ثمة حالة من التفاؤل تعتري البعض عندما يطالع بعض الأخبار أو الدراسات حول الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية على مواقع المؤسسات المالية الدولية، ومنها صندوق النقد الدولي.
ولكن لابد أن يؤخذ هذا الأمر بحذر شديد في هذا الشأن على مواقع المؤسسات الدولية، ليس من قبيل اصطناع مشاكل ايديولوجية مع هذه المؤسسات، ولكن من قبيل أن من يقومون على أمر دراسة الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية في تلك المؤسسات قد لا يتفهمون بأن هناك فروقا جوهرية بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الرأسمالي، أو بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية.
وقد نشر موقع صندوق النقد الدولي بتاريخ 21 فبراير 2017 بيانًا صحفيًا حول اعتماد المجلس التنفيذي بالصندوق لقرار بشأن تعزيز الاستقرار المالي في البلدان التي تُـمارس فيها الصيرفة الإسلامية، وتناول البيان أداء المصرفية الإسلامية في العالم، مبينًا أنها متواجدة في نحو 60 بلدًا على مستوى العالم، وأنها تحظى بأهمية أكثر في 14 بلد من بين البلدان الستين، وأكد البيان على أنه رغم انتشار المصرفية الإسلامية، وارتفاع معدلات نمو أصولها المالية، إلا أنها لازالت تمثل نسبة ضئيلة من الأصول المالية العالمية.
وبلا شك أن اهتمام صندوق النقد الدولي بقضية تعزيز الاستقرار المالي في البلدان التي تمارس فيها المصرفية الإسلامية شيء إيجابي، ولكن لابد من ذكر أن المصارف الإسلامية في الأزمة المالية العالمية التي عصفت بمقومات ومقدرات البنوك التقليدية، خرجت منها المصارف الإسلامية بلا أدنى خسارة، بل بدلالات على سلامة وجدارة قواعد المصرفية الإسلامية، وهو ما دعا بلدانا أوربية للسماح بالمصارف الإسلامية بالعمل على أراضيها بعد تلك الأزمة.
أكد ما ورد على موقع صندوق النقد على ” تنطوي الصيرفة الإسلامية على عمليات ومخاطر وهياكل ميزانيات عمومية تختلف عن مثيلاتها في الصيرفة التقليدية”. وهنا لابد من التأكيد على أن هذا التقويم ينفي شبهة يروج لها معارضو المصرفية الإسلامية، من كونها لا تختلف عن البنوك التقليدية.
ولكن هناك ما يثير الريبة في تقويم صندق النقد حول المصارف الإسلامية، ومتطلبات تعزيز تعاملاتها المالية، حيث أكد بيان الصندوق غير مرة على ” أهمية بذل جهد أكبر بالتعاون مع الهيئات الدولية ذات الصلة من أجل تصميم النظم القانونية والترتيبات المؤسسية اللازمة لضمان تسوية الأوضاع المصرفية الإسلامية بكفاءة، وإرساء نظم لتأمين الودائع ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب تطويع الإطار التقليدي للمقرض الأخير حتى يشمل الصيرفة الإسلامية”.
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن المصارف الإسلامية، ولكن في ضوء الاطلاع على الممارسات العملية في العديد من الدول، نجد أن المصارف الإسلامية تخضع في عملها لكافة القوانين المنظمة للعمل المصرفي، وتخضع كذلك للرقابة من قبل البنوك المركزية، بل في بعض الأحيان تتشدد البنوك المركزية تجاه المصارف الإسلامية مقارنة بغيرها من المصارف التقليدية.
والتوصية التي نقلناها بنصها هنا تبين ما ذكرناه في الأسطر الأولى، وهي عدم إدراك الفوارق الجوهرية بين المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية، فالمطالبة بنظم لتأمين الودائع منطقي في المصارف التقليدية حيث إنها محكومة بعقد اتجار في القروض، بينما المصارف الإسلامية لا تتلقى ودائع إلا في أضيق الحدود، وأن التعاقد بينها وبين عملائها هي عقود استثمار. وحقيقة عقود الاستثمار في المصارف الإسلامية أنها تخضع لقاعدة “الغنم بالغرم”، وأن نظم السلامة والتأمين ستكون مختلفة بلا شك عن تلك الخاصة بالودائع في المصارف التقليدية.
بقيت نقطة مهمة، وهي النص على متطلبات تعزيز الاستقرار المالي بالمصارف الإسلامية، بضرورة أخذ المصارف الإسلامية بضمانات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي قواعد عامة، وهناك ممارسات عالمية شديدة التعقيد تخضع لها كافة المصارف على مستوى العالم، وليس فقط المصارف الإسلامية، فلم النص على ما هو معلوم من العمل المصرفي بالضرورة؟
ونص بيان الصندوق على “اتفق المديرون على أن الصيرفة الإسلامية تمثل فرصة بالنسبة لكثير من البلدان الأعضاء من أجل تعزيز الوساطة المالية والاحتواء المالي وتعبئة التمويل لأغراض التنمية الاقتصادية”.
وهذا النص يضع المصارف الإسلامية أمام تحدي توظيف كامل طاقتها من أجل التنمية الاقتصادية في البلدان التي تتواجد فيها، وليس فقط اعتبارات الربح والإغراق في عقود تجارية من خلال المرابحات، وإهمال المشاركات والمضاربات الشرعية، والاستصناع والاستزراع وغيرها من العقود التي تستهدف الاقتصاد الحقيقي، فالمصارف الإسلامية عند نشأتها كان هدف التنمية، من أهم وأبرز الأهداف التي قُــدمت بها المصارف الإسلامية للمجتمعات الإسلامية.
إن حرص المصارف الإسلامية على الاندماج في المؤسسات المالية العالمية، ومن بينها صندوق النقد الدولي مطلوب ومهم، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب جوهر التجربة، وبخاصة ما يتعلق بالجوانب الشرعية، وبخاصة أن بعض القانونيين بالمصارف الإسلامية فرغ بعض المعاملات من مضمونها الشرعي في اطار توفيقها قانونيًا، وهنا مكمن الخطر، فعوامل السلامة المالية الخاصة بالمصارف الإسلامية في أنها تقوم على المخاطرة المحسوبة، وليس مجرد ضمان القروض.