رغم الحديث عن الوفورات النفطية، وتضخم الاحتياطات النقدية الأجنبية للدول العربية، وكذلك أرصدة الصناديق السيادية العربية، إلا أن المؤشرات الخاصة بالفقر تعكس صورة تتنافى مع هذه الأرقام، فالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014، بين أن معدلات الفقر وفق المؤشر العالمي بحجم إنفاق 1.25 دولار يومياً، وصلت إلى 7.4% في عام 2012، مقابل 4.1% في عام 2010.
أي أن الفقر زاد على مدار سنتين فقط بنحو 3.3%، وأرجع التقرير زيادة معدلات الفقر في العالم العربي إلى الاضطرابات السياسية التي شهدتها المنطقة. وإذا كان هذا هو السبب لما حدث في الفترة من 2010-2012، فلا شك أن الأرقام الخاصة بعام 2014 ستكون أكبر من هذه المعدلات بكثير، لسببين: الأول ارتفاع حدة الاضطرابات السياسية والعسكرية في المنطقة واتساع رقعتها، والثاني أزمة انهيار أسعار النفط وأثرها على المنطقة.
ومن خلال استقراء هذه المفارقة بين زيادة ثروات المنطقة وارتفاع الفقر فيها، يتضح لنا مجموعة من الحقائق، منها أن التعاون الاقتصادي العربي لا يزال بعيدًا عن الواقع، وأن العلاقات الاقتصادية للدول العربية الثرية تتجه إلى خارج المنطقة.
وكذلك الحديث عن التجارة البينية العربية أو الاستثمارات البينية العربية، لا تدخل في دائرة استهداف القضاء على الفقر، أو تحسين الأداء التنموي للدول العربية الفقيرة، وأن برامج المعونات العربية التي تستحوذ سنويًا على مليارات الدولارات تذهب إلى مشروعات لا يستفيد منها الفقراء العرب بشكل مباشر.
وإذا كانت كافة الدراسات المعنية بمواجهة ظاهرة الفقر أوصت بالاهتمام بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، فقد انتهت القمة الاقتصادية العربية الأولى في الكويت عام 2009 إلى إنشاء صندوق لدعم هذه المشروعات برأسمال 2 مليار دولار.
وبالفعل اكتمل الاكتتاب في رأسمال الصندوق بعد نحو عامين، ولكن لم يلمس أثر لوجود هذا الصندوق، فقد زادت حدة الفقر بعد إنشاء هذا الصندوق ودخوله حيز العمل، وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلات حول مصير مثل هذه المشروعات، وهل يتم اختيار دول معينة لدعم مشروعاتها؟، وهل هذه المشروعات تتجمد فور إنشائها شأن العديد من المشروعات العربية المشتركة؟
وتصدق نتائج الفقر في المنطقة العربية على كون اقتصادها يعتمد على الريع، وأن مشروعاتها التنموية لا تتضمن نموذجًا يمكن الاقتداء به في القضاء على الفقر. كما يظهر الواقع عدم وجود استراتيجية عربية موحدة تستهدف القضاء على الفقر، وأن الجهود المبذولة في هذا الأمر تأتي في إطار قُطري.