الرئيسية / السعودية / المسكوت عنه في موازنة السعودية 2016

المسكوت عنه في موازنة السعودية 2016

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 30-12-2015
  • 272
المسكوت عنه في موازنة السعودية 2016
  • المصدر: موقع الأناضول

كان من المفترض في بيان الموازنة العامة للسعودية، أن يقدم إجابات شافية لأية تساؤلات تعني لمواطني هذه الدولة بوجه خاص، ولقارئ الموازنة بوجه عام، ولكن المطلع على بيان وزارة المالية السعودية حول موازنة عام 37/1438 هجرية الموافق 2016 ميلادية، يجد نفسه أمام مجموعة من التساؤلات، أو بما يمكن توصيفه بأن بيان الموازنة قدم تساؤلات أكثر منه إجابات.

وفيما يلي، نعرض أهم النقاط التي تتطلب إجابات لمعرفة اتجاه وأداء الاقتصاد السعودي خلال الفترة القادمة، وكذلك ما سيحصل عليه المواطن السعودي، وما سيتحمله من أعباء:

موازنة مجهولة المعالم

ثمة أشكال متعارف عليه في أدبيات المالية العامة، بشأن تحديد نوع الموازنة المتبعة في أية دولة، هل هي موازنة بنود ومصروفات، أم موازنة برامج وأهداف، أم موازنة صفرية، ولكن ما جاء في بيان المالية لموازنة السعودية 2016، لا ينطبق عليه مسمى علمي محدد من مسميات الموازنة المتعارف عليها.

ومن التعريفات المشهورة للموازنة العامة للدولة، أنها البرنامج المالي للخطة العامة للدولة، وللأسف فإن ما عرض من أرقام مقتضبة وبعض الشروح لها، تخص بيان الموازنة، ولم يصاحب هذا العرض الخطة العامة للدولة السعودية سواء على المستوى السنوي، أو الخماسي، أو أية مدة تحدد خطة الدولة في الأجل المتوسط.

تدبير العجز

اكتفى البيان المالي بذكر قيمة الإيرادات والمصروفات، فحدد الإيرادات المتوقعة للعام المالي 2016 بنحو 513.8 مليار ريال سعودي (137 مليار دولار أمريكي)، بينما قدرات المصروفات بـ 840 مليار ريال سعودي (224 مليار دولار أمريكي)، أي أن العجز المالي في هذا العام سيكون بحدود 87 مليار دولار تقريباً.

المفترض أن يعلم المواطن السعودي، بكيفية تدبير هذا العجز، وما سيعود عليه من أعباء، سواء كانت تلك الأعباء بشكل مباشر في شكل ضرائب ورسوم، أو بشكل غير مباشر في شكل تخفيض برامج الدعم، ونقص الخدمات العامة.

لقد اكتفى البيان بذكر أن العجز سيتم تدبيره من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي، وبما لا يؤثر على معدلات السيولة أو تمويل أنشطة القطاع الخاص. وهي إجابة إنشائية لا ترتبط بالواقع، فبلا شك أن أي اقتراض داخلي من قبل الحكومة هو خصم من السيولة بالجهاز المصرفي، ومزاحمة لاقتراض القطاع الخاص.

وإذا تم الاقتراض من الخارج، فما هي مصارده؟، وما هي تكلفته؟، ونفس الشيء بالنسبة للاقتراض الداخلي، فتصاعد الدين العام وإن كان ما يزال في قيم محدودة الآن في السعودية، إلا أنه مرشح للتصاعد في ظل أزمة النفط الحالية.

فالدين العام قفز في عام 2015 إلى 142 مليار ريال، مقارنة بـ 44 مليار ريال في عام 2014، وسوف يزيد بقيمة عجز موازنة 2016، بنحو 326.2 مليار ريال، ليصل مع نهاية عام 2016 لنحو 468 مليار ريال تقريباً.

غياب التفاصيل

تناول البيان، توزيع قيمة المصروفات عام 2016 على 7 قطاعات، فحدد مثلاً، 191.6 مليار ريال لقطاع التعليم والتدريب والقوى العاملة، ولا يتضح لنا قيمة مخصصات كل قطاع على حدة، حتى يتسنى لنا معرفة نصيب كل بند، وهل يعبر عن احتياجات حقيقية أم لا؟ وما هي المعايير التي تم بها تحديد مخصصات كل بند؟، وما هو العائد المنتظر من هذا الإنفاق، فمبدأ التكلفة والعائد من المباديء المهمة في تخصيص الإنفاق بالموازنة العامة.

فليست العبرة بحجم الإنفاق كبيراً كان أم صغيراً، ولكن العبرة بالعائد المنتظر من الإنفاق، سواء كان هذا العائد اقتصادياً أو اجتماعياً، أو ينتظر تحقيقه في الأجل القصير أو المتوسط والطويل.

الأمر الثاني، هو بيان التفاصيل التي تخص كل بند، فمثلاً، ما هي مخصصات الأجور والمرتبات في بند التعليم أو التدريب أو القوى العاملة، وما هي النفقات الجارية، وما هي مخصصات الاستثمار بهذا البند، وغيره من البنود الأخرى.

