رغم التحسن الذي شهده عام 2017 في أسعار النفط، بتجاوز خام برنت حاجز الـ 60 دولارا، والخام الأميركي حدود 57 دولارا، إلا أن الاقتصادات العربية تستقبل عام 2018 وهي أكثر تفككًا من ذي قبل، فآخر مظاهر التعاون الاقتصادي في المنطقة والمتمثلة في مجلس التعاون الخليجي، ضرب في مقتل مع بداية أزمة دول الحصار مع قطر في مطلع يونيو من العام الجاري 2017.
فقد أدت هذه الأزمة إلى استنزاف حقيقي لاقتصادات الدول الخليجية، من خلال التسابق على إبرام صفقات السلاح، والإنفاق على الحرب الناعمة عبر أدوات الإعلام وشركات العلاقات العامة، وكذلك تقديم الوعود هنا وهناك من قبل أطراف الأزمة الخليجية بتقديم استثمارات وصفقات تجارية لكسب ود القوى الدولية، ومحاولة كسب كل طرف لسند دولي أو إقليمي.
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية اختفت القمة الاقتصادية العربية، فلم تعقد منذ عام 2013، وكان المقرر لها أن تعقد كل عامين، وفي ظل هذه العلاقات العربية، لا يتوقع أن تجمع العرب قمتهم الاقتصادية قريبًا، وبخاصة في ظل حالة الصراع والنزاعات، أو الأزمة الاقتصادية التي تلم بجل اقتصادات المنطقة، مع أن هذا الواقع السيئ يفرض أن تعقد هذه القمة لتكون تمهيدًا للبحث عن حلول لأزمة المنطقة الاقتصادية، ورغم المعاناة الاقتصادية التي تعيشها المنطقة العربية، لا يلاحظ وجود أي دور ملموس لمؤسسات العمل العربي المشترك.
لم يلح في الآفق بعد آمال في إنهاء النزاعات بدول المنطقة خلال عام 2018، سواء على الصعيد الداخلي للحروب الأهلية، أو النزاعات البينية، ففي (ليبيا، والعراق، وسورية، واليمن) مازالت الحروب الأهلية متقدة، ولم تفلح الحلول السياسية في إخراج هذه البلدان من حالة الحرب واستنزاف مواردها الاقتصادية، كما أن الحرب في اليمن والتي تدور بشكل حقيقي بين التحالف الخليجي وإيران، لا ينتظر لها أن تشهد تسوية سياسية خلال عام 2018، وهو ما يعني المزيد من المعاناة الإنسانية لليمنيين، وتدمير البنى التحتية، وتشريد وتهجير المزيد من المدنيين الذين أعيتهم وأفقرتهم تلك الحرب التي بدأت من مارس 2015، دون قدرة أحد الأطراف على حسم النزاع هناك.
وفتحت الأزمة الخليجية بابًا واسعًا لاستنزاف الموارد الاقتصادية لتلك الدول في ظل معايشتها لأزمة مالية بسبب انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، أدت إلى تفاقم عجز الموازنات العامة، والتوجه للاقتراض الخارجي، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع معدلات الاستثمار. وإذا كان الأمين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط قد قدر مؤخرًا خسائر المنطقة من النزاعات التي تمر بها بنحو 640 مليار دولار، فإن البعض يرفع هذه التكلفة لنحو 800 مليار دولار.
وتصل تكلفة النزاعات العربية إلى نسبة تزيد عن 26% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وبلا شك أن تكلفة الفرصة البديلة للإنفاق على الحروب والنزاعات، كانت ستنعكس على تحسين مستوى المعيشة لشعوب المنطقة، وتعمل على تقليل معدلات الفقر والبطالة، وترفع من معدلات التنمية بشكل عام.
على الرغم من أن منطقة بلدان المغرب العربي هي أقل الدول العربية من حيث وجود الصراعات الداخلية أو البينية، إلا أن أداءها الاقتصادي لم يخرج عن المعاناة العربية، فالجزائر تتعثر في إطار أزمة انخفاض سعر النفط، وتونس تبحث عن مخرج لاقتصادها الذي لم ينهض من عثراته منذ عام 2010، والمغرب لا يزال يعلق انتعاشه الاقتصادي بحدوث تطور إيجابي في اقتصادات المنطقة الأوروبية.
