الوقت من العوامل المهمة في الحسابات الاقتصادية، فالخطط والموازنات، والمستهدفات والنتائج، كلها مرتبطة بالوقت في حسابات الأفراد والمؤسسات، وعادة ما تقدم الدول كشف حساب بنهاية العام، لترصد عوامل النجاح والإخفاقات، وتتمايز الحكومات والأحزاب.
ولكن العالم العربي، لا يعرف هذه الحسابات، سوى في إحصاءات مجردة، على الصعيد القطري أو الإقليمي، حتى هذه الإحصاءات لولا مساعدات أميركية وأوروبية لما خرجت إلى العلن، ولتأخرت، ليس لنقص في الإمكانيات البشرية أو المادية، ولكن رغبة في الهروب من لحظات الحساب، حتى ولو كانت شكلية.
ونحن على أعتاب عام جديد بعد أيام معدودة، يجد المواطن العربي نفسه بلا طموح ولا محاسبة لحكومة دولته، ماذا أنجزت هذه الحكومات؟ سؤال لا تتطرق إليه البرلمانات العربية، ولا يُطرح على أجندة الأحزاب بالدول العربية، وهذا بفرض أن لدينا برلمانا وأحزابا سياسية.
ولعل ما نطالعه من أخبار الدول الغربية، ووصول شبابها إلى مراكز قيادتها وسلطة حكمها، وآخرها رئيسة وزراء فنلندا ذات الـ34 ربيعًا، يعكسان مدى شعور هذه الشعوب بعامل الوقت، وضرورة المحاسبة، فهي ليست مجرد تطلع سياسي، ولكنها إحساس بقيمة عمر الإنسان وعطائه.
لقد كانت حضارتنا سباقة، عندما قدمت شبابها لقيادة الجيوش، وتولى المهام الثقال، من أمثال أسامة بن زيد، ومحمد الفاتح، وغيرهم، لكن مع تخلفنا الحضاري، ورثنا طاعنين في السن، يمارسون الديكتاتورية، ولا يشعرون بقيمة الإنسان، أو الأزمان.
عام 2018 صدر تقرير عن الفقر متعدد الأبعاد بالمنطقة العربية شمل 10 دول عربية، وتوصل إلى أن 41% من أسر هذه الدول تعاني الفقر متعدد الأبعاد، الذي يشمل 5 محاور (الدخل، التعليم، الصحة، البنية الأساسية، الأمن).
فهل حركت هذه الأرقام ساكنًا في دولنا العربية؟ المستقرة منها، أو تلك التي تعيش حروبًا أهلية. لا يتعدى الأمر سوى كتابة بعض المقالات وحضور بعض الحلقات التلفزيونية لعرض مضمون التقرير، والمستفيد الوحيد من التقرير، هو من أعدوه حيث نالوا مكافآتهم عن إعداده، ويشاركهم الفندق الذي عقد فيه مؤتمر الإعلان عن نتائج التقرير!!
والحديث المتكرر الذي تتناوله التقارير الإقليمية والدولية عن البطالة في المنطقة العربية التي بلغت نسبتها 15.7%، خاصة بين الشباب الذين بلغت نسبة البطالة بينهم 46%، واعتبار هذا المعدل من بين أعلى المعدلات بين أقاليم العالم، لم يزعج الحكومات، وإن كان يبعث برسالة واضحة بأنها حكومات فاشلة، وأنها تبدد الموارد الاقتصادية.
إن ما تمر به المنطقة العربية منذ سنوات من حالة عدم الاستقرار، وانطلاق ثورات الربيع العربي، إنما هو نتاج لعدم إدراك قيمة الوقت، وغياب المحاسبة السنوية داخل منظومة المجتمعات العربية، ويقين الحكومات المستبدة من أنها لن تحاسب عن أدائها الحالي أو السابق.
لعل الموازنات العامة للدولة العربية، هي أوضح صورة لما يجب أن يعتبر عامل الوقت، سواء من قبل الشعوب أو الحكومات، ولكن هذه الموازنات يتم تمريرها، دون مشاركة من الشعوب في إعدادها، أو قيام البرلمانات بمراقبتها أو مراجعتها في نهاية كل عام، وانما تتم عملية شكلية، وإجراءات روتينية، لا تنم عن وجود مؤسسات حقيقية، أو حكومات تشعر بالمسؤولية المجتمعية والسياسية.
إن أداء الدول العربية على مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، أو مؤشر الموازنة المفتوحة، حري بأن تتحرك الشعوب والبرلمانات، وأن تخاف الحكومات غضبة الشعوب!!
لكن الواقع أن الأمر لا يزيد عن حديث بعض من النخبة، أو التشكيك في هذه التقارير، أو أن الأمر لفداحته أصبح لا ينتج عنه سوى التعايش معه، وتحول نتائج هذه التقارير كل عام إلى مجموعة من الكتابات الساخرة، أو إنتاج بعض المواد الإعلامية، حتى وإن أذيعت بمنافذ هذه الحكومات الفاسدة.
