الرئيسية / السعودية / السعودية.. نمو محدود وزيادة الديون بميزانية 2018

السعودية.. نمو محدود وزيادة الديون بميزانية 2018

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 22-12-2017
  • 98
السعودية.. نمو محدود وزيادة الديون بميزانية 2018
  • المصدر: الجزيرة

ثمة حالة من التفاؤل تحدث عنها البيان المالي لميزانية 2018 في المملكة العربية السعودية، ولكن هذا التفاؤل لم يكن له شواهد تؤيده على صعيد أداء الاقتصاد في 2017، كما أن البيئة المحلية والإقليمية تبين أن احتمالات التفاؤل في 2018، مستبعدة لاقتصاديات المنطقة بشكل عام وللسعودية بشكل خاص، نظرا لاتساع نطاق النزاعات المسلحة، والتي أصبحت السعودية فيها طرفا أصيلا، وانتقلت التهديدات المسلحة من نطاق الحدود إلى داخل المدن، بل تستهدف صواريخ الحوثيين قصور الحكام السعوديين.

وحتى تكون هناك قراءة صحيحة لأداء الميزانية السعودية، وفق المردود التنموي، تتناول هذه السطور تحليلا لمضمون الإيرادات والنفقات لميزانية 2018، كما ترصد أداء بعض المؤشرات والبنود الرئيسة وفق هذا المعيار.

أولا، تحليل الإيرادات

تشير بيانات الميزانية إلى أن الإيرادات المستهدفة في 2018 تبلغ 783 مليار ريال (نحو 208 مليارات دولار)، منها 142 مليار ريال (نحو 38 مليار دولار) إيرادات ضريبية، بنسبة 18.1%، وباقي الإيرادات كما ذكر البيان المالي تخص الإيرادات النفطية بنحو 641 مليار ريال (170 مليار دولار)، وبنسبة تبلغ 81.9%. أي أن الإيرادات النفطية لا تزال عصب الإيرادات الحكومية، وهو ما يجعل الاعتماد على إستراتيجية التنوع الاقتصادي للمملكة غير وارد.

ومن جانب آخر، بالنظر إلى هيكل مكون الإيرادات الضريبية نجد أن الضرائب غير المباشرة (الضريبة على السلع والخدمات + الضرائب الجمركية) تمثل عصب الإيرادات الضريبية بنسبة تصل إلى 77.4% من الإيرادات المستهدفة، وهو نمط سائد في النظم الضريبية في الدول النامية، حيث تعجز الحكومة عن تحصيل الضرائب المباشرة من مجتمع الأعمال.

ويعكس هيكل الضرائب بهذه الصورة حالة من عدم العدالة الضريبية، حيث يتساوى الأغنياء والفقراء في تحمل عبء الضرائب غير المباشرة، كما يعكس محابة النظام الضريبي للأغنياء على حساب الفقراء، من خلال أعبائهم من الضرائب أو تهربهم منها. 

وإذا انتقلنا لحساب العبء الضريبي وفق بيانات الميزانية نجد أن الإيرادات الضريبية ترتفع إلى 142 مليار ريال (38 مليار دولار)، مقارنة بـ 97 مليار ريال (25 مليار دولار) في 2017، أي بزيادة قدرها 45 مليار ريال (12 مليار دولار)، وبنسبة زيادة تصل بين العامين إلى 46.3%، وهي بلا شك نسبة مرتفعة لم تراع فيها الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وبخاصة حالة الانكماش التي تعرض لها الاقتصاد خلال 2017، والمفترض في حالة الانكماش أن تخفض الضرائب لتشجيع المستهلكين على استهلاك أعلى، وكذلك تشجيع المستثمرين على زيادة استثماراتهم للاستفادة من تخفيض الضرائب. 

وما بين الإيرادات النفطية والإيرادات الضريبية، لم يذكر البيان المالي أي شيء عن عوائد تخص استثمارات الصندوق السيادي السعودي في الخارج، والذي تصل استثماراته إلى نحو 500 مليار دولار، وهو ما يقدح في شفافية الموازنة، وعرض البيانات المالية.

ثانيا: تحليل النفقات: 

تعكس الأرقام الخاصة بالنفقات بميزانية 2018 الخلل في بنية الميزانية السعودية، حيث تسيطر النفقات التشغيلية على طبيعة النفقات، فالنفقات المستهدفة تبلغ 978 مليار ريال، منها 773 مليار ريال (206 مليار دولار) للنفقات الجارية أو التشغيلية، وبنسبة تصل إلى 79%، بينما النفقات الاستثمارية تبلغ 205 مليار ريال (54 مليار دولار)، وبنسبة 20.9%.

