على ما يبدو أن المصريين لا يتعلمون الدرس من خلال تعاملهم مع الكيان الصهيوني، فبعد توقيع اتفاقية السلام في نهاية السبعينيات، تمنت مصر أن يؤدي ذلك إلى رخاء اقتصادي واستقدام استثمارات أجنبية تغير من واقعها التنموي المتخلف، لكن النتيجة التي تحققت مع نهاية الثمانينيات، هي إغراق مصر في دوامة الديون الخارجية.
وفي مطلع التسعينيات تم عقد مؤتمر مدريد، وتم تسويق وهم اقتصاديات السلام، وكانت إسرائيل هي الرابح الأكبر، حيث تم إسقاط المقاطعة العربية بدرجاتها المختلفة عنها، مما مكنها من عودة العلاقات الاقتصادية مع العديد من الدول الآسيوية والأفريقية، فضلًا عن انتعاش سياحتها، واستقبالها لاستثمارات أجنبية لم تستقبلها من قبل.
وفي النصف الثاني من التسعينيات تم عقد مؤتمر منتدى دافوس بمصر، ليروج بنيامين نتنياهو مغالطاته بشأن الفصل بين المسارين السياسي والاقتصادي في العلاقات الإسرائيلية - العربية، وأبدت الدول العربية ممانعة في الظاهر، بينما في الخفاء تنامت العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية العربية، وإن كانت بعض دول الخليج اتخذت خطوة بلا مقابل تمثلت في إنشاء مكتب تمثيل تجاري لدى إسرائيل في ظل تصاعد القمح الإسرائيلي لأطفال الحجارة.
وبعد انقلاب 3 يوليو، كانت أولى الزيارات الخارجية التي لم يعلن عنها لقيادات بالجيش المصري ومحمد البرادعي متوجهة لإسرائيل، بما يجعل مصر رهن الرضا الإسرائيلي، ظنًا من القيادة الجديدة بمصر، بأن إسرائيل لديها تأثير كبير في توجيه حركة الاقتصاد والمال في العالم من خلال اللوبي الصهيوني.
وتمثل رضوخ مصر للتوجهات الإسرائيلية في هذا الحصار المطبق على قطاع غزة منذ اليوم الأول للانقلاب، وبخاصة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة أثناء يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013.
ثم هذه التصريحات الواضحة التي لا تحتاج إلى تأويل من أن مصر تسعى لتحقيق الأمن لإسرائيل، وفي هذا الإطار بدأت عمليات إقامة المنطقة العازلة على حدود مصر في مدينة رفح مع قطاع غزة، ثم الخطوة الثانية بالإزالة الكاملة للمدينة المصرية، والتي تصب في إطار تفريغ سيناء من العنصر البشري، وجعل هذه المساحة من أرض مصر، بلا تنمية على الرغم من عوامل النجاح المرتقبة لمشروع تنموي يعتمد على البعد الاستراتيجي لسيناء.
وفي ضوء إعداد مصر لمؤتمرها الاقتصادي في مارس/آذار القادم، رأت الحكومة المصرية أن الإزالة الكاملة لمدينة رفح هو العربون، لمساعدة إسرائيل لتدفق الاستثمارات الأجنبية خلال المؤتمر، ولكن ستكون النتيجة كما حدث من قبل، مجرد وعود إسرائيلية، وتمنيات مصرية خاسرة.