ظلت الأرقام الخاصة بتقديرات أعداد الفقراء في السعودية تعتمد على اجتهادات الباحثين، ولم يصدر عن مؤسسة حكومية سعودية أرقام رسمية يمكن الاعتماد عليها، وكان أبرز المصادر لدى الباحثين لتقديرات أعداد الفقراء، التقرير السنوي للشؤون الاجتماعية السعودية، والذي يقدم إحصاءً يخص عدد الأسر التي تحصل على مساعدات من الأيتام والعجزة والأرامل والمطلقات، وغير ذلك، وكانت هذه التقديرات تنحصر ما بين 20% إلى 30%.
ولكن التصريح الذي صدر مؤخرًا عن وزير العمل السعودي، علي الغفيص، أن عدد من تقدموا لبرنامج "حساب المواطن"، بلغ 13 مليون فرد، أي ما يعادل نسبة 64% من سكان السعودية.
و"حساب المواطن" هو برنامج أعلن من قبل الحكومة لدعم الفقراء ومتوسطي الدخل في مواجهة الإجراءات الاقتصادية التي يتم تنفيذها في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي المنفذ في إطار توجهات صندوق النقد الدولي، ورؤية 2030 التي تتبناها السعودية من أجل تخلص الاقتصاد المحلي من الاعتماد على النفط.
وحسب ما نشرته وسائل الإعلام السعودية، فإن الدعم المقدم للأسر من خلال برنامج "حساب المواطن" سيكون منصبًا بشكل رئيسي على استهلاك الوقود والمياه، وسيحدد حسب دخل رب الأسرة وعدد من يعولهم، وكذلك الاستهلاك الضروري من الوقود والمياه، وسوف يقدم هذا الدعم بشكل نقدي، ولن يتسم بالثبات، ولكنه سيكون متغيرًا صعودًا وهبوطًا بأسعار النفط في الأسواق العالمية، وسيكون الدعم المقدم من خلال البرنامج مستقلًا عن باقي البرامج الاجتماعية الأخرى، مثل معاشات الضمان الاجتماعي.
وفي الوقت الذي يعلن فيه وزير العمل السعودي عن السياسات المنظمة لبرنامج "حساب المواطن" لدعم الفقراء ومتوسطي الدخل، يصرح الرئيس الفرنسي ماكرون بأن كلا من السعودية والإمارات ستقدمان نحو 130 مليون يورو لدعم قوة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وهو الأمر الذي يجعل من مساهمة المواطن السعودي في مراقبة الإنفاق العام ضرورة ملحة، وأن يوضع حد لزيادة الإنفاق على سياسات إقليمية ودولية أدت إلى إهدار كثير من الأموال وأضرت بسمعة المملكة في المحيط الإقليمي والإسلامي.
ووفق ما نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية مؤخرًا، فإن مطلع 2018 سيشهد رفع أسعار الوقود في السعودية بنسبة 80%، وأن هذه الزيادة تأتي في إطار خطة للوصول بأسعار الوقود في المملكة إلى المستويات العالمية في 2023 - 2025. كما أن بداية عام 2018 سيتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة.
إذا كان عدد من يرون في أنفسهم أهلًا للحصول على الدعم النقدي من الحكومة السعودية وصل إلى 64% من السكان، وذلك قبل تطبيق الإجراءات المنتظرة في قطاعي الوقود والمياه، وكذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة، فإن أعداد الفقراء والمستفيدين من البرنامج بعد هذه الإجراءات يتوقع أن تشهد زيادة قد تصل بنسبة طالبي الدعم إلى نحو 80% من سكان المملكة.
كما تشير هذه الإجراءات إلى أن أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، مستمرة لعام 2020 الذي قدرته منظمة الأوبك، أو قد يتجاوز ذلك، كما أن التحسن الذي شهدته أسعار النفط خلال 2017، لم يعد كافيًا لتغطية العجز في الميزانية السعودية، الذي ينتظر له أن يكون بحدود 10% خلال 2018، ولا ينتظر أن تكون الزيادة الطفيفة في أسعار النفط كافية لوقف مسيرة السعودية في التوسع بالدين العام البالغ نحو 100 مليار دولار بنهاية 2017.
وتدلل التوجهات الجديدة للحكومة السعودية بالمزيد من الإجراءات التقشفية، على أن نفقات الحرب في اليمن في تزايد، وأنها أصبحت تشكل عبئًا على ميزانية المملكة، كما أن الإنفاق على التسليح سيظل في مستواه المرتفع، الذي لامس سقف الـ64 مليار دولار في عام 2016. وبلا شك، فإن ارتفاع تكاليف الإنفاق على التسليح يخصم من نصيب الأفراد من الميزانية المخصصة للخدمات العامة.
