الرئيسية / السعودية / السندات الدولية للسعودية والفرص الضائعة

السندات الدولية للسعودية والفرص الضائعة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 17-10-2017
  • 271
السندات الدولية للسعودية والفرص الضائعة
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات

ثمة حملة إعلامية تروج لإصدار السعودية سندات دين في السوق الدولية، بعضها تناول الإشارة إلى مكونات نشرة الإصدار، والتي تبرر للمشترين المنتظرين لهذه السندات، إمكانيات الاقتصاد السعودي، واعتماده على احتياطي نفطي كبير، يسمح بسداد ديونهم، أو ما اتخذته الحكومة السعودية من إجراءات لتقليص الإنفاق العام، بما يسمح لها بملاءة مالية قادرة على خفض عجز الموازنة.

ولازالت الأرقام التي يتم الحديث عنها بخصوص هذه السندات تعتبره قليلة، فهي أرقام تتراوح ما بين 10-15 مليار دولار، ولكن الملفت للنظر أن هذا الرقم سوف يمثل البداية، وأن الأرقام المعتبرة ستأتي خلال الفترات القادمة، كما أن النشرة الخاصة بإصدار السندات، والتي يتناقش حولها مسئولون سعوديون مع خبراء أسواق المال بأحد العواصم الأوروبية، تتضمن شرائح لهذه السندات، تشمل مدد تتراوح ما بين 5، و10، و30 عامًا.

إن اللمحة الأولى لقراءة المدد التي يُفكر في توظيف السندات من خلالها، تعكس أمرين، الأمر الأول خطة صانع السياسة المالية السعودية للاعتماد على الديون الخارجية لتمويل الموازنة لفترة طويلة، والثاني أن الموازنة السعودية ستعاني أوضاع اقتصادية صعبة قد تطول مدتها، وأن الأمر يتجاوز المدى القصير والمتوسط، وأن عمق الأزمة التمويلية للموازنة السعودية سوف يمتد للأمد الطويل.

 

أولاً: تساؤلات ملحة

والسعودية ليست أول دولة تطرح سندات في السوق الدولية للاقتراض، فهناك دول كثيرة نامية ومتقدمة، تلجأ لإصدار السندات، ولكن ثمة مجموعة من التساؤلات تطرح نفسها حول مبررات قيام السعودية بهذه الخطوة، منها:

 

1ـ تمتلك السعودية صندوقًا سياديًا تبلغ أصوله الرأسمالية 757 مليار دولار في نهاية 2015، فهل هذه الاستثمارات لا توفر للسعودية عوائد تمكن من الاستغناء عن إصدار هذه السندات؟ وإذا ما افترضنا أن عائد تلك الأصول الرأسمالية بحدود 3% سنويًا، فإن معنى ذلك أن تحصل الموازنة السعودية على أرباح لا تقل عن 22.7 مليار دولار كعائد على استثمارات الصندوق السيادي.

أما إن عائد تلك الاستثمارات قد حقق نتائج سلبية مع الأجواء المالية والاقتصادية السلبية التي يمر بها الاقتصاد العالمي؟ وحدوث الأمر الأخير يقتضي من الشفافية ما يطمئن المواطن السعودي، لكي يتقبل ما يفرض عليه من إجراءات تقشفية عن قناعة.

وإن كان تصرف المالية السعودية يشير إلى أن الأصول المالية للصندوق السيادي مني بخسائر كبيرة عبر الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وما تبعها من الأزمة المالية في أوروبا، ومؤخرًا التراجع الحاد في قيمة الجنيه الإسترليني، والمقومة به الاستثمارات السعودية في إنجلترا.

 

2ـ إذا أحسنا الظن بأن تلك الاستثمارات الخاصة بالصندوق السيادي السعودي تدار بشكل جيد، وفق قواعد اقتصادية مالية سليمة، وأنه يحقق أرباح ونتائج إيجابية، فهل هذه العوائد أعلى من العوائد التي ستدفع على السندات المزمع إصدارها؟ وأنه تمت عملية تفضيلية بين الأمرين، فتم اختيار أداة السندات باعتبارها أقل تكلفة مالية؟

قد يظن القارئ بأن هذه أمور تفصيلية وداخلية لا تعني المواطن في شيء، والصحيح أن الإجابة على هذه النقاط مهمة جدًا وعادية في ظل وجود برلمانات تحاسب الحكومات على قراراتها المصيرية المتعلق بالديون الخارجية، وكذلك تمارس دورها الأصيل في اعتماد ومراقبة ومراجعة الميزانيات الخاصة بالدولة.

 

3ـ المسلمة الاقتصادية أن الديون أيًا كان مصدرة بالنسبة للدولة، إذا وجهت إلى بنود الإنفاق الجاري مثل سد عجز الموازنة، فهي عديمة الجدوى وتمثل عبء على الأجيال القادمة، وهي مجرد ترحيل لمشكلات اقتصادية حقيقية، بينما إذا وجهت الديون إلى بنود إنتاجية، ومشروعات تلتزم بسداد أعباء الدين من فوائد وأقساط فهي ديون مقبولة ولها عائد اقتصادي واجتماعي.

