الرئيسية / السعودية / ميزانية السعودية 2021: توقعات غير منطقية و”النفط” حجر الزاوية

ميزانية السعودية 2021: توقعات غير منطقية و”النفط” حجر الزاوية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 15-11-2020
  • 119
ميزانية السعودية 2021: توقعات غير منطقية و”النفط” حجر الزاوية
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر

شأن كل اقتصاديات دول العالم، تأثر الاقتصاد السعودي في 2020 بالتداعيات السلبية لجائحة كورونا. تعبر عن ذلك أرقام البيان التمهيدي لميزانية 2021 الذي صدر مؤخرًا عن وزارة المالية السعودية. والبيان التمهيدي هو بيان أولي، بالإمكان أن بتم تبديله وتغييره قبل أن تصدر الميزانية بشكل نهائي في ديسمبر من العام الجاري.

وتراهن تقديرات أداء الاقتصاد السعودي 2021 التي تضمنها البيان التمهيدي على تحسن أداء الاقتصاد العالمي، وعودة التعافي للنشاط الاقتصادي، وتحسن خطوط الإمداد بالسوق العالمي. ولذلك، نجد أن توقعات نمو الناتج المحلي السعودي تتحول من أداء سلبي وانكماش في 2020 إلى نمو بنحو 3.2% في 2021.

وركز البيان التمهيدي على أن أداء الاقتصاد السعودي في 2021 سوف يعمل على تحقيق مستهدفات رؤية 2030 التي يتبناها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذكرت مجموعة من المشروعات العامة التي تؤدي إلى دعم تحقيق هذه المستهدفات، مثل برامج الإسكان،الخصخصة وتطوير القطاع المالي.

أداء اقتصادي سلبي في 2020 

عَرج البيان التمهيدي على أداء الاقتصاد السعودي خلال النصف الأول من عام 2020، وكيف تحول نمو الناتج المحلي الإجمالي من ايجابي بنحو 1.3% في الربع الأول من 2020 إلى أداء سلبي بنحو 8% في نهاية يونيو 2020، بعد مرور الإجراءات الصعبة التي أدت للانكماش في كافة القطاعات الاقتصادية داخل المملكة.

لكن بشكل عام يتوقع البيان أن ينتهي 2020 بمعدلات انكماش بالناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 3.8% بعد أن كانت نتائج عام 2019 إيجابية بنحو 0.03%. اللافت للنظر أنه في ظل هذا الأداء السلبي للناتج المحلي الإجمالي، اتخذت الحكومة السعودية مجموعة من الإجراءات التي تزيد من حالة الانكماش، وهو اتجاه غير مفهوم.

في أوقات الانكماش تعمل الحكومة على اتخاذ إجراءات تؤدي إلى زيادة الطلب للوصول إلى حالة رواج، لكن البيان يشير إلى اتخاذ الحكومة السعودية قرارًا برفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% بعد أن كانت 5%، كما تم إلغاء دعم بدل غلاء المعيشة الذي اعتمدته الحكومة السعودية في فترات سابقة، وزيادة الرسوم الجمركية على بعض الواردات من الخارج.

صعيد المالية العامة، يتوقع البيان أنه مع نهاية 2020 سوف تنخفض الايرادات العامة إلى 770 مليار ريال (205 مليار دولار) وتصل نسبة تراجع الإيرادات إلى 16.9% عما كانت عليه عام 2019. بينما يتوقع للنفقات العامة أن تزيد بنهاية 2020 إلى 1068 مليار ريال، وتقدر الزيادة بنحو 48 مليار ريال، وهي زيادة طبيعية في ظل ما فرضته أزمة كورونا من إنفاق على الرعاية الصحية، وكذلك بعض البنود الاجتماعية الأخرى. 

ونتيجة للخلل في إدارة الإيرادات والنفقات العامة في عام 2020 بالسعودية، من المتوقع أن يقفز العجز بالميزانية إلى 12% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ عجز نسبته 4.5% في عام 2019، ومن المؤشرات المهمة التي اتسمت بإداء سلبي كذلك ارتفع معدلات التضخم في عام 2020 ليصل إلى 3.7% بعد أن كان 2.1% في عام 2019.

تفاؤل مشروط وتوسع في الديون

يراهن صُناع السياسة المالية في السعودية على عودة التعافي للاقتصاد العالمي مما يؤدي إلى تحسن معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي زيادة الطلب على النفط، ولذلك نجد تقديرات البيان التمهيدي لميزانية 2021 بالسعودية تذهب إلى أن يصل معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.2%.

