في الثامن من مارس/ آذار كل عام تحتفل الهيئة العامة للأمم المتحدة باليوم العالمي للمرأة، وينتظم الاحتفال هذا العام تحت عنوان "المرأة في عالم العمل المتغير"، ولكن المرأة بالمنطقة العربية تزداد معاناتها بشكل مطرد على مدار السنوات الست الماضية، ولا يلوح في الأفق، أن تتوقف هذه المعاناة.
وتمثل المرأة في العالم العربي نحو نصف عدد السكان، البالغ إجماليه وفق إحصاءات 2015 نحو 387.1 مليون نسمة، وبذلك فإن عدد الإناث العربيات يبلغ نحو 193.5 مليون نسمة. ومن هنا النساء يشاركن الرجال كافة المشكلات بعالمنا العربي.
ولم تعد القضايا المتعلقة بالمرأة العربية قاصرة هذا العام، أو من قبله بنحو ست سنوات، على تأنيث البطالة أو الفقر، أو عدم المساواة في الأجر وحقوق الإدارة المتوسطة والعليا، أو التحيز ضدها.
ولكن منذ بدأت الحرب الأهلية في بعض الدول العربية (ليبيا، سورية، اليمن، العراق) والمرأة تعاني التهجير القسري، والتشرد داخل بلدانها، بل وتتعرض أثناء الهجرة لفقدان بعض أفراد أسرتها، أو الاعتداء البدني، أو الخروج من مؤسسات التعليم، وكذلك معاناتها لفقدان الدخل للإنفاق على الأسرة، مما يجعلها تدفع بأطفالها ببلدان المهجر للعمل والخروج من المدارس بالمراحل التعليمية المختلفة.
معاناة المرأة العربية لا تتوقف فقط عند الدول التي تعاني من الحروب الأهلية، بل تمتد لدول أخرى تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وتطبق حكوماتها برامج اقتصادية تزيد من معاناة المرأة في ظل ارتفاع معدلات التضخم، أو صرف عائل الأسرة من العمل، أو تراجع إنفاق الحكومات على استثمارات جديدة، أو وقف التعيينات بالحكومة والقطاع العام، ومن هذه البلدان مصر وتونس والجزائر والمغرب، وكذلك دول الخليج.
على الرغم من أن مشاركة المرأة العربية لأسرتها في مجالات العمل كثيرة، إلا أن الإحصاءات الرسمية تبين أن مشاركة المرأة في قوة العمل لا تزيد عن 21%، وهي النسبة الأقل عند مقارنتها بباقي أقاليم العالم.
ويرجع ضعف مشاركة المرأة إلى اعتماد الإحصاءات على العاملات بأجر، بينما نسبة كبيرة من النساء في الدول العربية الزراعية والأقل نمواً يشاركن في العمل بدون أجر، خاصة العاملات في المنازل أو المشاركات لأسرهن في العمل بالحقول، كما يساعد على ارتفاع هذه النسبة بعض العادات والتقاليد بدول الخليج، حيث لا تشارك المرأة في سوق العمل.
وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2016، يتبين أن نسبة البطالة بين الإناث العربيات تختلف من بلد لأخر، حيث تمثل موريتانيا أكبر نسبة بمعدل 44%، بينما تأتي قطر في آخر القائمة بنسبة عاطلات 2.8% من بين الإناث.
" تتفاوت نسبة العاطلات من بين الإناث في باقي الدول، ففي سورية 37%، واليمن 26%، ومصر 24%، وتونس 22% والسعودية 21%."
وتتفاوت نسبة العاطلات من بين الإناث في باقي الدول، ففي سورية 37%، واليمن 26%، ومصر 24%، وتونس 22% والسعودية 21%.
مع الأخذ في الاعتبار أن طبيعة عمل الإناث في الدول الخليجية قد لا تكون وظائف حقيقية بنسبة كبيرة، بل تعد في إطار ما يعرف بالبطالة المقنعة، إذ تعتبرها الحكومة نوعًا من الالتزام الاجتماعي أمام مواطنيها.
وفي كثير من الدول، بعد تخلي الحكومات عن توظيف الخريجين، وترك هذا الأمر لآليات العرض والطلب، ترصد الدراسات الخاصة بسوق العمل، أن النساء يتعرضن لمظالم كثيرة في ظل اتساع سوق العمل غير الرسمي، من حيث عدم الحصول على عقود عمل، أو الاستغناء عنهن بعد الزواج، مخافة المطالبة بالحصول على إجازات للحمل والرضاعة.
