تصدرت مصر متقدمة على المملكة العربية السعودية، حيث زاد حجم اقتصادها بأكثر من الضعف، فيما تراجع ناتج السودان المحلي خلال الفترة من 2017 إلى 2020 الإجمالي بنسبة 20%، فيما بقيت اقتصادات الإمارات والبحرين عند معدلات ثابتة، أو تقلّ بنسبة أقلّ من 1%.
ظلّت مقارنات أداء اقتصادات المنطقة العربية مع بعض الدول خارجها، تأتي في غير صالح الدول العربية، فمثلاً كان يقارَن اقتصاد المنطقة العربية كلها بواحد من اقتصادات الاتحاد الأوروبي، فكانت النتيجة أن الاقتصاد الإسباني قد يساوي إجمالي الناتج المحلي للدول العربية، أو يقلّ عنها بقليل، وكان ذلك مثار غضب، نظراً إلى ضعف أداء اقتصادات الدول العربية.
ولكن مؤخراً اتخذ البنك الدولي منذ سنوات مؤشراً مختلفاً لقياس أداء اقتصادات دول العالم، وفق مؤشر "مماثلات القوة الشرائية"، وهو مؤشر جديد ويختلف عن تقدير الناتج المحلي الإجمالي للدول وفق قيمة هذه الاقتصادات بعملتها المحلية، مقابل الدولار.
ولكن مؤشر مماثلات القوة الشرائية، يعتمد على مقارنة الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما، أو حجم إنفاقها، أو متوسط الأسعار بها، بما عليه الواقع في أمريكا، بمعنى لو أن سلعة ما في دولة مثل مصر تكلفتها 10 جنيهات مصرية، وتكلفتها في أمريكا دولاران، فإننا إذا أردنا إعادة تقويم أداء الاقتصاد المصري، فسيتم حساب تكلفة ناتجها المحلي وفق أسعار لو تم إنتاجها في أمريكا.
وتأتي تجربة مؤشر "الأسكوا"، في إطار استنساخ ما قام به البنك الدولي من قبل في هذا الخصوص، ولكن تجربة "الأسكوا"، اقتصرت فقط على اقتصادات دول المنطقة العربية، الأعضاء في المنظمة، حيث شمل المؤشر 13 دولة عربية (الأردن، والإمارات، والبحرين، وفلسطين، والسودان، والعراق، وعمان، وقطر، والكويت، ولبنان، ومصر، والمغرب، والسعودية).
وترى المنهجية الجديدة لمؤشر "الأسكوا" "مماثلات القوة الشرائية" أن طريقة تقويم اقتصادات الدول وفق قيمة عملتها المحلية مقابل الدولار، غير عادلة، لأن أسعار صرف العملات المحلية، يمكنها أن لا تعبّر عن قيمها الحقيقية، فضلاً عن التذبذبات والتقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي باستمرار على صعيد أسعار الصرف.
ولذلك فنتائج مؤشر "الأسكوا" تضع اقتصادات المنطقة العربية في موقع الريادة لارتفاع قيمة اقتصاداتها، ووفق نتائج المؤشر فإن الاقتصاد المصري في صدارة اقتصادات المنطقة، ويأتي بعده اقتصاد السعودية، على الرغم من أنه وفق مؤشر تقويم الاقتصادات بقيمة عملتها تجاه الدولار، فإن السعودية تتصدر اقتصادات المنطقة العربية.
نظراً إلى ما تعرضت له عملة كل من لبنان والسودان، فقد توقع المؤشر أن تزيد معدلات الغلاء في كلا البلدين في عام 2021، وتذهب تقديرات المؤشر إلى أن ما يتطلبه إنفاق الأسرة في لبنان في عام 2021، يصل إلى 5.5 ضعف ما كان عليه حجم الإنفاق في عام 2019، إذا ما أرادت الأسرة أن يكون لها نفس الاستهلاك الذي كانت عليه في عام 2019، وذلك بسبب الانخفاض الكبير في قيمة العملة.
أما وضع العملة في السودان، فيذهب التقرير إلى أن العملة المحلية السودانية فقدت 50% من قوتها الشرائية في عامَي 2019 و2020، ويتوقع التقرير أن تفقد العملة 87% من قوتها الشرائية خلال الفترة من 2019 إلى 2021.
أما على صعيد مستوى الأسعار في المنطقة العربية، فيبين التقرير أن الأسعار في كل من لبنان والسودان سوف تشهد ارتفاعاً ملحوظاً بنحو 50% في لبنان عام 2021، ونحو 33% في نفس العام بالسودان، أما في العراق فيذهب التقرير إلى انخفاض الأسعار هناك نظراً إلى ارتفاع القوة الشرائية للدينار العراقي.