وفي حين يستهدف صانع السياسة المالية إحداث حالة رواج بالاقتصاد السعودي في 2018، نجد أن النفقات الاستثمارية بالميزانية لا تزيد عما كانت عليه في عام 2017 إلا بنسبة 1%، وهي نسبة لا تعكس حجم التطلعات المرجوة.

أما داخل النفقات الجارية أو التشغيلية، فنجد أن بند الأجور يستحوذ على نصيب الأسد، فتبلغ الأجور في 2018 نحو 438 مليار ريال (116 مليار دولار)، وبنسبة تصل إلى 44.7% من إجمالي النفقات العامة، وبنسبة 56.6% من النفقات التشغيلية.

كما يلاحظ أن بند الأجور في ميزانية 2018 قد تراجع من حيث القيمة مقارنة بعام 2018، كما انخفض من حيث نسبته من إجمالي النفقات العامة، فبلغت قيمة الأجور عام 2018 نحو 438 مليار ريال (116 مليار دولار)، مقارنة بـ 440 مليار ريال (117 مليار دولار) في عام 2017، وانخفضت نسبة الأجور مقارنة بإجمالي النفقات العامة من 47.5% عام 2017 إلى 44.7%. وهو ما يعني أن هناك تطبيقي تدريجي لتقليص بند الأجور للحكومة والقطاع العام بالميزانية كما أوصت بذلك تعليمات صندوق النقد الدولي.

ثالثًا: أداء المؤشرات الاقتصادية:

وبالنظر إلى مكونات ميزانية 2018 للسعودية، تبين أنها تتضمن مجموعة من المؤشرات التي تعكس أداء اقتصاديا ذا مردود تنموي ضعيف، لا يتواكب ومتطلبات ما أعلن من مستهدفات برؤية المملكة 2030، ولا وضع السعودية في سعيها لتكون قوة إقليمية، ومن بين هذه المؤشرات ما يلي:

تواضع معدل النمو: تستهدف ميزانية 2018 أن ينمو الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 2.7%، في حين أن نتائج 2017 تبين تحقيق معدل نمو سالب بنسبة 0.5%، ومن جهة أخرى إذا سلمنا بأن السعودية ستنجح في تحقيق النسبة المستهدفة، فهي نسبة غير كافية لمواجهة الزيادة السكانية المقدرة من قبل الهيئة العامة للإحصاء في 2017 بنحو 2.5%، وهذه النسبة في معدل الزيادة السكانية تتطلب أن يكون معدل الزيادة في النمو الاقتصادي ثلاثة أضعافها، أي 7.5%، حتى يكون الاقتصاد قادرا على استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل.

هناك تواضع يتعلق بالنمو المستهدف مقارنة بمتطلبات التنمية، وهو ما يجعل هدف تخفيض البطالة في 2018 صعب التحقيق، فالبيان المالي أوضح أن المستهدف بشأن البطالة أن تنخفض إلى 12% في 2018، مقارنة بـ 12.3% عام 2017.

ويلاحظ أن معدل النمو المستهدف بـ 2.7% بني على افتراضات تتسم بعدم الواقعية، حيث تشير هذه الافتراضات إلى أن الاستهلاك الخاص يحقق انكماشا من 1.2% عام 2017 إلى 0.4%. وعلى عكس الاستهلاك الحقيقي للقطاع الخاص يأتي افتراض استثمار القطاع الخاص، والذي يفترض أن يحقق نسبة نمو 3.3% مقارنة بمعدل سالب 0.6%.

فتراجع الاستهلاك سيكون نتيجة طبيعية لارتفاع تكاليف المعيشة في ظل الإجراءات الخاصة برفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات، ولكن تراجعه بهذه النسبة الكبيرة المذكورة سيؤدي إلى حالة من الانكماش، لا تتناسب مع المفترض تحقيقه من استثمار للقطاع الخاص.

تناسى صانع السياسة المالية في السعودية أن ارتفاع تكاليف الخدمات العامة من وقود وكهرباء ومياه سيزيد من تكاليف الإنتاج، كما أن تراجع معدلات الاستهلاك سيكون بلا شك مؤثر على قرار المستثمرين في زيادة استثماراتهم، فبيانات الميزانية ترسل رسالة سلبية للمستثمرين من القطاع الخاص بألا ينتجوا، لأن الاستهلاك سينمو بمعدلات أبطأ من عام 2017.

تراجع الإنفاق العسكري والتعليم

من اللافت للنظر أن ميزانية 2018 تتضمن تخفيض مخصصات قطاعين مهمين، وهما قطاع الدفاع العسكري والتعليم، ففي حين انخفضت مخصصات الدفاع العسكري بنسبة 6.3%، كانت نسبة التخفيض هي الأعلى في قطاع التعليم بنحو 15.8%.

