ما بين احتمالات الحل السلمي والتصعيد الإيراني السعودي، فيما يخص الوضع في اليمن بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، تلقي الشكوك بظلالها حول ما ورد بميزانية السعودية لعام 2018 حول مخصصات الإنفاق العسكري، حيث أشار البيان المالي إلى أن هذه المخصصات ستبلغ نحو 210 مليارات ريال، مقابل 224 مليار ريال في 2017.
فهل سيسفر أداء الحكومة السعودية خلال 2018 عن الالتزام بما جاء بالميزانية من خفض مخصصات الإنفاق العسكري، أم ستضطرها شواهد الواقع إلى تجاوز هذه المخصصات، مما سيؤدي إلى زيادة العجز بالميزانية؟ وما هي السيناريوهات المحتملة بشأن الإنفاق العسكري السعودي خلال العام القادم؟
ثمة احتمال يطرح نفسه وبقوة، وتمكن قراءته من خلال قرار صانع السياسة المالية بالسعودية بخفض مخصصات الإنفاق العسكري، وهو تفكير القيادة السياسية في الوصول لحل سلمي ينهي النزاع في اليمن، ويبقي الصراع السعودي الإيراني في إطار الأدوات الناعمة، لكن على ما يبدو فإن إيران تشعر بأن تحت يدها ورقة ضغط لا يمكن التفريط بها لاستنزاف السعودية ماليًا واقتصادياً، وهي استمرار النزاع باليمن، حيث صرح مسؤول إيراني مؤخرًا بأنهم لا يدعمون الحوثيين عسكريًا، ولو كانوا يفعلون ذلك لأعلنوه بشجاعة.
وإذا تحقق احتمال الوصول لحل سياسي للأزمة اليمنية، بعد أن لمّحت إدارة ترامب إلى وجود الحوثيين في الحل السياسي باليمن، فسوف يساعد ذلك صانع السياسة المالية السعودية بتفعيل قراره بخفض مخصصات الإنفاق العسكري في 2018 وما بعدها، لكن ذلك سيتوقف على طبيعة خريطة النزاع بالمنطقة، والتي يخطط لها أن تستمر لسنوات قادمة.
تخفيض مخصصات الإنفاق العسكري بميزانية 2018، لم يأت بشكل منفرد، ولكن أتى ضمن تخفيض مخصصات 4 قطاعات، وبالتالي فهناك أزمة فرضت نفسها على توزيع مخصصات الإنفاق العام، وبخاصة في ظل قرارات أحادية تتخذ من قبل القيادة السياسية سواء فيما يتعلق بمشروعات مثل طرح مشروع "نيوم" بتكلفة 500 مليار دولار، أو الوعود بضخ استثمارات سعودية في بلدان أخرى.
وثمة شواهد متعددة ببنود الميزانية السعودية تدل على استمرار الأزمة المالية خلال السنوات القادمة، منها ما ذكره البيان المالي من أن التوازن المالي بالميزانية سيتحقق في 2023 بدلًا من 2020، في حين أن توقعات أوبك أشارت إلى أن أزمة انهيار أسعار النفط ستنتهي في 2020.
والشاهد الثاني في استمرار الأزمة التمويلية، تصاعد قيمة الدين العام السعودي وبلوغ تقديراته 555 مليار ريال في 2018، ووصوله إلى 854 مليار ريال في 2023، وبدلًا من انتهاج سياسة تصفير الدين العام، أصبحت الميزانية السعودية تعتمد آلية التمويل بالدين.
وبلا شك فإن سياسة التمويل بالدين في ظل الإمكانيات المالية السعودية، وطبيعة التوجهات الاقتصادية الجديدة، ستكون ذات ظلال سلبية، لأن السياسة الجديدة تعتمد تخلي الدولة عن النشاط الاقتصادي لصالح القطاع الخاص، وبالتالي يتوقع ارتفاع المديونية العامة، فضلًا عن أن الميزانية بما هي عليه الآن يغلب عليها الإنفاق الجاري بنحو 81%، أي أن الديون لن تستخدم في تمويل الاستثمارات، بل في تمويل النفقات الجارية، بما يكرس لأن تكون أزمة المديونية مزمنة بالميزانية السعودية.
كل الشواهد تدل على تصعيد النزاع بين التحالف الخليجي والحوثيين في اليمن، بل ويتوقع البعض أن تشهد الفترة المقبلة نزاعًا مباشرًا بين إيران والسعودية، بعد أن طاولت صواريخ الحوثيين قصور الأمراء والملوك السعوديين، كما حدث يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017.