ومما يندرج تحت هذه الملاحظة، بدمج أكثر من بند في قطاع واحد، أن يكون هناك مخصص 104.8 مليار ريال لبند الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، فتحت بند التنمية الاجتماعية تندرج مخصصات الضمان الاجتماعي وغيرهم من مستحقي المساعدة.

والملاحظ أنه مع تطبيق ما أعلن عنه من توجهات اقتصادية ببيان الموازنة، من خصخصة وتقليص برامج الدعم، سوف تتسع رقعة الفقراء والعاطلين، مما يتطلب توفير حماية اجتماعية بشكل أفضل للمواطنين السعوديين.

إهمال الاستثمارات العامة

لعل الدرس المستفاد من كافة الدول التي خاضت ما يمكن تسميته بالتحول الاقتصادي، أن الانتقال المفاجئ دون المرور بفترات انتقالية مناسبة، يفجر العديد من السلبيات الاجتماعية والاقتصادية، والملاحظ أنه من خلال القطاعات السبعة المحددة لتوزيع مخصصات الإنفاق العام لعام 2016 بموازنة السعودية، لم يشر إلى أية مبالغ للاستثمارات العامة، وهو ما يرتبط بملاحظتنا السابقة من غياب التفاصيل.

وخارج نطاق الموازنة يترك البيان أمر الاستثمارات للتوقع وليس الحسم، فيذكر البيان أنه يتوقع أن تواصل صناديق التنمية الحكومية ممارسة مهامها في تمويل المشاريع التنموية المختلفة بقرابة 50 مليار ريال.

وإذا ما افترضنا أن هذه المبالغ سيتم انفاقها بالفعل خلال عام 2016 على مجالات الاستثمار المختلفة، فهي لا تمثل سوى نحو 2% فقط من الناتج المحلي السعودي البالغ 2.4 تريليون ريال وفق تقديرات 2015، وهي بلا شك نسبة ضئيلة جداً، وتدل على اتجاه انكماشي في الاقتصاد السعودي خلال المرحلة المقبلة.

ومما يوجب التساؤل، ما ذكره البيان ضمن إيرادات عام 2015، حيث ذكر رقماً مبهماً، وهو أن إيرادات الاستثمار بلغت 37 مليار ريال (ما يعادل 9.8 مليار دولار)، فهذا العائد على أي استثمار؟ الداخلي أم الخارجي؟، وإذا كانت السعودية تمتلك صندوقاً سيادياً تقدر استثماراته بنحو 750 مليار دولار، فهل يعقل أن يكون عائده السنوي 9.8 مليار دولار، أي 1.3%؟، وإذا افترضنا أن هذا هو عائد الاستثمارات الخارجية، فماذا عن الاستثمارات المحلية؟

وهن القطاع الخاص

ثمة مجموعة من الدراسات تبين أن القطاع الخاص السعودي على مدار السنوات الماضية، كان يعتمد بشكل رئيس على الإنفاق الحكومي، وبخاصة في قطاع البناء والتشييد، وتعول الموازنة العامة السعودية، أن يزداد دور القطاع الخاص غير النفطي، ليشكل جزءاً مهماً من الناتج المحلي الإجمالي.

ولكن ما ورد ببيان الموازنة لا ينبيء بدور يمكن الاعتماد عليه للقطاع الخاص السعودي، فذكر البيان أنه من المتوقع أن يحقق الناتج المحلي غير النفطي نسبة نمو 8.3%، ويتوقع أن ينمو القطاع الحكومي غير النفطي بنسبة 14.5%، بينما القطاع الخاص غير النفطي يتوقع له أن ينمو بمعدل 5.8%، أي أن القطاع الحكومي غير النفطي سينمو بنحو ثلاثة أضعاف القطاع الخاص غير النفطي.

وثمة دلالة أخرى تعكس ضعف أداء القطاع الخاص، تتعلق بتراجع الصادرات السلعية غير النفطية في السعودية خلال عام 2015، بنحو 18.8%، وإذا كانت السعودية تنتظر المزيد من تراجع الإنفاق الحكومي، فستكون النتيجة الطبيعية أن تتراجع مساهمة القطاع الخاص، الذي شب في طور الاعتماد على الانفاق الحكومي على مدار عقود.

ومن الشواهد الأخرى لضعف مردود القطاع الخاص غير النفطي، ما جاء في بيان الموازنة من النمو المتوقع لذلك القطاع في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، حيث يغلب على معظم أنشطته الطابع الريعي والخدمي، ما بين أنشطة الاتصالات والنقل والتخزين وتجارة الجملة والتجزئة، والخدمات المالية والـتأمين، بينما الصناعات التحويلية غير النفطية لهذا القطاع تحقق أدنى معدلات نمو متوقعة بنحو 3.2%، بين الأنشطة المختلفة باستثناء الخدمات المالية والتأمين التي يتوقع لها أن تحقق معدل نمو 2.5%.