ولكن في الحالة السعودية نجد أن نشرة اكتتاب السندات التي يسوقها المسئولون السعوديون، تذكر أنها تتوقع تراجع الإنفاق الاستثماري في موازنة 2016 ليصل إلى 20.2 مليار دولار، بدلًا من 70.3 مليار دولار في 2015. فأي تنمية تنظر في ظل تراجع الإنفاق الاستثماري؟ من المقبول أن يتم تحويل عبء الإنفاق الاستثماري من الحكومة أو الدولة إلى القطاع الخاص، للخروج من بعض مساوئ القطاع العام أو الإدارة الحكومية، ولكن أن يتم هذا التخفيض وبهذه الصورة التي تصل فيها نسبة التخفيض نحو 70%، فهذا لا يعني شيء سوى مزيد من البطالة وتراجع معدلات النمو، وهي الصورة الواقعية التي يعيشها الاقتصاد السعودي الآن.

 

4ـ السؤال الذي يطرح نفسه هنا على صانع السياسة المالية السعودية، هو: ما هي البنود التي ستوجه لها حصيلة السندات الدولية؟، فالشفافية في ظل وجود مجلس للشورى في السعودية -والمفترض أنه جهة رقابية على الموازنة-من حقه أن يعلم بنود الإنفاق، والعوائد الاقتصادية المنتظرة منها، وكذلك كيفية الوفاء بهذه الالتزامات في المستقبل.

 

ثانياً: الفرص الضائعة:

ثمة فرص عدة أضاعتها السعودية ودول الخليج على مدار العقود الماضية، بعد تدفق عوائد الثروة النفطية، فلم تخطط السعودية لتغيير وضعها التنموي لتنتقل من مصاف الدول النامية للدول المتقدمة، ولا أن تنتقل باقتصاداتها من الاقتصاديات الريعية إلى الاقتصاديات الإنتاجية.

كما لم تغير ثروة السعودية وغيرها من الدول النفطية، خريطة المنطقة العربية اقتصاديًا، فلا يزال الاقتصاد العربي اقتصادًا تابعًا، ويفتقد الكثير من أدوات الاستقلال الاقتصادي، مما جعل المنطقة مطمعًا للمشروعات الإقليمية الأخرى كالمشروع الإيراني، أو الشرق أوسطي، أو الأورومتوسطي.

أما الفرصة التي تضيعها السعودية هذه المرة، فهي تتعلق بجوانب اقتصادية وأخرى تتعلق بالهوية الإسلامية، أما الجوانب الاقتصادية، فتتمثل في الاستفادة من الانتقال من آلية التمويل عبر الديون إلى آلية المشاركة، سواء كانت المشاركة من خلال القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي. وميزة هذه الآلية أنها لا تحمل الموازنة العامة بشيء، وهناك ما يسمى بآلية “سندات الإيراد” وهي سندات تعتمد على مشاركة حائزيها في ملكية الأصول، ويحصلون على أرباحهم من عوائد المشروعات، وكذلك استرداد رؤوس أموالهم، حسب الفترة الزمنية المتفق عليها، والتي تتوافق مع مقتضيات الجدوى الاقتصادية للمشروعات.

 

أما الفرصة التي تتعلق بالهوية الإسلامية، فهي تبني المالية السعودية الأدوات الخاصة بالاقتصاد الإسلامي، فتمويل العجز بالموازنة وتنشيط الاقتصاد لا يمكن أن تتم بالاعتماد على آلية سعر الفائدة، والتي هي الربا بعينه، وكان في وسع صانع السياسة المالية السعودية أن يُفعل آلية الصكوك الإسلامية بشكل أفضل مما هي عليه الآن في صورة واحدة وهي المرابحة، وأن ينتقل بها إلى صور المشاركة والمضاربة والإجارة.

وبذلك كانت المالية السعودية سوف تتفرد بأنها تصدر معالجة أفضل في ظل قبول العالم على الصعيد الاقتصادي بصلاحية المعالجة الإسلامية التي تعتمد على المشاركة في الربح والخسارة، ورفض آلية الديون في التمويل.

 

ثالثاً: مؤشرات مزعجة

لا يعتقد أن توجه السعودية نحو الاقتراض الخارجي أو الداخلي مؤشر إيجابي، بل هو مؤشر سلبي ومزعج، فالدين العام في أغسطس 2016 بلغ 73 مليار دولار، وتتبنى المالية السعودية برنامجًا للتوسع في المديونية، وسط حزمة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية التي تدفع بالاقتصاد السعودي لهوة المقامرة في الاقتصاد الرأسمالي.

إن التعويل على ارتفاع أسعار النفط مستقبلًا، وأن الزيادة المرتقبة كفيلة بسداد هذه الديون، كما حدث من قبل، هو دلالة على أن السعودية والدول النفطية العربية جميعًا لم تع الدرس بعد. قد تسمح عوائد النفط المرتفع مستقبلًا بسداد الديون، ولكن بعد توريط الاقتصاد السعودية في شبكة من الاحتكار والتبعية للقطاع الخاص الأجنبي (1).