وتفضل بعض مؤسسات القطاع الخاص غير المنظم توظيف الفتبات قبل سن الزواج فقط، لإمكانية تشغيلهن بأجور متدنية، وساعات عمل أطول، خاصة في مجالات صناعة الملابس الجاهزة، أو تعبئة المواد الغذائية.
مرّت عقود عدة وحكومات الدول العربية تتغنى بالقضاء على الأمية، إلا أن الإحصاءات الرسمية تظهر فشلاً كبيراً في هذا المجال، خاصة بين الإناث، فالتقرير الاقتصادي العربي الموحد الأخير يوضح أن نسبة الأمية بين النساء في الفئة العمرية ( 15 سنة فما فوق) تصل إلى 27.4% من إجمالي عدد الإناث، بينما تنخفض نسبة الأمية في الفئة العمرية (15 - 24) إلى 8.9%.
" يزيد من نسبة الأمية بين الإناث العرب، ارتفاع ظاهرة التسرب من التعليم، والتي يقدرها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2016 بنحو 5.4%"
ويزيد من نسبة الأمية بين الإناث العرب، ارتفاع ظاهرة التسرب من التعليم، والتي يقدرها تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2016 بنحو 5.4% في المرحلة التعليمية الأولى.
وبلا شك فإن ظاهرة التسرب من التعليم كانت أكثر حضورًا في الدول التي شهدت حروبا أهلية خلال السنوات الست الماضية، وكذلك الأوضاع الاقتصادية السلبية بالدول العربية الأقل نمواً مثل موريتانيا واليمن والسودان والصومال.
تقارير منظمة المرأة العربية المتوالية بشأن قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية، تركز بشكل رئيس على مأساة المرأة بالدول التي تعاني من حروب أهلية، مثل سورية، والتي قدر أحد تقارير المنظمة المهاجرين منها بنحو 4.5 ملايين سوري، تمثل المرأة نسبة كبيرة من بين هؤلاء اللاجئين.
وكذلك اليمن التي ذكر التقرير أنه كان حاضنة للاجئات الصوماليات ضمن أسرهن، وقدر التقرير عدد النازحين باليمن بنحو 2.3 مليون فرد، وفي العراق وصل عدد النازحين بالداخل إلى 3.3 ملايين فرد.
إلا أن تقرير منظمة المرأة العربية ركز على مجموعة من المشكلات التي تعاني منها المرأة المهاجرة أو النازحة، أبرزها عقبات الحصول على حق اللجوء أو الإقامة في الدول التي انتقلن إليها، والحصول على تصاريح العمل، حيث تمنع معظم الدول العربية اللاجئين من ممارسة العمل، مما عرض اللاجئات العربيات لمصاعب اقتصادية.
وإن كان بعضهن قد لجأن إلى العمل غير الرسمي، مثل خادمات بالبيوت، أو العمل في القطاع الخاص غير المنظم، الذي لا يشترط الحصول على تصاريح العمل، كما أنه لا يقدم أجورا عادلة، أو تأمينا صحيا أو اجتماعيا، كما عملت اللاجئات العربيات في مجال إعداد وتقديم الغذاء بمقابل.
وفي إطار تقنين أوضاعهن لجأت بعض اللاجئات العرب إلى الزواج من أجل الحصول على الإقامة، أو الحصول على تصاريح عمل، إلا أن تقرير منظمة المرأة العربية، بين أن بعض اللاجئات تعرضن للاستغلال الجنسي، أو الزواج المبكر.
كما رصد التقرير كذلك معاناة اللاجئات العرب مع الحصول على سكن مناسب أو خدمات صحية وتعليمية لهن ولأولادهن، وهو ما دفع العديد منهن للإقامة في مخيمات اللاجئين في دول الجوار مثل تركيا والأردن ولبنان والعراق.
إلا أن أكثر المشكلات التي واجهت المهاجرات العرب، هي تعرضهن للموت عبر رحلات الهجرة غير الشرعية، وبخاصة أولئك القاصدات للدول الأوروبية، كما عانين من مشكلات الاضطهاد العنصري في بعض الدول الأوروبية، وإن كانت الاحصاءات عن هذه المشكلة غير متوفرة، إلا أن وسائل الإعلام نقلت غير مرة، ما تعرضت له النساء العرب المهاجرات من فقدان لحياتهن، أو حياة ذويهن من أبناء أو أزواج في عرض البحار أثناء رحلات الهجرة.