في أواخر سبتمبر 1999 ألقى "مايك مور" المدير العام لمنظمة التجارة العالمية كلمة أمام مؤتمر وزراء التجارة الأفارقة بالعاصمة الجزائرية، أكد فيه على العديد من المعاني التي تعكس الوضع المتردي لاقتصاديات الدول الأفريقية؛ حيث تضم أفريقيا وحدها 33 دولة من إجمالي الـ48 دولة الأقل نمواً على مستوى العالم، وهناك ما يقرب من 300 مليون فرد يعيشون تحت خط الفقر – أقل من دولار في اليوم – من إجمالي سكان القارة البالغ عددهم 700 مليون نسمة.
وعلى الرغم من ذلك كان مدير منظمة التجارة العالمية حازماً في دعوته للدول الأفريقية بالانخراط في دائرة النظام التجاري الدولي متعدد الأطراف. وأكد أنه سوف يكون رسول هذه البلاد لدى البلاد المتقدمة، لتقدم كل العون لاقتصاديات الدول النامية وخاصة الأفريقية منها!
لكن ما حدث في سياتل كان أكبر من وعود "مور"، فالاتفاقيات التجارية عادة ما تصاغ لصالح الأقوى، حتى إن ممثلي الكثير من الدول الأفريقية لم يجدوا مكانا للمشاركة في أعمال المؤتمر إلا بين مقاعد الصحافيين، فضلاً عن عجز نحو 20 دولة نامية عن تحمل نفقات التمثيل في جنيف لمتابعة الأعمال التحضيرية للمؤتمر. وقد عانت الدول الأفريقية مرارة التهميش في سياتل على الرغم من وجود 44 دولة أفريقية تحظى بعضوية المنظمة أي نحو 32% من عضوية المنظمة.
وفشل سياتل، ولا تزال أجندة مشاكل أفريقيا الاقتصادية كما هي متخمة بالفقر والتخلف والمرض والمطلوب منها أن تشارك في نظام تجاري متعدد الأطراف يضعها على قدم المساواة مع الدول المتقدمة التي تنكرت لالتزاماتها بمساعدة الدول النامية منذ التوقيع على نتائج جولة أوروجواي في نهاية عام 1994، ولكن الدول النامية ومنها معظم الدول الأفريقية تريد أن تقبض ثمناً للمشاركة في هذا النظام، لا أن تكون مجرد شاهد على تفرد الدول المتقدمة بالنظام التجاري متعدد الأطراف، وتنوي قبضه في الدوحة.
فليس سرا أن التطبيقات الفعلية لمفاوضات جولة أوروجواي نتج عنها زيادة التنمية والثروة في الدول الصناعية المتقدمة في الوقت الذي فقدت فيه الدول النامية نصيبها العادل في تنمية تجارتها الخارجية، ففي عام 1950 كان نصيب الدول الأفريقية من الصادرات والواردات العالمية نحو 5.3 % و 5.7 % على الترتيب، بينما انخفضت هذه النسبة لتصل إلى 1.6% و1.9% على الترتيب في عام 1998. ولا تحظى القارة الأفريقية من الاستثمارات الأجنبية إلا بنحو 2% من حجم الاستثمارات الأجنبية على مستوى العالم.
بعد نحو اثني عشر يوماً من الاجتماع التنسيقي العربي تجاه مؤتمر منظمة التجارة العالمية المقرر عقده بالدوحة في نوفمبر 2001 القادم، دعت القاهرة إلى اجتماع تنسيقي آخر، ولكن لأعضاء منظمتي "الكوميسا" و"الساداك" الأفريقيتين نهاية يوليو الماضي، وحضره ممثلو 14 دولة، كان الهدف منه التنسيق في اتخاذ مواقف موحدة لدول القارة تجاه الموضوعات المطروحة في اجتماعات منظمة التجارة العالمية والمجلس الوزاري المقرر عقده بالدوحة.
1- بحث كل من الرسوم الجمركية العالية والتصاعدية في القطاعات السلعية الهامة تصديريا لدول الكوميسا والساداك.
2- الالتزام بفتح أسواقها بدون رسوم جمركية ودون حصص أمام منتجات الدول الأفريقية النامية والأقل نمواً.
3- إلغاء الإجراءات التقييدية التي تقع في إطار اتفاق العوائق الفنية أمام التجارة وإجراءات حماية صحة الإنسان والحيوان والنبات والتي تعوق دخول صادرات الكوميسا والساداك إلى أسواق الدول المتقدمة وزيادة إجراءات الشفافية.
مع مراعاة ألا تؤدي أي مفاوضات بشأن الرسوم الجمركية إلى انتقاص المعاملة التفضيلية التي تتمتع بها دول الكوميسا والساداك في أسواق الدول المتقدمة.
وبإعداد الدول الأفريقية لأجندة مطالبها وتنسيق موقفها تجاه الاجتماع الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية من خلال تجمعي الكوميسا والساداك، تستعد أفريقيا للوقوف لحماية مصالحها أمام الدول المتقدمة التي من المتوقع أن تستوعب درس فشل سياتل، عازمة ألا تضعف أمام إغراءات وعود المعونات والمساعدات، فالتوقيع على أي التزامات جديدة هذه المرة قد يؤدي بالدول النامية إلى درجة من المشاكل يصعب الخروج منها في ظل تخلي الدول المتقدمة عن وعودها السابقة.