لم تشهد الساحة العربية على الصعيد الاقتصادي تحقيق حالة من الإجماع، شأن باقي المجالات في إطار العمل العربي المشترك، ولكن ما جمع العرب خلال عام 2017، وسيظل يجمعهم خلال عام 2018 وما بعده، هو دخول جميع الاقتصادات العربية تحت مظلة برامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي.
وحتى ما كانت تسمى دول الفائض سابقًا وهي الدول النفطية، اضطرت للتعامل مع روشتة الصندوق، وعلى رأس هذه الدول، الدول الخليجية، التي خفضت قيمة الدعم على السلع والخدمات، واتخذت خطوات كبيرة في إطار رفع الرسوم على خدمات الماء والكهرباء والوقود، وينتظر رفع قيمة هذه الرسوم خلال العام 2018، بل شهدت منطقة الخليج شبه إجماع على تطبيق ضريبة القيمة المضافة، كإحدى المحاولات لتحسين الإيرادات العامة، وبعض الدول دخلت حيز التطبيق لهذه الضريبة في عام 2017، وبعضها ينتظر التطبيق مطلع العام القادم 2018.
ثمة مجموعة من التوقعات ينتظر أن تحيط بالاقتصاديات العربية خلال عام 2018، منها ما تناولته وكالات دولية، مثل بلومبيرغ عن وضع المديونية الخارجية بمصر، حيث توقعت الوكالة أن تتعثر مصر في سداد مديونياتها، وهو أمر مقلق جعل بعض وكالات التصنيف الدولية تتوقع أن ينخفض الجنيه المصري خلال عام 2018 ليصل إلى 19.25 مقابل الدولار.
وفي الخليج يتوقع أن تشهد المنطقة المزيد من الإنفاق على التسلح، واتخاذ المزيد من القرارات التي تؤثر على مستوى معيشة الأفراد بشكل سلبي، وزادت معدلات التضخم لتلامس سقف 5% في بعض البلدان ومنها السعودية.
كما أن برامج التقشف الاقتصادي سوف تلقي بظلالها على تواجد العمالة الأجنبية بمنطقة الخليج، ومن بينها العمالة العربية الوافدة، حيث تسعى دول الخليج تحت وطأة الأزمة الاقتصادية لتوطين الوظائف، ولكن سيكون هناك آثار سلبية على الدول المصدرة للعمالة مثل مصر والأردن ولبنان وسورية، حيث ستعود عمالة هذه البلدان من الخليج، مما سيفاقم مشكلات البطالة بها خلال عام 2018.
البلدان العربية الأقل نموًا (السودان، واليمن، وموريتانيا، وجيبوتي، وجزر القمر) قد تكون أفضل حالًا من دول النزاع بالمنطقة، لكن الظلال السلبية لاقتصاديات المنطقة سوف تؤثر على اقتصاديات الدول الأقل نموًا، مما يقلل من فرص تحسن الوضع التنموي بتلك البلدان.
وحتى السودان التي تم رفع العقوبات الاقتصادية عنها من قبل أميركا بشكل جزئي خلال العام الجاري 2017، لا يتوقع لها أن تشهد تحسنًا اقتصاديًا ملموسًا لأمرين، الأول ارتفاع معدلات الفساد بها، لكونها من أعلى 10 دول فسادًا على مستوى العالم، وكذلك وجود احتمال كبير بسعي السودان للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مما سيجعل الأوضاع المعيشية أشد صعوبة مما هي عليه الآن، وقد سعت حكومة السودان خلال الشهور القليلة الماضية غير مرة لرفع أسعار الوقود.
وفي منطقة دول المغرب العربي، سوف تظل الجزائر أسيرة أزمة انخفاض أسعار النفط، كما يتوقع أن تدخل في جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يشهد خلالها اقتصاد الجزائر موجة من الخصخصة قد تنال بعض المؤسسات والبنوك العامة.
أما تونس فستظل أزمتها التمويلية كما هي مع توسعها في الاستدانة، واستمرار اعتمادها على المصادر الخارجية المتذبذبة مثل عوائد السياحة التي شهدت تحسنًا طفيفًا خلال الفترة الأخيرة من عام 2017، وفي ظل هذه الأجواء يتوقع أن تظل مشكلة البطالة أحد المنغصات لصانع القرار في تونس.
أما المغرب فيتوقع أن يتأثر إيجابيًا مع التحسن الموجود في أداء الاقتصادات الأوروبية، حيث يستقبل المغرب السياحة الأوروبية، وكذلك يصدر منتجاته لدول الاتحاد الأوروبي.