وفي السعودية يتوقع أن تظل الأسعار ثابتة مع زيادة طفيفة، أما بقية الدول فسوف تشهد انخفاضاً في الأسعار، وبخاصة بعد انتهاء جائحة كورونا، وسوف تكون الأسعار في مصر هي الدنيا مقارنة بباقي دول المؤشر، وستكون الأسعار في قطر هي العليا كذلك مقارنة بباقي دول المؤشر.
وفي ما يتعلق بحجم الإنفاق، فإن تقديرات مؤشر "الأسكوا" تبيّن أن حجم الإنفاق على مستوى دول المؤشر باستثناء لبنان، قد تراجع بنسبة 3% خلال الفترة من 2017 إلى 2020، ويتخذ المؤشر عملة سلطنة عمان أداة للقياس، إذ انخفض حجم الإنفاق للدول العربية من 1019 مليار ريال إلى 991 مليار ريال.
وقد استحوذت مصر على المرتبة العليا في الإنفاق بنسبة 31% بعد أن كانت حصتها 25%، وفي المرتبة الثانية أتت السعودية بنسبة 26% بعد أن كانت نسبتها 36%، وكانت الحصة الأقلّ في الإنفاق كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموع دول المؤشر لفلسطين بنسبة 0.5%.
وفي تقديرات مؤشر "الأسكوا" للناتج المحلي الإجمالي لدول المؤشر في عام 2020، فقد تصدرت مصر دول المجموعة، متقدمة على المملكة العربية السعودية، وزاد حجم الاقتصاد المصري بأكثر من الضعف، فيما تراجع ناتج السودان المحلي خلال الفترة من 2017 إلى 2020 الإجمالي بنسبة 20%، فيما بقيت اقتصادات الإمارات والبحرين عند معدلات ثابتة، أو تقلّ بنسبة أقلّ من 1%.
ويعطي المؤشر نتائج لافتة للنظر في ما يتعلق بنصيب الفرد من الدخل، فتأتي قطر كأعلى متوسط لنصيب الفرد من الدخل، ولكنها في عامَي 2016 و2017 تراجع نصيب الفرد بها بنسبة 5.1 و4.5 على التوالي، إلا أن الإمارات شهدت زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل.
كما أن مصر تُعتبر العليا من حيث زيادة نصيب الفرد من الدخل بنحو 13%، على الرغم من أن المؤشر يذكر أن مصر لا يزال نصيب الفرد فيها من الدخل منخفضاً.
ومن بين دول الخليج شهد نصيب الفرد من الدخل انخفاضاً في كل من السعودية والكويت خلال الفترة من 2017 إلى 2020، ففي السعودية بلغ الانخفاض في نصيب الفرد من الدخل بنسبة 23% وفي الكويت بنسبة 24%، إلا أن السودان يُعتبر هو الأقل بين دول المؤشر من حيث نصيب الفرد من الدخل.
الحديث عن قيمة الناتج المحلي الإجمالي، أو مستوى الأسعار، أو تقويم حجم الإنفاق، دون تفاصيل أخرى، يعني نتائج غير حقيقية، فمثلاً الحديث عن ارتفاع قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدول ما، دون معرفة مصادر هذا الناتج، هل هو نتيجة نشاط ريعي أم إنتاجي، أو ما القيمة المضافة التي تتضمنها عملية تحقيق الناتج، أمر مهم، وهو ما تعاني منه المنطقة العربية، فالنفط، وهو سلعة استخراجية، يمثّل الجانب الأكبر في قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية، بنسبة تصل إلى 25% من قيمة الناتج المحلي، وذلك حسب أداء ما قبل أزمة كورونا، ولكن بعد جائحة كورونا تراجعت نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلي للدول العربية إلى 17.5%، وذلك وفق تقدير التقرير الاقتصادي العربي الموحَّد.
الأمر الآخر الذي لم يتطرق إليه المؤشر بالتفسير وكيفية القياس، هو ما يتعلق بالتجارة الدولية، فالتبادل التجاري لا يتم على أساس "مماثلات القوة الشرائية"، وإلا لعجز العديد من الدول عن ترويج منتجاتها من السلع والخدمات، بل العكس هو ما يشهده الواقع، إذ تتعمد الدول التي تنطلق من نشاط التصدير، أن تخفض قيمة عملتها المحلية، حتى يمكنها تصدير كميات أكبر، وبخاصة إذا كانت تمتلك قاعدة إنتاجية قوية، تمكنها من الاستفادة من ميزة تخفيض قيمة العملة المحلية.
في الختام، يُعَدّ هذا المؤشر في إطار التطوير، فلا يعمل به في الواقع العملي، كاعتبارات الائتمان والتصنيف من قبل المؤسسات المالية، أو وكالات التصنيف الائتماني.