لكن الميزانية السعودية لعام 2018 - والتي أعلن عنها في نفس يوم وصول صاروخ الحوثي إلى قصر اليمامة - حملت مفاجأة غير متوقعة، حيث جاء في صفحة 75 من البيان المالي للميزانية أن مخصصات الإنفاق العسكري ستنخفض إلى 210 مليارات ريال مقابل 224 مليار ريال في 2017، وبتراجع قيمته 14 مليار ريال، وبنسبه 6.3%.
وحسب أرقام البيان المالي لميزانية 2018 بالسعودية، فإن حجم الإنفاق العسكري يمثل 21.4% من إجمالي الإنفاق العام البالغ 978 مليار ريال، مقابل 24.1% في 2017 من إجمالي إنفاق عام بلغ 926 مليار ريال.
وبعيدًا عن أجواء التوتر والنزاع المسلح، فمن الطبيعي أن يشهد الإنفاق العسكري تخفيضًا لصالح مخصصات بنود أخرى تهدف لرفع معدلات التنمية، لكن في ضوء نزاع مفتوح، وحرب لم يستطع أحد الطرفين حسمها على مدار أكثر من عامين، من الصعب أن تنخفض مخصصات الإنفاق العسكري، وبخاصة أن الحلول السياسية تغيب عن الساحة، أو مستبعدة في الأجل القصير.
فإحصاءات معهد استوكهولم للسلام تبين أن السعودية مازالت تحتل مرتبة متقدمة على قائمة الدول ذات الإنفاق المرتفع على التسلح، ففي 2016 بلغ حجم الإنفاق السعودي على التسلح 63.6 مليار دولار. ونحسب أن التقديرات التي تضمنتها الميزانية السعودية لعام 2018 عن حجم الإنفاق العسكري، سوف يتم تجاوزها، وفي أقل التقديرات لن تقل عن حجم إنفاق عام 2017.
وإن كان الإنفاق العسكري ليس المخصص الوحيد الذي شهد تراجعًا بمخصصات ميزانية 2018، إلا أنه الأقل من بين 4 قطاعات أخرى شهدت تراجعًا في مخصصاتها، ففي حين كان التراجع بالإنفاق العسكري 6.3%، فإن قطاع الإدارة العامة شهد تراجعًا 13.3%، والأمن والمناطق الإدارية 8.2%، بينما قطاع التعليم ناله النصيب الأكبر في تراجع مخصصاته بنسبة 15.8%.
تظهر إحصاءات معهد استوكهولم للسلام أن حجم إنفاق السعودية على التسلح خلال الفترة 2010 - 2016 بلغ 470 مليار دولار، أي أن المتوسط السنوي للإنفاق العسكري بلغ خلال هذه الفترة نحو 67 مليار دولار.
وكما توضح قواعد الاقتصاد السياسي، بأن العبرة ليست بحجم الإنفاق، لكن بمدى المردود الإيجابي لهذا الإنفاق، وحسب ترتيب السعودية في قائمة الدول المستوردة للسلاح، واحتلالها للمرتبة الرابعة بين هذه الدول، لم تعد دولة آمنة على الصعيد الإقليمي، فضلًا عن أن تكون دولة ردع بالمنطقة.
ورغم هذا الإنفاق مازالت السعودية ومعها الإمارات غير قادرتين على حسم الحرب في اليمن مع الحوثيين، بل تحولت الحرب إلى مصدر تهديد مباشر تجاوز الحدود، إلى قلب العاصمة السعودية، وليس ببعيد أن ينال الأراضي الإماراتية.
وقد تكون الإحصاءات الواردة بالميزانية السعودية لعام 2018، على غير الحقيقة، فوزير المالية السعودي محمد الجدعان رفض الإجابة عن تكلفة الحرب في اليمن، واكتفى بقوله " سيكون إنفاقنا بلا حدود من أجل تأمين حدود المملكة".
الحديث حول الأرقام التي تضمنتها ميزانية 2018 في السعودية عن الإنفاق العسكري، تأتي أهميته من كون الأزمة التي تورطت فيها المملكة في اليمن، وورطت معها دولا خليجية أخرى، أصبحت أحد أسباب أزمتها الاقتصادية، ليس من حيث حجم الإنفاق العسكري ونسبته من الإنفاق العام فقط، واستمرار الرياض في الإنفاق على التسلح بمبالغ كبيرة، ولكن من حيث غياب الاستقرار السياسي والأمني، الذي أصبح يهدد الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالسعودية، ليس فقط على صعيد الاستثمار الأجنبي، ولكن على صعيد الاستثمارات المحلية أيضًا.