الرئيسية / العالم العربي / المنطقة والحاجة الملحة لنموذج نجاح اقتصادي

المنطقة والحاجة الملحة لنموذج نجاح اقتصادي

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 17-01-2023
  • 98
المنطقة والحاجة الملحة لنموذج نجاح اقتصادي
  • المصدر: العربي الجديد

في التسعينيات استطاعت ماليزيا أن توجد لنفسها موضع قدم في السوق الدولية كمصدر للسلع الإلكترونية والكهربائية، كذلك فعلت دول آسيوية أخرى عبر إنتاج الملابس الجاهزة والأحذية وخلافها.

كما أن الصراع على تايوان من قبل الصين، أو محاولات الحماية من قبل أميركا وأوروبا، ليس لأنها تمثل ورقة ضغط استراتيجية لموقعها الجيوسياسي فقط، ولكن لأنها استطاعت أن تكون أكبر منتج لـ"أشباه الموصلات" في العالم، حيث تمد تايوان أميركا وأوروبا والصين بتلك السلعة عالية التكنولوجيا، ومن هنا اكتسبت أهميتها على خريطة العالم الاقتصادية.

المنطقة العربية ليست حالة استثنائية بين مناطق العالم، فالعديد من المناطق تشهد تطورات إيجابية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، كما حدث في تجمع الآسيان، الذي نهض اقتصاديًا خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وساهم في مشروع العولمة بمشاركة إيجابية، حافظ فيها على أجندته الوطنية، ومستفيدًا من إيجابيات العولمة.

الوضع الاقتصادي المتراجع في المنطقة العربية، على مدار ثلاثة عقود مضت، ليس حتمية قدرية، ولكنه يرجع بشكل رئيس لسوء الإدارة الاقتصادية، وتمكين الفساد والاستبداد من السيطرة على مقدرات الحكم في العديد من الدول العربية.

وأينما نكتب أو نقرأ عن المنطقة العربية، فإننا نجد العديد من المؤشرات الاقتصادية السلبية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، يشير إلى أن نسبة الأمية في المنطقة العربية تصل إلى 25% من بين السكان البالغين، وتعد هذه النسبة ثاني أعلى نسبة بعد أفريقيا جنوب الصحراء، التي بلغت النسبة فيها 33.9%.

وتعاني المنطقة العربية من النسبة العالية للأمية، في الوقت الذي يشهد فيه العالم صراع التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، ما يوفر الوقت والجهد والطاقة، ويؤدي للارتقاء بحياة الإنسان.

هناك العديد من المؤشرات الأخرى التي تبينها الإحصاءات والأرقام بصورة سلبية، مثل معاناة المنطقة من الفقر متعدد الأبعاد، والاعتماد على الخارج في الغذاء والسلاح والدواء، وكذلك استيراد العدد والآلات ومستلزمات الإنتاج، أو انخفاض إنتاجية العامل في المنطقة العربية، أو انخفاض نسبة الإنفاق الاجتماعي (التعليم، الصحة، الحماية الاجتماعية)، من الناتج المحلي الإجمالي بالمنطقة العربية (8%) عن المتوسط العالمي (20%).

أما عن الهجرة والنزوح بسبب النزاعات المسلحة في المنطقة فحدث ولا حرج، حيث تعد المنطقة العربية واحدة من أكبر المناطق التي يهجرها أهلها بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني.

وفي مطلع الألفية الثالثة، صدر تقرير التنمية الإنسانية العربية برعاية البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والذي حدد النواقص الثلاثة المتمثلة في مجالات (الحرية، تمكين المرأة، المعرفة)، وتوالت أمثال هذا التقرير وغيره من الدراسات والبحوث، لتمارس عمليات تفكيك لمشكلات وقضايا الاقتصاد والاجتماع والسياسة في المنطقة العربية.

وبالتالي لدينا رصيد من التجربة، يسمح بالنهوض لوضوح خريطة مشكلاتنا وقضايانا الملحة، ونحسب أنه حان وقت التنفيذ والدخول في مسار النهوض، فكما يقول البعض: "لم يعد في القاع متسع".

ضرورة حدوث حالة نجاح

تعد الحالة النفسية للأفراد مهمة لتغيير المعادلة الاجتماعية بالدول العربية، ليشعر الناس بذواتهم، وأنهم فاعلون وأن لهم دورًا يؤدونه للنهوض بمجتمعاتهم، فالدول التي صعدت عبر خطوات متدرجة، من تحقيق حالات نجاح في الصناعة أو التعليم أو الزراعة، دفعتها لمزيد من التفكير في النجاح بمجالات أخرى.

