتروكيماوية، بينما الواردات العربية من الصين تتمثل في المنتجات الميكانيكية والكهربائية، والمنسوجات والملابس الجاهزة، والمنتجات فائقة التكنولوجيا.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، والمرتبطة بأزمة انهيار أسعار النفط، فالمتوقع أن تشهد الصادرات العربية للصين تراجعاً بشكل ملحوظ، قد يصل من 40% إلى 50%، نظراً لغلبة المكون النفطي في الصادرات العربية للصين، وإذا أخذنا في الاعتبار كذلك تراجع معدلات النمو في الصين خلال العامين الماضيين، فإن الصادرات العربية للصين سوف تُمنى بتراجع كبير، وخاصة النفطية منها.
أما في ما يتعلق بجانب الواردات العربية من الصين، فإنه تغلب عليها السلع المصنعة، وكذلك العدد والآلات، ويتوقع أن تشهد الصادرات الصينية للدول العربية ارتفاعاً كبيراً في ضوء تراجع قيمة اليوان خلال عام 2015، مما سيشجع المستوردين العرب على استيراد كميات أكبر، ويأتي هذا التوقع في ضوء قراءة سلوك المستوردين العرب في أزمة دول جنوب شرق آسيا في عام 1997، بعد انهيار عملات الدول الآسيوية آنذاك.
ومن هنا سيكون الفائض التجاري المتحقق خلال 2015 وما بعدها يصب في صالح الصين على حساب الدول العربية، وهو ما يمكن أن نقرأه في إطاره المزيد من التراجع في أداء الصناعة المحلية في الدول العربية، بسبب عدم قدراتها على منافسة المنتجات الصينية بعد رخص سعرها في ضوء تراجع قيمة العملة الصينية.
يبيّن تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2015، أن الاستثمارات العربية المباشرة الصادرة من الدول العربية في عام 2014 بلغت 33.4 مليار دولار، وأن دول الخليج وليبيا ولبنان استحوذت على حصة 98% من هذه الاستثمارات، كذلك أشار التقرير إلى أن حصة الصين من الاستثمارات العربية المباشرة الصادرة للخارج بلغت 3.1 مليارات دولار، وبما يمثل نسبة 9.2%.
وكما ذكر، فإن الصين حظيت على مدار العقد ونصف العقد الماضيين بتوجه حصة لا بأس بها من الاستثمارات العربية، وبلا شك أن هذه الاستثمارات سوف تواجه ظروفاً صعبة في ضوء ما تحياه وتنتظره الصين من أجواء اقتصادية سلبية. وخاصة تلك الاستثمارات العربية غير المباشرة الموجودة في الصين، في شكل محافظ مالية بأسواق المال، كما أن الاستثمارات الريعية في العقارات والنشاط السياحي من المتوقع أن تتأثر بشكل كبير، وإن كانت بدرجة أقل مما هو عليه الحال في استثمارات البورصة. ويخشى أن تتأثر الاستثمارات المباشرة، من حالة الركود أو تراجع معدلات النمو بالصين.
يمكن وصف العرب في ظل احتمال تصاعد التوقعات السلبية بشأن الاقتصادي الصيني بأنهم ينطبق عليهم المثل العربي "المستجير من الرمضاء بالنار"، ففي ظل أزمة أميركا والغرب اتجه بعض العرب للصين ودول آسيوية أخرى، ولكن السؤال الآن، إلى أين يتجه العرب إذا ما تفاقمت الأزمة الاقتصادية بالصين؟
ففي ظل الأزمة المالية الأخيرة، استفادت بعض الدول العربية بحصص صغيرة من الاستثمارات العربية، مثل مصر ولبنان، ولكن في ظل ما تعانيه هذه الدول من مشكلات، فمن الصعب أن تجد الاستثمارات العربية ملاذاً آمنًا.