مشكلات الاقتصاد العربي لا تنتهي، ومنذ عقد الخمسينيات والمعنيون بالشأن الاقتصادي العربي، يرصدون مشكلات متعددة، ويحدوهم الأمل في كسر طوق التشاؤم، وخروج الاقتصاديات العربية من دائرة التخلف، إلى رحاب التنمية، في ظل تعاون اقتصادي عربي، يعلي من شأن المنطقة العربية إقليميًا ودوليًا.
وخلال السنوات الأربع الماضية، كرست الممارسات الاقتصادية العربية الخاطئة، (قطريًا وإقليميًا) مشكلات البطالة والفقر، وافتقاد المنطقة ثرواتها المالية، وبقاء التبادل التجاري بين دول المنطقة بحدود 8%.
فالدول العربية الفقيرة تفتقد التمويل، ومعظمها يفتقد الاستقرار السياسي والأمني، ودول الفائض العربية، تفتقد الأمن، وكذلك استمرار مشكلاتها الاقتصادية على الرغم من وفرتها المالية، فالتنمية ليست امتلاك فوائض مالية، بقدر ما هي مزيج بين القدرات المالية والبشرية والطبيعية.
وحتى يكون القارئ على بينة من خريطة المشهد الاقتصادي العربي، فإننا سنلقي الضوء على طبيعة المشكلات الاقتصادية، في خضم انعكاسات الأحداث السياسية التي تمر بها مختلف الدوائر العربية، ولذلك سنقسم المنطقة العربية إلى ثلاث مناطق، هي: الخليج، والمغرب العربي، والمشرق العربي.
الكثيرون يعولون على الوفرة المالية لتحقيق التنمية، وتوفير حياة كريمة للمواطنين، ولكنّ التجربة الخليجية تعطي صورة معاكسة، فعلى الرغم من ثروات النفط التي تراكمت في الصناديق العربية الخليجية لتصل إلى ما يقارب تريليوني دولار في يناير/كانون الثاني 2014، إلا أن معظم دول الخليج تشعر بعدم الأمن مع دول الجوار.
فما بين داعش في العراق، وهواجس متأصلة تجاه إيران، ارتفع سقف الإنفاق على التسليح في دول الخليج بصورة نافست فيها دولا عظمى، ولكن شتان بين إنفاق دول عظمى تنتج تكنولوجيا السلاح، ودول الخليج التي تعتبر مجرد مستهلك ومستورد للأسلحة الغربية.
فأحد التقارير الغربية يشير إلى أن حجم الإنفاق على التسليح في المنطقة العربية في عام 2014 سيصل إلى 170 مليار دولار سيكون نصيب الدول الخليجية منها 72%، أي قرابة 122.5 مليار دولار، في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الفقر في السعودية مثلًا إلى نحو 25% - 30% من السكان. كما تشير التوقعات إلى دخول الإمارات في أزمة عميقة بسبب قطاع العقارات.
وفي تطور يعكس التغير في خريطة المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا سارعت كل من الكويت وسلطنة عمان لإبرام صفقات طويلة الأمد لاستيراد الغاز الإيراني.
وتتعثر خطوات مشروع التعاون الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي، فلم تصدر العملة الخليجية الموحدة، ولم ينفذ مشروع البنك المركزي الخليجي، وتم اختراق قواعد الاتحاد فيما يتعلق باتفاقيات التجارة الخارجية من قبل بعض دول الخليج، واعترضت دول خليجية على مقترح السعودية والإمارات بتطوير مجلس التعاون الخليجي لمرحلة الاتحاد، وهددت سلطنة عمان بالخروج، إذا ما اتخذت هذه الخطوة.
ويكاد يكون قطاع العقارات وما يعانيه من تكدس الاستثمارات، أن يكون مصدر إزعاج لدول الخليج، وأحد روافد زيادة معدلات التضخم، باعتباره النشاط الاقتصادي الأبرز بعد استخراج النفط، فبعض التقديرات يشير إلى أن حجم استثمارات قطاع المقاولات فقط في دول الخليج خلال عام 2013 وصل إلى 173 مليار دولار، وأن الاستثمارات الحكومية تزيد على 50% من حجم هذه الاستثمارات.
تضم منطقة المغرب العربي دولتين من دول الربيع العربي (تونس وليبيا)، كما تضم واحدة من الدول الأشد فقرًا وهي موريتانيا، أيضًا تضم دولة المغرب التي تعتبر ضيفا دائما على طاولة المباحثات مع المؤسسات الدولية، وخصوصاً صندوق النقد الدولي.
ولا تغيب الجزائر عن الأداء النفطي لدول الخليج، إذ يتوفر لديها احتياطي من النقد الأجنبي الذي وصل إلى قرابة 190 مليار دولار مع نهاية عام 2013، ومع ذلك ما زالت حربها على جماعات العنف مستمرة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، كما أن المواطن الجزائري لم يلمس أثرًا لتدفقات العوائد النفطية، حيث ارتفاع معدلات البطالة، واعتبار استخراج النفط النشاط الاقتصادي الرئيس هناك.
ويكاد يكون المغرب بأخباره المتلاحقة على مدار السنوات الماضية متفردًا بالإعلان عن ارتفاع أسعار الوقود، مما ينعكس على استمرار صعوبة الأوضاع المعيشية هناك، فضلًا عن استمرار حركة الهجرة غير الشرعية المستمرة هناك، سواء من قبل أبناء دولة المغرب نفسها، أو من قبل الوافدين إليها، إذ تعتبر التقارير الدولية عن الهجرة غير الشرعية، أن المغرب من أكبر مراكز الترانزيت للهجرة غير الشرعية لأوروبا.
