بعد أن تجاوز سعر النفط لسلة أوبك حاجز 75 دولارا في مايو/أيار 2018، توقع البعض أن تتجاوز السعودية أزمتها المالية، مع وجود تحسن كبير في حسابات الميزانية السعودية للعام 2019، وهو ما انعكس على البيانات المنشورة في البيان التمهيدي للميزانية لعام 2019 المنشور على موقع وزارة المالية السعودية.
حيث أتت توقعات البيان التمهيدي، بأن ترتفع الإيرادات العامة –التي قوامها الرئيس الإيرادات النفطية- لتصل إلى 987 مليار ريال -260.8 مليار دولار-، مقارنة بـ 882 مليار ريال – 235.2 مليار دولار- أي وجود زيادة في الإيرادات المتوقعة في 2019 بنسبة تصل إلى 11% تقريبًا.
ولكن أداء أسعار النفط في السوق الدولية على مدار نوفمبر 2018، أتى مخيبًا لآمال الدول النفطية، وبخاصة المملكة العربية السعودية، حيث أشارت أسعار النفط إلى بيع النفط السعودي الخفيف عند 64 دولارا للبرميل، وثمة توقعات بأن تشهد سوق النفط المزيد من الانخفاض، أو على الأقل يبقى عند مستويات لا تتجاوز سقف 65 دولارا للبرميل.
ويتوافق ذلك مع التوجهات والرغبات الأمريكية التي تريد أن تبقى أسعار النفط في السوق الدولية عند معدلات منخفضة، وهو ما عبر به صراحة ترامب خلال أكتوبر/تشرين الأول 2018 من خلال مطالبته لمنظمة أوبك بخفض الأسعار، وهو الأمر الذي صدقت عليه أسعار السوق الدولية عقب تصريحات الرئيس الأمريكي.
وكانت تقديرات صندوق النقد الدولي الخاصة بتحقيق توازن الميزانية السعودية -أي عدم تحقيقها لعجز أو فائض- تشير إلى ضرورة أن تظل أسعار النفط أعلى من 70 دولار للبرميل. ولذلك وجدنا الميزانية السعودية تشهد المزيد من الارتفاعات في الدين العام. وإن كان العجز بالميزانية تقلص خلال النصف الأول من عام 2018 نتيجة تجاوز أسعار النفط لسلة أوبك متوسط 70 دولار للبرميل.
ومن هنا سوف يواجه اقتصاد المملكة العربية السعودية بشكل عام، وميزانية الدولة بشكل خاص، تحديات مالية، وبخاصة أن تراجع أسعار النفط أصبح مصحوبًا بأجواء سلبية تسيطر على مقدرات الاقتصاد السعودي، بسبب تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتي ظهرت بشكل واضح خلال مؤتمر الاستثمار الذي عقد بالرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2018، حيث اعتذر كثير من الشخصيات والشركات الاقتصادية الكبرى عن حضور المؤتمر.
وعلى صعيد المؤشرات الاقتصادية الكلية، فينتظر ألا تتحقق معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة، عند معدل 2.3% في عام 2019، على الرغم من أن الزيادة المستهدفة طفيفة للغاية، فمعدل النمو المنتظر في 2018 عند حدود 2.1%، أي أن الزيادة في معدل النمو في 2019 يرجى لها أن تزيد بنحو 0.2% عما هو منتظر في 2018.
ودلالة ذلك أن حالة الركود والكساد التي يمر بها الاقتصاد السعودي، لا يتوقع أن تشهد تطورًا إيجابيًا في 2019، حيث لا يزال الإنفاق الحكومي هو المحرك للنمو، ولم يظهر القطاع الخاص مقدرة على إحداث طفرة أو تطور ملموس يؤدي إلى تغير واقع الاقتصاد السعودي. كما سيظل النمو الاقتصادي في المملكة مرتبط في الأجل القصير والمتوسط بأداء النفط في السوق الدولية.
أما ما يتعلق بالدين العام، فثمة سياسة توسعية للمملكة تتبنى الاعتماد على الاستدانة من الداخل والخارج، وحسب أرقام البيان التمهيدي لميزانية 2019، فيستهدف أن يصل الدين العام إلى 180 مليار دولار، مقارنة بنحو 153 دولارا بنهاية 2018.
ولا يرى صانع السياسة المالية السعودية غضاضة في أن يصل الدين العام إلى نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي، حسب مستهدفات رؤية 2030، بينما الدين العام في 2019 يتوقع أن يصل إلى 22% من الناتج. ولكن في ظل تراجع أسعار النفط، والأداء المتراجع للاقتصاد السعودي بشكل عام، فقد يقفز الدين كنسبة من الناتج إلى معدلات تفوق ما هو مستهدف في 2019.
فضلًا عن أن المعيار الرئيس لقياس الأثر الاقتصادي للدين العام، هو المردود منه، وكيفية توظيفه في مجالات تحرك النشاط الاقتصادي وتوجد فرص عمل، أو تساعد على التصدير، وليس فقط أن يظل تحت سقف معين كنسبة من الدين العام.
والمطلع على مكونات السياسة المالية السعودية، وبخاصة تصوراتها لقضية الدين العام، يجد استخفافا بقضية المديونية، فبدلًا من الاتجاه للتمويل بالمشاركة والاجتهاد في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أصبح هدف مكتب الدين العام السعودي هو تنوع مصادر الدين العام، ما بين الداخل والخارج، أو ما بين السندات والصكوك. بينما المطلوب هو التنوع الاقتصادي الذي يؤدي إلى زيادة وتنوع الإيرادات المالية الذاتية للدولة.
ثمة تكلفة مالية سوف تدفعها المالية السعودية لخروج ابن سلمان من الحصار الذي ضرب عليه، بعد جريمة مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بتركيا، وهذه التكلفة بدأت منذ الجلسات الأولى لمؤتمر استثمار الرياض، عبر الصفقات مع روسيا وباكستان، إلا أن التكلفة الأكبر ستكون من نصيب أمريكا، التي صرح رئيسها ترامب، بأن ثمة مصالح لبلاده مع السعودية، وترك الباب مفتوحًا بخصوص اتهام ابن سلمان في مقتل خاشقجي، على الرغم من الأدلة التي قدمتها له مخابراته.
ومن المرجح أن تشهد اجتماعات مجموعة العشرين القادمة في الأرجنتين نهاية الشهر، إقدام ابن سلمان –في حالة حضوره ممثلًا لبلاده- على إبرام بعض الصفقات أو الاتفاقيات من أجل كسر الحصار الإعلامي والإنساني المفروض عليه.
ولن تقتصر تكلف إخراج ابن سلمان من تداعيات مقتل خاشقجي على الصفقات مع الدول، ولكن هناك إنفاقا، لن يقل أهمية عن هذه الصفقات، سوف يوجه لشركات العلاقات العامة، ووسائل الإعلام التي ستعمل على تحسين صورة ولي العهد.