حدثتنا بعض الحكومات العربية منذ فترة عن 2020، لكنه حديث يفتقد إلى ثقة الشعوب، مقارنة بدول أخرى كان لديها رؤية وخطة ومشروعات وبرامج تتحقق في 2020، ماليزيا مثلًا كانت في مطلع الألفية الثالثة، تعرض على شعبها ومجتمعها العلمي، رؤيتها لمجتمعها في 2020، وها هي تحتفظ بمكانتها كدولة صاعدة، ومنتجة للتكنولوجيا، ومجددة لتجربتها الديمقراطية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فما يشغل ماليزيا الآن رؤيتها لعام 2050، ولشعبها أن يثق فيها، فسبق وحدثته في منتصف التسعينيات عن ماليزيا 2012، وفي مطلع الألفية الثالثة عن ماليزيا 2020.
إن حكوماتنا العربية، أصدر بعضها رؤاها عن 2030، وقد استوفت هذه الرؤى شكلها المتعارف عليه من تكوين إجرائي، مثل الرؤية والاستراتيجية والسياسات والمشروعات والبرامج، لكن أداءها الحالي لا يبشر بأن هذه الرؤى سترى النور على أرض الواقع.
فلم تشارك المجتمعات في إعداد هذه الرؤى، وبعض أصحاب هذه الرؤى لا يؤمنون بمشاركة الشعوب في الحكم وصناعة القرار، فهي في الغالب رؤى الحاكم الفرد، الذي لا يؤمن بالديمقراطية، أو الحاكم الدكتاتور الذي يذيق شعبه الويلات، ولا يأبه لإهدار موارد بلده، ولا تعرض شعبه للجوع أو البطالة.
قد تطول مكونات النظرة التشاؤمية في مجال المساءلة والمحاسبة الاقتصادية المرتبطة باعتبار الزمن في حياة شعوب وأفراد المنطقة العربية، ولكن علينا أن نحلم ليكون عام 2020 هو بداية جديدة في دول المنطقة العربية، على كافة الصعد، ومن بينها الصعيد الاقتصادي.
هل مناسب أن يحلم المشردون العرب بعودتهم إلى ديارهم ومزارعهم التي تركوها بسبب الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة خلال الفترة الماضية؟ بل هل سيكون عام 2020 هو بداية جهود هؤلاء المشردين ليعمروا ديارهم وحقولهم بأنفسهم، حتى ولو كان ذلك دون مساعدة الحكومات؟
هل ستدرك البرلمانات العربية في 2020 أن العاطلين والجوعى مواطنون من حقهم أن يحصلوا على حقوقهم من ثروات بلدانهم المنهوبة، وأن دور البرلمان هو مراقبة الحكومة وليس مجاملتها، هل ترفض البرلمانات العربية الموازنات الورقية، وغير الحقيقية، التي لا يستفيد منها المواطن شيئاً، وإنما تهدر لصالح العسكريين والرؤساء والملوك، ومن يؤيدونهم؟
وهل سيدرك الحكام العرب، رؤساء وملوكا وأمراء، أن عام 2020 سيحل بعد أيام، وأنهم سبق وأعلنوا عن رؤى وأحلام لبلدانهم مطالبون بتحقيقها في هذا العام؟
وهل سيدرك هؤلاء الحكام أن أعمار مواطنيهم قصيرة، ومن حقهم أن يستمتعوا بها، وأن يعيشوا حياة كريمة؟ وأنه من الواجب على هؤلاء الحكام أن يعالجوا في مشافي بلدانهم، وأن يتعلم أبناؤهم في مدارس وجامعات بلدانهم، وأن أموالهم الموجودة في بنوك أميركا والدول العربية، أحق بها خزينة بلدانهم، التي سرقوها منها؟
من الواجب الاعتراف بأن ما يعانيه العرب في مجالات شتى، وفي مجال المال والاقتصاد على وجه التحديد، هو من نتاج تفريطهم، ولكن لا يمكن إهمال دور الدول الغربية وأميركا وغيرها من الدول الصاعدة التي تسير على خطى الدول الاستعمارية، في نهب ثرواتنا العربية.
إن ما يتم الآن من احتلال لحقول النفط والغاز، والمساهمة في إخماد أي حراك للشعوب العربية، وبقاءها مستوردة للسلع والخدمات، خاصة التكنولوجية منها، إنما هو سياسة مستهدفة ضد الشعوب العربية، ومن حق هذه الشعوب أن تحلم بأن 2020، هو عام تستيقظ فيه إنسانية الدول الغربية، وأميركا، والدول الصاعدة.