لكن ماذا لو اتخذت الموجة الثانية من كورونا اتجاهًا تصاعديًا وأدت إلى عودة الإغلاق الكامل لبعض الاقتصاديات الكبرى؟ المفترض أن يكون هناك برنامج بديل، وسيناريو آخر لإدارة الأوضاع المالية بالسعودية، وتظل الأزمة الاستراتيجية للاقتصاد السعودي كما هي، وهي أنه اقتصاد نفطي.

ثمة زيادة منتظرة فيما يتعلق بتقديرات الإيرادات العامة السعودية في 2021 لتقدر بنحو 846 مليار ريال، على الجانب الآخر، سوف تتراجع النفقات العامة إلى 990 مليار ريال، وهو ما يجعلنا نكرر السؤال ذاته، حول إمكانية تحقيق معدلات نمو إيجابية في الناتج المحلي السعودي، في حين هناك توجه لتقليص النفقات العامة؟ إن أداء القطاع السعودي لا يقوى على أن يعوض تراجع الإنفاق الحكومي، بل المشكلة الكبرى، أن القطاع الخاص السعودي يعيش بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وإمكانية أن يقود القطاع الخاص السعودي عملية الرواج مشكوك فيها بنسبة كبيرة، وهو ما يعرض تقديرات وزارة المالية السعودية عن 2021 لتكون غير واقعية. ومن المعلومات المثيرة للغرابة في البيان التمهيدي، أن رؤية 2030 تستهدف أن يقوم القطاع الخاص السعودي بتحقيق نسبة تتراوح ما بين 40% – 60% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وهو مستهدف لا يقوم عليه دليل أو شاهد من الواقع.

المواطن: الشراكة المفقودة وتحمل التبعات

يشكل سؤال، أين المواطن؟ فيما يتعلق بالميزانية السعودية، عدة جوانب، منها أين هو من المشاركة في وضع التصورات والتقديرات في ميزانية 2020، حتى تعبر عن طموحاته وآماله، وحتى يكون راض عن أدائها، ويتحمل تبعات القرارات المتخذة في إطارها.

أين المواطن في ظل الإجراءات المالية التي تزيد من الأعباء المعيشية؟ ثمة توجه لتحرير أسعار النفط بصورة تدريجية خلال الفترة القادمة كما نص على ذلك البيان التمهيدي لميزانية 2021، وكذلك تم اتخاذإجراءات في يونيو ويوليو 2020 تؤدي إلى زيادة معدلات الضرائب، إلغاء مزايا اجتماعية مثل بدل غلاء المعيشة وخصخصة بعض مشروعات ضرورية مثل محطات المياه في بعض المناطق بالسعودية. السؤال المهم، ماذا تقدم ميزانية 2021 للمواطن السعودي حتى يستطيع مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية القائمة؟ هذا هو السؤال الذي لا توجد له إجابة بالبيان التمهيدي لميزانية 2021.

استراتيجية التمويل بالدين

تشير أرقام البيان التمهيدي إلى وصول الدين العام في 2020 إلى 854 مليار ريال وأن المستهدف أن يرتفع الدين العام إلى 941 مليار ريال في 2021، وتراهن السعودية على أن تكون الأسواق الدولية أحد المصادر الرئيسة لضمان الوصول لأسواق الدين وجذب الأموال.

وعلى الرغم من أن البيان التمهيدي اشار لدور لصندوق الاستثمارات العامة، إلا أن وضع الصناديق السيادية السعودية لازال مبهمًا ويحتاج إلى المزيد من الشفافية، فالصندوق يملك نحو 300 مليار دولار ولا يعلم له دور محدد في دعم الميزانية العامة، سواء فيما يتعلق بعوائد استثماراته أو التفكير في موارده كبديل للديون الخارجية.

في الختام: لوحظ خلال عامي 2019 و2020، أن وزارة المالية السعودية تقوم بنشر بيانات مالية ربع سنوية عن أداء الميزانية، كما تصدر البيان التمهيدي للميزانية للعام الثالث على التوالي، وهذا شئ إيجابي، وسوف يؤدي إلى تحسن وضع السعودية على مؤشر شفافية الموازنة، لكن يبقى الأمر يحتاج إلى أمرين مهمين، وهما مشاركة مكونات المجتمع السعودي في الإعداد والرقابة على الميزانية، وكذلك المزيد من الشفافية فيما يتعلق بالوضع المالي للدولة، سواء كانت تلك الأموال تدرج في الميزانية أو لها مواضع أخرى.