كوريا الجنوبية التي كانت تعد دولة متخلفة في الستينيات من القرن الماضي، وتعاني من العديد من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، هي اليوم عضو بمجموعة العشرين، أي ضمن أكبر 20 اقتصادا على مستوى العالم، من خلال القيمة المضافة العالية لاقتصادها، والتي تزداد يومًا بعد يوم بفضل الاعتناء بالبحث والتطوير.

لقد عانت المجتمعات العربية على مدار العقود الثلاثة الماضية، وسيكون لوجود حالة نجاح ولو جزئية دور في استعادة الثقة لدى هذه المجتمعات، فلا مانع من خوض غمار إنتاج السلع التقليدية لتغطية الاحتياجات المحلية، ثم استهداف التصدير.

لتتخصص كل دولة عربية في إنتاج سلعة، أو تقديم خدمة، وتستهدف أن تحقق فيها حالة تميز، سواء لإفادة المجتمعات المحلية، أو أن تكون جزءًا من حلقات الإنتاج العالمية، فكافة الشركات الإلكترونية الكبرى لا يمكنها الاستغناء عن الرقائق الدقيقة التي تنتجها تايوان.

متطلبات النجاح

ثمة العديد من المتطلبات التي يجب أن تتوفر لتحقيق النجاح في أي من الدول العربية، منها الاستقرار السياسي والأمني، وهو متوفر إلى حد ما في بعض الدول العربية، ولكن يغلب على تلك الدول سوء التخطيط الاقتصادي، وشيوع الفساد.

ثاني هذه المتطلبات، الاهتمام بالتعليم والتدريب، فحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، فإن إنفاق الدول العربية على التعليم كنسبة من الناتج المحلي في عام 2020 بلغ 3.7%، في حين أن النسبة في كوريا الجنوبية بلغت 4.7%، وفيتنام 4.1%، وفي الكيان الصهيوني 7.1%.

ثالث تلك المتطلبات، الإفادة الكبيرة من الموارد الاقتصادية (البشرية، والطبيعية، والمالية)، ولا يوجد ما يمنع من ذلك إلا غياب الإرادة السياسية، فأين كانت فيتنام وكوريا الجنوبية في الوقت الذي انطلقت فيه العديد من الدول العربية لمجالات التصنيع والتعليم وغيرهما من عوامل مهمة للنهوض التنموي؟

رابع تلك المتطلبات، أن تكون المجتمعات شريكة في التنمية، لإيجاد معادلة إيجابية بين الحكومات ومجتمع الأعمال (العام والخاص) والمجتمع المدني، فاستمرار حالة عزلة الحكومات العربية عن مجتمعاتها يعمق من أزمة الثقة بين الطرفين، ولا يساعد على النهوض التنموي.

خامس تلك المتطلبات، الاستفادة من التجارب الناجحة داخل كل دولة، على صعيد المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتعميمها دون حدوث تنافس سلبي داخلي، ولتكون الإفادة من خلال مجالات الإدارة وجودة الإنتاج ونقلها لمجالات إنتاج سلع أخرى.

بداية الطريق

الخطوات الأولى لتحقيق حالة نجاح على مستوى الدول العربية، بشكل فردي أو جماعي، أن يتم الوصول إلى اتفاق أشبه بما تم التواصل إليه في تجمع الآسيان، بحيث تنتهي الصراعات الداخلية للدول العربية، وكذلك احترام الدول العربية بعضها بعضا، وعدم تدخل أي منها في شؤون الدول العربية الأخرى.

التخلي عن التصورات البالية للتنمية، حيث يلاحظ أن الأموال تهدر في مشروعات تليق بالستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، بالتركيز على مشروعات عبارة عن خرسانات ومبان شاهقة، وشغل مساحات كبيرة من الأراضي، والزهو بأكبر محطة للطاقة الشمسية، أو أكبر منتج سياحي ... إلخ.

إن التميز اليوم مختلف، يعتمد على البحث والتطوير، وإنتاج التكنولوجيا بشكل كبير، ولكن إذا كان لا بد من خطوات تمهيدية، فلتكن في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، لتوفير الاحتياجات المحلية والإقليمية على الصعيد العربي.

نتمنى اليوم الذي يحدث فيه أن تحتل سلعة عربية الصدارة، داخل بلدها أو في محيطها العربي، أو أن تكون رقما فاعلا في محيط دوائر الإنتاج العالمي.. ولا شك أن ذلك سيحدث، فمن الصعب أن يظل الحال على ما هو عليه، في ظل هذا الاندماج الذي عاشه العديد من أبناء المنطقة العربية مع مجتمعات أخرى ناجحة.

فقد آن للإنسان العربي والمنطقة العربية أن ينعما بالهدوء والطمأنينة، بعدما عرفت بأنها منطقة القلاقل والنزاعات الإقليمية والدولية، فهذا الإنسان يليق به، وهو قادر، أن يساهم في رسم خريطة العالم حضاريًا كما فعل من قبل.