وحسب بيانات معهد استكهولم للسلام، فإن إنفاق السعودية على التسليح خلال الفترة 2012 - 2016 بلغ 362.5 مليار دولار، وأن عامي 2014 و2015 كانا الأعلى من حيث الإنفاق خلال الفترة، حيث كانت قيمة الإنفاق خلال العامين 82.5 مليار دولار و87.1 مليار دولار على التوالي.
سيواجه الوافدون في السعودية خلال عام 2018 المزيد من الأعباء المعيشية في ظل الإجراءات الجديدة، حيث إنهم سيكونون خارج دائرة الاستفادة من برنامج "حساب المواطن" المخصص للدعم، وهو ما يجعلهم يفكرون بجدية في مغادرة المملكة، كما سيؤثر ذلك على تحويلاتهم لبلدانهم خلال المرحلة المقبلة. حيث بلغت هذه التحويلات في يوليو 2017 نحو 208 مليارات دولار، مقابل 4.2 مليارات دولار في يوليو 2016، ويتوقع في ظل الإجراءات الجديدة أن تتراجع هذه التحويلات بشكل أكبر مما كانت عليه في يوليو 2017.
التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة التي تنتظر السعودية، بمثابة عقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة بين الدولة والمواطنين فيما يخص حصول المواطنين على الخدمات العامة، والتوجه نحو تحمل المواطنين ثمن ما يحصلون عليه من سلع وخدمات عن طريق الحكومة، وليس هذا فحسب، فهناك واقع جديد ينتظر قطاعات التعليم والصحة والنقل والمواصلات والاتصالات، وكذلك سوق العمل، خاصة العمل في الجهاز الحكومي.
وإذا ما رغب القائمون على الأمر في السعودية إنجاز هذه التغيرات التي تنال جزءًا كبيرًا من مكونات الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السعودي، فعليهم أن يستكملوا دائرة الإصلاح، بأن تشمل الحياة السياسية والبرلمانية، التي تضمن الرقابة والمحاسبة على الإيرادات والنفقات العامة للدولة، وأن يشاركوا في كيفية توجيه الإنفاق وتخصيصه، حتى يكون الإنفاق معبرًا بحق عن احتياجاتهم.
وثمة متطلبات سريعة، أو شروط، ينبغي أخذها في الاعتبار لمواجهة ما سيتم اتخاذه في مطلع عام 2018 من رفع لأسعار الخدمات العامة، وعلى رأسها الوقود، مما سيؤدي إلى موجة من ارتفاع معدلات التضخم، والتي يتوقع لها أن تتجاوز 5% في السعودية خلال عام 2018، ومن هذه الشروط ما يلي:
- ليست العبرة بوجود برنامج للحماية الاجتماعية، كما هو متصور من خلال برنامج "حساب المواطن" وفقط، ولكن المطلوب أن تكون برامح الحماية الاجتماعية تعكس الحفاظ على مستوى معيشي كريم للمواطن السعودي، وأن تكون الإجراءات الخاصة بترشيد الإنفاق العام تشمل كافة مكونات الميزانية السعودية، بما فيها مخصصات الأسرة المالكة، وليس فقط ما يخص الإنفاق على بعض الخدمات العامة التي يستفيد منها المواطنون.
- أن تكون الزيادات في الأجور والمرتبات، أعلى من الزيادات المتوقعة في معدلات التضخم، بحيث تكون الزيادة في الأجور والمرتبات حقيقية وتمكن المواطنين من مواجهة أعباء المعيشة، حتى لا يسقط الكثير من المواطنين في دائرة الفقر.
- أن تتاح لمنظمات المجتمع المدني الفرصة لأمرين، المشاركة والمراقبة للأوضاع المالية للحكومة خلال الفترة القادمة، بما يضمن حسن توظيف الموارد لمواجهات النفقات العامة، والأمر الثاني أن تشهد الحركات التعاونية وجمعيات حقوق المستهلك نشاطًا كبيرًا يسمح بالتخفيف من معاناة المواطنين خلال الفترة القادمة.
- أن تفكر الحكومة السعودية في استفادة الوافدين من برامج الدعم، فهم يشكلون نحو 33% من إجمالي السكان في المجتمع، وإهمالهم قد يؤدي إلى اتساع رقعة الاقتصاد الأسود.