في إطار حالة من عدم الاستقرار السياسي بمنطقة الشرق الأوسط، قفز سعر النفط في الأسواق الدولية إلى قرابة 85 دولارا للبرميل من خام برنت، ونحو 75 دولارا للبرميل من الخام الأمريكي، وثمة توقعات أن يلامس سعر البرميل 100 دولار خلال النصف الأول من عام 2019، وبخاصة بعد تفعيل العقوبات الاقتصادية الأمريكية على النفط الإيراني.
وقد انعكس تحسن أسعار النفط بالسوق الدولية على وضع الميزانية السعودية بنهاية النصف الثاني من عام 2018، فحسب البيانات المنشورة على موقع وزارة المالية السعودية، بلغت الإيرادات العامة السعودية في الربع الثاني من عام 2018، نحو 273 مليارا و500 مليون ريال (72.9 مليار دولار) بزيادة قدرها 67% عن نفس الفترة المناظرة من عام 2017. كما زادات الإيرادات النفطية خلال الربع الثاني من عام 2018 لتصل إلى 184 مليارا و100 مليون ريال (49 مليار دولار) بزيادة نسبتها 82% عن نفس الفترة من عام 2017.
ومن ثم يطرح السؤال نفسه بخصوص حظوظ المواطن السعودي من هذه الزيادات الملموسة في عوائد النفط، والمتوقع أن تشهد المزيد من الزيادات بنهاية عام 2018، في ظل سيناريو تطبيق العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران. هل سيتحسن الوضع المعيشي للمواطنين السعوديين؟ بعد أن تقدم نحو 63% من السكان إلى طلب العون من صندوق “حساب المواطن” المخصص لدعم المضاريين من الإجراءات الاقتصادية التقشفية. وكذلك ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين إلى 12.9% بنهاية الربع الأول من عام 2018.
والإجابة الأولية التي يمكن رصدها عبر متابعة أداء السياسات الاقتصادية للنظام السعودي، أن هذه الزيادات في عوائد النفط، لن ينعكس أثرها بشكل إيجابي على مستوى معيشة الأفراد داخل المجتمع السعودي، وندلل على هذا الاستنتاج عبر مجموعة من الحقائق، منها ما يلي:
تشير بيانات وزارة المالية السعودية إلى زيادة الدين العام السعودي إلى 536 مليارا و900 مليون ريال (143.1 مليار دولار) بنهاية يونيو 2018، بعد أن كان بحدود 443 مليارا و500 مليون ريال (118 مليار دولار) في بداية 2018، أي أن هناك زيادة قدرها 21% في قيمة الدين العام، في نفس الوقت الذي تزيد فيها عوائد النفط، نتيجة ارتفاع الأسعار في السوق الدولية.
ولم يكن مؤشر زيادة الدين العام بالميزانية السعودية هو المؤشر الوحيد على اختلال الوضع المالي، ولكن هناك مؤشر آخر، وهو استمرار وجود العجز بالموازانة، فأرقام المالية السعودية تظهر وجود عجز بالموازانة بنهاية النصف الأول من عام 2018 بنحو 41 مليارا و600 مليون ريال ( 11.09 مليار دولار)، وبالتالي فرص توجيه جزء من الزيادات المتحققة في عوائد النفط للسعودية إلى مجالات تتعلق بحياة المواطن ضعيفة، حيث سيكون التركيز على تقليص هذا العجز، وخدمة الدين العام.
ويلاحظ أن ثمة مشروعات أطلق عليها “مشروعات ضخمة” تستنزف موارد الدولة السعودية، في ظل غياب دراسات جدوى حقيقية، مثل مشروع “نيوم” الذي تستمر الحكومة السعودية في تنفيذ بعض متطلبات بنيته الأساسية، في نفس الوقت الذي تعلن فيه مؤخرًا عن تكوين فريق استشاري للمشروع. فمثل هذا الإنفاق يضيع الفرصة على كفاءة تخصيص الإنفاق العام، ومن ثم وجود استفادة حقيقية تعود على حياة المواطن السعودي من هذا الإنفاق.
على الرغم من قرب فترة الحرب في اليمن -التي بدأتها السعودية في مارس 2015- من نحو أربع سنوات، لم يحسم الوضع، وتشير الحقائق على الأرض إلى استنزاف الموارد المالية والاقتصادية للمشاركين فيها، وأن من يدفع الثمن الغالي هو الشعب اليمني من أرواح أبناءه.
ولا تلوح في الأفق مؤشرات للحسم العسكري أو السياسي في اليمن، ومن ثمة استمرار إنفاق السعوديين مع حلفائهم في هذه الحرب على التسليح، ودفع الأموال للعناصر من قوات بعض الدول نظير مشاركتها في حرب اليمن، مثل الجنود من السودان وباكستان وماليزيا.
ومن هنا فالزيادات في عوائد النفط سيوجه جزء منها إلى تمويل هذه الحرب المدمرة لجميع الأطراف المشاركين فيها، وخصمًا من إمكانية استفادة المواطن السعودي من الزيادة المتحققة والمنتظرة في عوائد نفط بلاده.
بعد صفقة ترامب الكبرى في مايو 2017، وحصوله على نحو 500 مليار دولار من الحكومة السعودية، منها نحو 150 مليارا نقدًا، تجددت تهديدات ترامب لرأس النظام السعودي، بضرورة أن تدفع السعودية لأمريكا نظير حماية العرش السعودي وبقائه في الحكم.
إن تهديدات ترامب المتكررة، لن تكون مجرد تصريحات سياسية أو إعلامية، ولكنها محسوبة عليه عبر برنامجه السياسي، والذي برهن عليه عبر الكثير من الخطوات التي اتخذها على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولا أدل على ذلك من اشعاله للحرب التجارية مع أقطاب العالم الاقتصادية.
ومن هنا نسطيع القول، بأن الزيادة المتحققة في عوائد النفط السعودية، سيكون جزء منها موجهًا لتغطية تكلفة توفير الحماية الأمنية الأمريكية للنظام السعودي، سواء بشكل مباشر عبر صفقات السلاح وغيرها من الصفقات الاقتصادية، أو الدفع غير المباشر من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الأمريكي، الذي تقدم به ترامب لتحقيق انخفاض في معدل البطالة لمعدلات غير مسبوقة وهي 3.7% بنهاية سبتمبر 2018.