تزامن مع حالة الصراع المدمر في العراق منذ سنوات، تنامي الفساد، وبخاصة بين المسؤولين الحكوميين، وعلى رأسهم رؤساء الوزراء والوزراء، وذلك منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
لكن بيان صندوق النقد الدولي المنشور على موقعه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بشأن برنامج يتابعه خبراؤه مع السلطات العراقية، تجاهل تمامًا قضايا الفساد الحكومي، وركز على أمرين فقط باعتبارهما سببًا لتراجع الاقتصاد خلال الفترة الماضية، وهما الحرب مع "داعش"، وانخفاض أسعار النفط.
وعلى الرغم من صحة ما ذهب إليه خبراء الصندوق، إلا أنه لا ينبغي لأي متابع للشأن العراقي أن يغفل الدور البارز للفساد في تدهور الاقتصاد هناك.
فحسب تقديرات منظمة الشفافية الدولية، حصلت العراق على 16 درجة من 100 درجة في عام 2014، لتحتل المرتبة 170 من بين 175 دولة على مستوى العالم، أي أن العراق من أكثر 6 دول فساداً على مستوى العالم.
تناسى خبراء الصندوق أن "داعش" نتيجة طبيعية للفساد في العراق، ففي واحدة من الدول الكبرى في إنتاج النفط، وصاحبة أكبر احتياطياته في المنطقة، يعيش 30% من السكان تحت خط الفقر، حسب بيانات وزارة التخطيط العراقية في عام 2015، بعد أن كان الفقر بحدود 19% في عام 2013. كما يُنهك مصرفه المركزي في مواجهة تجارة تهريب العملات الصعبة للخارج.
"داعش" ليست وليدة العنف والتطرف الفكري، أو صنيعة المخابرات الأجنبية فقط، بل هي ثمرة مرة، لشجرة الفساد المزدهرة في أرض العراق، لقد تحدث العالم كثيرا عن ثروة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقدرها بعضهم بنحو 40 مليار دولار، ولم يتحرك ساكن على صعيد القضاء أو غيره من السلطات العامة التي تعنيها حقوق المجتمع.
إن فساد التجارة والعمولات الكبيرة التي يتقاضاها مسؤولون حكوميون، كافية لانتشال جزء كبير من الشعب العراقي من الفقر، فمن يستوردون قوت الشعب ينهبون النصيب الأكبر، ويغالون في تقديرات الأسعار، لتدفع الحكومة أضعاف أسعار الغذاء والسلع المستوردة لمصلحة التجار والفاسدين.
كان حري بخبراء الصندوق أن يشيروا إلى ضرورة أن يتضمن برنامج المالية العامة الذي سيشرفون على تطبيقه بالتعاون مع السلطات العراقية، آليات لمواجهة ومكافحة الفساد والعمل على تحقيق الشفافية.
إن أية برامج تستهدف إصلاح الإنفاق العام، لن تجدي نفعا في العراق، ما لم يسبقها تطهير لأجهزة الحكومة من الفساد، وأن تتم عمليات محاسبة حقيقية للفاسدين وردّ ما سرقوه لمصلحة الشعب.