أما عن موريتانيا، فإن الوضع هناك يكرس لتكرار تجارب سابقة بالمنطقة ومنها مصر، حيث الإعلان عن تحسن في المؤشرات الاقتصادية الكلية، بينما الواقع يعكس ارتفاعا في معدلات البطالة وسوء توزيع الثروة.
وتشجع تقارير صندوق النقد الدولي على مزاعم السلطة بموريتانيا بتحسن الأوضاع الاقتصادية. فقد أعلن الصندوق عن انخفاض معدل البطالة هناك إلى 10.5 % بعد ما كان نحو 30 %، وهو ما اعترض عليه خبراء اقتصاديون، بكيفية حدوث ذلك ومعدل النمو الاقتصادي في المتوسط خلال السنوات الثلاث الماضية لم يزد على 4%.
ولا يختلف الوضع في تونس وليبيا من حيث ارتفاع وتيرة العنف، فليبيا تشهد ما يمكن تسميته حربًا أهلية بين الميليشيات المسلحة هناك، مما ضيع الأمل لدى شعبها في الاستفادة بشكل سليم من عوائد النفط، ومما يزيد المخاطر الاقتصادية لليبيا خلال المرحلة المقبلة استهداف الميليشيات المسلحة لآبار ومخازن النفط، مما ساعد على انخفاض العوائد النفطية في ليبيا، واحتمالات تزايد العجز في موازنتها العامة.
وتشهد تونس بدايات للعنف بين بعض الجماعات وقوات الجيش والشرطة، إلا أن ارتباك المشهد الاقتصادي واستمرار اتباع السياسات الاقتصادية المدعومة من صندوق النقد، يزيد من تكاليف المعيشة حيث يتجاوز معدل التضخم نسبة الـ 5 %، وما زالت معدلات النمو في تونس متواضعة وهي بحدود 3 %، كما أن التوسع لدى الحكومة التونسية في الاقتراض الخارجي لتلبية احتياجاتها التمويلية، سيؤثر على أداء التنمية هناك خلال السنوات المقبلة. ومؤخرًا صنفت تونس من قبل البنك الدولي على أنها من بين ست دول عربية تطبق سياسات اقتصادية سيئة.
معظم دول المشرق العربي، تأتي في ما يمكن أن نطلق عليه منطقة العوز، فمصر منذ ثورة 25 يناير تعاني أزمة تمويلية حادة، كما تتفاقم فيها مشكلة الطاقة بشكل غير مسبوق، وتسودها حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وصنفتها إحدى المؤسسات الغربية على أنها إحدى الدول المعرضة للإفلاس.
كما تضم منطقة الشرق العربي خمس دول من الدول الأشد فقرًا، هي السودان واليمن وجزر القمر وجيبوتي وفلسطين، حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة، ويسود عدم الاستقرار الاقتصادي. إلا أن اليمن تتفرد بين هذه الدول بمشكلة عدم الاستقرار السياسي والأمني، بسبب النزاعات المسلحة على أساس ديني وسياسي، ومؤخرًا توصلت اليمن لاتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض تصل قيمته إلى نحو 560 مليون دولار، وتأمل اليمن بعد هذا الاتفاق في الحصول على ثمانية مليارات دولار وعدت بها دول مانحة من قبل.
وإذا كانت اليمن قد توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد يمنحها الحصول على قرض، فإن التبعات الاجتماعية لهذا الاتفاق غير محمودة العواقب على أفراد المجتمع اليمني.
كما نجد أن السودان تُوصد في وجهه أبواب المؤسسات الدولية بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ عقود، على الرغم من نجاح الغرب في إرغام حكومة البشير على تقسيم البلاد إلى دولتين، السودان وجنوب السودان.
أما محور سورية ولبنان والعراق والأردن، فهو محور ملتهب بما يحدث في سورية والعراق من حرب بين الفصائل المختلفة هناك، وقد ألقت هذه الأحداث اقتصاديًا على كل من لبنان والأردن، من حيث تزايد أعداد اللاجئين، وأعباء اقتصادية تفوق قدرات كلا البلدين.
وتقف كافة دول المشرق العربي على أبواب صندوق النقد الدولي، أملًا في الحصول على قروضه، ولكن الأحداث الأمنية والسياسية في المنطقة سوف تؤثر بشكل سلبي على دول المشرق العربي إجمالًا، ورغم التاريخ الطويل الذي يشير إلى وجود المؤسسات المالية العربية الموازنة للمؤسسات المالية الدولية، إلا أن دور المؤسسات المالية العربية غير ملموس.
فلم نجد مثلًا أن دولة عربية لجأت إلى صندوق النقد العربي لإنهاء أزمتها التمويلية، بل المثير للاستغراب أن خدمات المؤسسات المالية العربية عادة ما ترتبط بشرط الحصول على موافقة صندوق النقد الدولي على برامج للإصلاح الاقتصادي.
لعله من المسلم به أن حالة التشاؤم التي بينّا بعض مشاهدها في مختلف الدول العربية من خلال هذه السطور، ترتبط بالإصلاح السياسي في المنطقة، وخروج المخططات الإقليمية والدولية من دائرة الصراع والنزاع في الدول العربية، مما يجعل الوصول إلى حالة من التفاؤل بالمشهد الاقتصادي العربي صعب المنال.
فالديمقراطية في دول المنطقة تمر بمخاض عسير، ومواجهات ليست سهلة من قبل الديكتاتوريات العربية، حيث تتم عمليات إقصاء للمعارضة السلمية، ووجود ممارسات تدفع بالمعارضين إلى التحول لحمل السلاح، والإصرار من قبل البعض على عدم التداول السلمي للسلطة.