والمفترض أن التخفيض في قطاع الدفاع العسكري، يؤدي إلى زيادة الإنفاق لصالح القطاعات المعنية بالتنمية البشرية مثل التعليم. ويلفت نظرنا هنا أن قرار صانع السياسة المالية بتخفيض مخصصات التعليم بهذه النسبة، يتضارب مع هدفه بتخفيض نسبة البطالة، خلال عام 2018، فسوق العمل تتطلب تحسين مخرجات قطاع التعليم، وزيادة الإنفاق على التدريب وليس العكس.

أما تراجع الإنفاق العسكري خلال 2018، فنشك في تحقيقه في ظل التصعيد في حرب اليمن، وإعلاء لغة الخطاب الصدامي بين السعودية وإيران، بما ينذر بإمكانية حدوث حرب مباشرة بينهما.

ارتفاع الدين العام

تبين الإحصاءات الخاصة بميزانية 2018 استهداف وصول الدين العام السعودي إلى 555 مليار ريال، وبزيادة قدرها 117 مليار ريال عن عام 2017، وتأتي هذه الزيادة في الديون في ظل اتجاه السياسة الاقتصادية السعودية إلى التخلي عن دعم المواطنين، وتحميلهم أكبر نسبة من ثمن السلع والخدمات، فضلا عن المزيد من الأعباء على الوافدين الذين يشكلون نحو 33% من إجمالي السكان بالمملكة.

الدعم النقدي

تضمنت ميزانية 2018 إنشاء ما أطلق عليه صندوق "حساب المواطن" وهو خاص بتقديم الدعم النقدي للفقراء والأسر متوسطة الدخل لمواجهة أعباء تطبيق الإجراءات الاقتصادية الجديدة، وتبلغ ميزانية هذا الصندوق 32 مليار ريال (8.5 مليارات دولار)، وذلك في الوقت الذي تزيد فيه الدولة بندا واحدا فقط وهو الضرائب بنحو 45 مليار ريال (12 مليار دولار)، فضلا عن رفع أسعار خدمات الكهرباء والمياه والوقود.

ومن المتوقع أن تعجز مخصصات هذا الصندوق عن تقديم الحماية الاجتماعية للفقراء في السعودية خلال 2018، حيث يتوقع أن تزداد شريحة الفقراء في ظل السياسات الاقتصادية الجديدة، حيث تقدم نحو 13 مليون مواطن سعودي للحصول على دعم الصندوق في 2018، وهم يمثلون نحو 64% من إجمالي المواطنين السعوديين.

معاناة الوافدين

أوردت بيانات ميزانية 2018 ما سيفرض على الوافدين من رسوم تخص الإقامة لهم ولذويهم ضمن الإيرادات التي سيعتمد عليها بصورة دائمة، واعتبارها إصلاحات هيكلية في بنية الإيرادات العامة للدولة السعودية صاحبة أكبر حصة من الصادرات النفطية في العالم.

وستكون هناك رسوم بواقع 300 ريال (80 دولار) على كل فرد وافد في المؤسسات التي يتساوى فيها عدد العاملين من الوافدين مع العاملين السعوديين، و400 ريال (106 دولار) في حالة تجاوز العمالة الوافدة للعمالة السعودية، مع زيادة سنوي قدرها 200 ريال (53 دولار). فضلا عن الرسوم المفروضة على المرافقين للعمالة الوافدة وبشكل تصاعدي، يبلغ في السنة الرابعة نحو 400 ريال (106 دولارات) في الشهر للفرد. 

وإذا كان الغرض من هذه الإجراءات السلبية تجاه العمالة الوافدة توطين الوظائف للسعوديين، فهناك إجراءات أخرى لم تتخذ فيها المملكة الإجراءات اللازمة، مثل إصلاح هيكل التعليم والحرص على التدريب، وتقديم احتياجات القطاع الخاص باليد العاملة المدربة وذات الإنتاجية المرتفعة.

والإجراءات المتخذة ضد العمالة الوافدة سوف يساعد على رغبة هذه العمالة في عدم الاستقرار بالمنطقة، أو الإقامة بمفردهم وترحيل ذويهم لبلدانهم الأصلية لتخفيف تكاليف الإقامة، ولكن هذا بلا شك سيؤثر في مستوى الاستهلاك بالسوق السعودية، ويساهم في زيادة حالة الانكماش والركود التي سيكون له مردود سلبي على هدف زيادة معدلات النمو الاقتصادي.

خلل الوضع المالي:

 استمرار العجز بالميزانية السعودية في عام 2018 ليصل إلى 195 مليار ريال (52 مليار دولار)، والإشارة إلى تأجيل تحقيق هدف التوازن المالي من عام 2020 – 2023، يدلل على خلل الوضع المالي، واستمرار الأزمة التمويلية بالمملكة، بسبب استمرار أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، وكذلك حالة عدم الاستقرار واستمرار النزاعات بالمنطقة.